(الصفحة 560)
عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ(عليهم السلام)، أنّه كان يقول: إذا دخل الرجل المسجد وقد صلّى أهله فلا يؤذّننّ ولا يقيمنّ ولا يتطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة، ولا يخرج منه إلى غيره حتّى يصلّي فيه(1).
ومنها: ما رواه فيه أيضاً عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق، عن عمّار، عن أبي عبدالله(عليه السلام)في حديث: في الرجل أدرك الإمام حين سلّم، قال: عليه أن يؤذّن ويقيم ويفتتح الصلاة(2).
ومنها: ما رواه أيضاً عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد(3)، عن أبي عليّ قال: كنّا عند أبي عبدالله(عليه السلام) فأتاه رجل فقال: جعلت فداك صلّينا في المسجد الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلك، فقال أبو عبدالله: أحسنت إدفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع، فقلت: فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال: يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر (يبدو خ ل) بهم إمام، الحديث.
ورواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي عليّ الحرّاني مثله، إلاّ أنّه قال: أحسنتم، ادفعوه عن ذلك وامنعوه أشدّ المنع، فقلت له: فإن دخل جماعة؟ فقال: يقومون في ناحية المسجد ولا يبدو لهم إمام(4).
- (1) تهذيب الأحكام 3: 56، ح195; وعنه وسائل الشيعة 5: 431، أبواب الأذان والإقامة، ب25، ح4.
- (2) الفقيه 1: 258، ح1170; تهذيب الأحكام 3: 282، ح836; وعنهما وسائل الشيعة 5: 431، أبواب الأذان والإقامة، ب25، ح5.
- (3) لا يخفى أنّ الحسين بن سعيد متأخّر عن أبي عليّ بمرتبتين، ولا يمكن له أن يروي عنه، والظاهر سقوط الواسطة بينهما، وأنّها هو محمد بن أبي عمير كما في سند الصدوق «منه».
- (4) تهذيب الأحكام 3: 55، ح190; الفقيه 1: 266، ح1215; وعنهما وسائل الشيعة 8: 415، أبواب صلاة الجماعة، ب65، ح2.
(الصفحة 561)
ومنها: ما عن الصدوق بإسناده عن معاوية بن شريح(1)، عن أبي عبدالله(عليه السلام)أنّه قال: إذا جاء الرجل مبادراً والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة ـ إلى أن قال: ـ ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهّد، فقد أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا إقامة، ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة(2).
ومنها: ما عن كتاب زيد النرسي(3)، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم ووجدت الإمام مكانه وأهل المسجد قبل أن ينصرفوا من الصلاة أجزأك أذانهم وإقامتهم، فاستفتح الصلاة لنفسك، وإذا وافيتهم وقد انصرفوا عن صلاتهم وهم جلوس أجزأك إقامة بغير أذان، وإن وجدتهم قد تفرّقوا وخرج بعضهم من المسجد فأذّن وأقم لنفسك(4).
هذه مجموع الروايات الواردة في هذا المقام، وقد عرفت أنّ أصل المسألة في الجملة ممّا لا ريب فيه ولا إشكال.
واعتراض صاحب المدارك بأنّ الروايات الواردة فيها غير خالية عن خلل الحديث من ضعف أو جهالة أو غيرهما; لكون عمدتها هي روايتا أبي بصير، وهو مجهول مشترك بين أربعة(5)، مدفوع بأنّ من يروي الحديث من تلك الأربعة
- (1) لا يخفى أنّ معاوية بن شريح هو معاوية بن ميسرة، وليسا متعدّدين، كما زعم الصدوق، غاية الأمر أنّه قد ينسب إلى أبيه كما في الثاني، وقد ينسب إلى جدّه كما في الأوّل «منه».
- (2) الفقيه 1: 265، ح1214; وعنه وسائل الشيعة 8: 415، أبواب صلاة الجماعة، ب65، ح4.
- (3) لا يخفى أنّ كتاب زيد النرسي من الكتب الظاهرة في القرون الأخيرة، ولم يكن معروفاً بين قدماء أصحابنا، بل وفي زمان صاحب الوسائل، ولذا لم يرو عنه فيه «منه».
- (4) كتاب زيد النرسي، المطبوع ضمن الاُصول الستّة عشر: 201، ح176; وعنه بحار الأنوار 84: 171، ح75; ومستدرك الوسائل 4: 46، ح4144; وج6: 500، ح7359.
- (5) مدارك الأحكام 3: 267.
(الصفحة 562)
اثنان وكلاهما ثقة.
وبالجملة: فلا ينبغي الإشكال في أصل المسألة.
وحينئذ فنقول: إذا دخل الرجل المسجد مثلا مريداً للصلاة، فدخل على الجماعة التي أُذّن وأُقيم لها، ولم يسمعهما لعدم كونه حاضراً حينهما، بل كان مسبوقاً، فالظاهر سقوط الأذان والإقامة عنه بحيث لا يكون شيء منهما مشروعاً في حقّه; لأنّه مدرك للجماعة حقيقة كسائر المأمومين، ولا يعهد من أحد منهم الأذان والإقامة لنفسه، ولم يدلّ عليه دليل أصلا.
وإن دخل وقد سلّم الإمام فمقتضى الأخبار السابقة سقوطهما كما عرفت، ولا ملازمة بين كون السقوط في الموردين على نحو العزيمة، بل يمكن القول بأنّ السقوط في المورد الأخير إنّما هو على نحو الرخصة; لأنّ هذا الشخص لا يكون مدركاً للجماعة حقيقة، بخلاف المورد الأوّل.
