(الصفحة 74)
يوم الجمعة، فيشملها الأخبار الدالّة على سقوط مطلق التطوّع في السفر بعد حملها على خصوص الرواتب; لعدم سقوط غيرها ضرورة.
(الصفحة 75)
المقدّمة الثانية
في المواقيت
القول في أوقات الفرائض
وهو: ـ أي الوقت ـ من الشرائط المعتبرة في الصلوات المفروضة، واعتباره في الجملة ممّا لا إشكال فيه، بل هو من ضروريّات الإسلام، وعليه اتّفاق قاطبة المسلمين(1)، وتدلّ عليه الآيات الشريفة:
منها: قوله ـ تعالى ـ : (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ وَ قُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَ مِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِى نَافِلَةً لَّكَ عَسَى
- (1) الخلاف 1: 255; المعتبر 2: 26 و 57; تذكرة الفقهاء 2: 299; ذكرى الشيعة 2: 319; جامع المقاصد 2: 11; الروضة البهيّة 1: 172; مفتاح الكرامة 5: 43; جواهر الكلام 7: 123; المجموع 3: 21; بداية المجتهد 1: 138.
(الصفحة 76)
أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)(1)، والمراد بـ «دلوك الشمس» انتقالها عن دائرة نصف النهار، وبـ «الغسق» انتصاف الليل أو سقوط الشفق، والآية تتضمّن لبيان وقت الصلوات الخمس المفروضة بأجمعها، أربع منها يستفاد من صدرها، وواحدة ـ وهي صلاة الصبح ـ من ذيلها; لأنّها المراد بقوله ـ تعالى ـ : (وَ قُرْءَانَ الْفَجْرِ); وإطلاقه عليها من باب إطلاق لفظ الجزء وإرادة الكلّ، ومن هنا قال بعض الحنفيّة بأنّ القراءة ركن في الصلاة لتكون من الأجزاء الرئيسة.
ومنها: قوله ـ تعالى ـ : (وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُـلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِهَا)(2)، (وَ مِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ أَدْبَـرَ السُّجُودِ)(3).
ومنها: قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَ زُلَفًا مِّنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَـتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّـَاتِ)(4)، والمراد من قوله ـ تعالى ـ : (طَرَفَىِ النَّهَارِ)إمّا صلاة الصبح والعصر، وإمّا صلاة الصبح والمغرب، فعلى الأوّل: يكون المراد من قوله ـ تعالى ـ : (وَ زُلَفًا مِّنَ الَّيْلِ) المغرب والعشاء، وعلى الثاني: يكون المراد منه خصوص العشاء.
وحكي عن كنز العرفان(5) أنّه احتمل أن يكون المراد بالطرف الأوّل وقت صلاة الصبح، وبالطرف الثاني وقت الأربع الاُخر، وقوله ـ تعالى ـ : (وَ زُلَفًا مِّنَ الَّيْلِ) ناظر إلى صلاة الليل.
ويرد عليه: أنّ الخطاب في الآية وإن كان متوجّهاً إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله)، ولكنّ المراد
- (1) سورة الإسراء 17: 78ـ79.
- (2 ، 3) سورة ق 50: 39ـ40.
- (4) سورة هود 11: 114.
- (5) كنز العرفان 1: 73.
(الصفحة 77)
بالإقامة ليس مجرّد إتيانه(صلى الله عليه وآله) بها، بل حمل الناس على إتيانها وبعثهم عليه، فلا يمكن أن يكون المراد ما يشمل صلاة الليل بعد كونها نافلة غير واجبة، كما هو واضح.
ومنها: قوله ـ تعالى ـ : (فَأَقِيمُواْ الصَّلَوةَ إِنَّ الصَّلَوةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَـبًا مَّوْقُوتًا)(1)، يقال: وقته ووقّته، إذا عيّن له وقتاً، فالآية ناظرة إلى أصل اعتبار الوقت في الصلاة. نعم، يحتمل أن يكون الموقوت بمعنى المفروض الثابت، وحينئذ فالآية أجنبية عمّا نحن بصدده.
إلى غير ذلك من الآيات التي يستفاد منها مشروطيّة الصلاة بوقت معيّن.
ولا إشكال أيضاً في أنّ أوقات الفرائض اليوميّة موسّعة، ولا خلاف فيه من أحد عدا ما حكي عن أبي حنيفة وجماعة(2)، حيث أنكروا التوسعة بتخيّل استحالتها عقلا، ولذا ذهب أبو حنيفة إلى اتّصاف الصلاة بالوجوب في آخر الوقت; لأنّ قبله يجوز تركها إجماعاً.
ولا يهمّنا البحث في جواز التوسعة وعدمه; لأنّا أشبعنا الكلام في ذلك في الاُصول(3); ومجمله; أنّ متعلّق الوجوب في الواجبات الموسّعة إنّما هو الأمر الكلّي المقيّد بوقت وسيع، والتخيير بين أجزاء الوقت عقليّ لا شرعيّ، ففي صلاة الظهر مثلا يكون المأمور بها هي الصلاة المتقيّدة بوقوعها بين الزوال والغروب، غاية الأمر أنّ لهذه الطبيعة أفراداً ومصاديق متعاقبة يتخيّر المكلّف عقلا بين
- (1) سورة النساء 4: 103.
- (2) المجموع 3: 49; بداية المجتهد 1: 103; المغني لابن قدامة 1: 381; الشرح الكبير 1: 430; الخلاف 1: 276ـ277، مسألة 18; المعتبر 2: 29; تذكرة الفقهاء 2: 299.
- (3) نهاية الاُصول 1: 233، الفصل السابع في الموسّع والمضيّق.
(الصفحة 78)
إيجادها في ضمن أيّ فرد شاء منها، ولازم ذلك اتّصاف كلّ فرد يوجد بالمطلوبيّة عند المولى.
وبالجملة: فالإشكال في جواز التوسعة ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه.
إذا عرفت ذلك فيقع الكلام في تفصيل الأوقات، نتعرّض له في ضمن
مسائل:
المسألة الاُولى ـ في ابتداء وقت الظهرين
قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ)(1)، ويستفاد منه كما عرفت أوقات الصلوات الأربع; الظهرين، والعشاءين، والمراد بالدلوك هو الزوال، كما قال به كثير من أهل اللغة(2).
ويدلّ عليه أيضاً ما رواه زرارة في حديث قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عمّا فرض الله ـ تعالى ـ من الصلاة؟ فقال: خمس صلوات في الليل والنهار. فقلت: هل سمّاهنّ الله وبيّنهنّ في كتابه؟ قال: نعم، قال الله ـ عزّ وجلّ ـ لنبيّه(صلى الله عليه وآله): (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ) ودلوكها: زوالها، ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات ـ إلى أن قال: ـ وغسق الليل هو انتصافه(3).
وبالجملة: فلا إشكال في أنّ أوّل وقت الظهر هو زوال الشمس، وما حكي عن ابن عباس من جواز تقديمه على ذلك بقليل، والإتيان به قرب الزوال للمسافر(4)،
- (1) سورة الإسراء 17: 78.
- (2) النهاية لابن الأثير 2: 130; الصحاح 2: 1197; لسان العرب 2: 406; المصباح المنير: 199.
- (3) الكافي 3: 271، ح1; تفسير العيّاشي 2: 309 ح138; وعنهما وسائل الشيعة 4: 10، أبواب أعداد الفرائض، ب2، ح1.
- (4) المغني لابن قدامة 1: 407; الشرح الكبير 1: 446; تذكرة الفقهاء 2: 381، مسألة 75.