ثمّ إنّه اعتبر في العروة(1) للسقوط في المورد الأخير اُموراً:
منها: أن يكون في المسجد.
ولا يخفى أنّ مقتضى إطلاق الأدلّة عدم الاختصاص.
ومنها: كون صلاته وصلاة الجماعة كلتيهما أدائية.
ولا يخفى أنّ مقتضى الإطلاق أيضاً عدم اعتباره.
ومنها: اشتراك الصلاتين في الوقت، فلو كانت السابقة عصراً وهو يريد أن يصلّي المغرب لا يسقطان.
وفيه: عدم الدليل على اعتبار هذا المعنى أيضاً.
- (1) العروة الوثقى 1: 435ـ436، مسألة 3.
(الصفحة 563)
ومنها: أن تكون صلاة الجماعة السابقة مع الأذان والإقامة، فلو كانوا تاركين أو مكتفين بالسماع من الغير لا يسقطان.
ولا يخفى مخالفته لمقتضى الإطلاق.
ومنها: أن تكون صلاتهم صحيحة.
وفيه: أنّا لا نسلّم الاعتبار في صورة جهل المأمومين ببطلان صلاة الإمام، بل الظاهر أنّ هذا الشخص كأحد منهم(1).
والملاك للسقوط في المورد الثاني إنّما هو كون هذا الشخص كأنّه مدرك للجماعة بعد فرض كون نيّته قبل الدخول ذلك، فأذانه وإقامته إنّما هو أذان الجماعة وإقامتها، كما أنّ الملاك للسقوط في المورد الأوّل هو احترام الجماعة السابقة، ولحاظ حقّ الإمام السابق بعدم رفع الصوت بالأذان حتّى كأنّ الجماعة اللاّحقة من توابع الجماعة السابقة، فينبغي تركهما فيها، ولذا ورد في بعض الروايات السابقة أنّ الداخلين إذا أرادوا الصلاة جماعة يقومون في ناحية المسجد ولا يبدو لهم إمام(2).
- (1) وبالجملة: فقد ذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاذ دام بقاه في حاشية العروة: أنّ اعتبار هذه الاُمور إنّما هو فيمن دخل المسجد مريداً للصلاة مستقلاًّ عن الجماعة، إمّا جماعة، وإمّا فرادى، وأمّا من دخله لإدراكها فوجدهم قد فرغوا ولم يتفرّق الصفوف، فالظاهر أنّ سقوطهما عنه بملاك آخر، ولا يبعد فيه سقوطهما في كلّ مورد يكون إدراكه لها قبل الفراغ مسقطاً، انتهى. حواشي السيّد البروجردي على العروة الوثقى: 44.
- (2) وكيف كان، فكلام الاُستاذ في الحاشية مبنيّ على استفادة الموردين من النصوص، فمن بعضها يستفاد حكم من دخل المسجد لإدراك الجماعة، وأنّه يسقط الأذان والإقامة بالنسبة إليه إرفاقاً له ورعاية لنيّته. وبعبارة اُخرى: مفاده جعل حقّ له لكونه قاصداً لإدراك الجماعة، فكأنّه مدرك لها. فأذانه وإقامته هو أذان الجماعة وإقامتها.
ولا يخفى أنّه في هذه الصورة لا يكون الحكم مختصّاً بالمسجد، وكذلك لا يناسب كون السقوط على نحو العزيمة.
ومن بعضها يستفاد حكم من دخل المسجد لإقامة الصلاة مستقلاًّ عن الجماعة منفرداً أو جماعة، وأنّه يسقط الأذان والإقامة بالنسبة إليه رعاية لحقّ الإمام السابق، أو الجماعة السابقة. وبعبارة اُخرى: يستفاد منه جعل حقّ على الداخل لا له، وحينئذ فيمكن القول باختصاص ذلك بالمسجد. ويجيء الكلام في كون السقوط على نحو العزيمة أو الرخصة.
(الصفحة 564)
هذا، ويسقط الأذان والإقامة أيضاً فيما إذا سمع الشخص أذان غيره وإقامته; فإنّ له أن يكتفي به ولو كان إماماً، والمؤذّن منفرداً.
فقد روي عن أبي مريم الأنصاري أنّه قال: صلّى بنا أبو جعفر(عليه السلام)في قميص بلا إزار ولا رداء، ولا أذان ولا إقامة ـ إلى أن قال: ـ وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذِّن ويقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك(1).
وقد روى عمرو بن خالد، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: كنّا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة، فقال: قوموا، فقمنا فصلّينا معه بغير أذان ولا إقامة، قال: يجزئكم أذان جاركم(2).
[ استحباب حكاية الأذان للسامع ]
مسألة: يستحبّ للسامع حكاية الأذان كما يقول المؤذّن، قال الشيخ في الخلاف: إذا سمع المؤذّن يؤذّن يستحبّ للسامع أن يقول مثل ما يقوله، إلاّ أن يكون في حال الصلاة; سواء كانت فريضة أو نافلة، وبه قال الشافعي، وقال مالك: إذا كنت في مكتوبة فلا تقل مثل ما يقول المؤذّن، وإذا كنت في نافلة فقل مثل قوله في التكبير والتشهّد، وبه قال الليث بن سعد، إلاّ أنّه قال: ويقول في موضع حيّ على الصلاة لا حول ولا قوّة إلاّ بالله(3).
- (1) تهذيب الأحكام: 2: 280، ح1113; وعنه وسائل الشيعة: 5: 437، أبواب الأذان والإقامة، ب30، ح2.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 285، ح1141; وعنه وسائل الشيعة 5: 437، أبواب الأذان والإقامة، ب30، ح3.
- (3) المجموع 3: 124ـ125; المدوّنة الكبرى 1: 60.