(الصفحة 323)
إن قلت: دلالتهما على صحّة ما أتى به من الأفعال والأقوال في حال عدم الالتفات تستلزم الدلالة على صحّة باقي الأجزاء، للزوم اللغويّة على تقدير عدمها.
قلت: نعم، لو كان مورد الدليل الدالّ على الصحّة منحصراً بهذا الفرض، والمفروض عدمه كما عرفت، وحينئذ فيمنع من شموله له، فيجب الرجوع في حكمه إلى القواعد، فنقول:
لا إشكال في بطلان الصلاة ووجوب الإعادة فيما إذا كان الانكشاف فيما بين الاشتغال بالأجزاء. وأمّا إذا كان في حال عدم الاشتغال، كما إذا التفت بعد إتمام الفاتحة وقبل الشروع في السورة، ففي الحكم بالصحّة أو البطلان وجهان مبنيّان على أنّ الصلاة هل هي المجموع المركّب من الأفعال والأقوال المخصوصة التي تحدث وتنعدم آناً فآناً، ولا يكاد يكون للمجموع وجود وتحصّل إلاّ بعد تحقّق جميع الأجزاء التي وجد كلّ منها في زمان ثمّ انعدم، أو أنّها عبارة عن حضور العبد في مقابل مولاه والتوجّه إليه.
غاية الأمر أنّه يجب عليه أن يشتغل معه ببعض الأفعال المخصوصة والأذكار المنصوصة، بحيث تتحقّق الصلاة بمجرّد قيامه في حضور المولى وتكون باقية إلى آخرها، فعلى الأوّل: لا تكون السكوتات المتخلّلة بين الأقوال والسكوتات المتخلّلة بين الأفعال جزءاً من الصلاة، وإطلاق أنّه مشتغل بها في حالها مع العناية ورعاية العلاقة، كإطلاق الخطيب والمتكلّم على من تنفّس بين الخطبة والتكلّم، أو اشتغل بغيرهما كشرب الماء مثلا.
بخلاف الثاني; فإنّه يصدق عليه حقيقة في كلّ آن أنّه مشتغل بالصلاة. وعليه:
(الصفحة 324)
فيقع الالتفات بأنّه مكشوف العورة في حال الاشتغال دائماً، فيجب الحكم بوجوب الإعادة، بخلاف الأوّل; فإنّه يصدق عليه حقيقة أنّه لم يكن عالماً بكشف عورته في حال الصلاة; لجواز أن يسترها مع عدم تخلّل المنافي قبل الشروع في السورة في المثال المذكور ثمّ شرع فيها، فيشمله ما يدلّ على الصحّة في حال عدم الالتفات بذلك في حال الصلاة.
هذا، ولا يخفى أنّ الأظهر هو الوجه الثاني; لكونه مغروساً في أذهان المتشرّعة، فيجب عليه الإعادة لما عرفت.
ونظير هذا الفرض ما إذا اُعتقت الأمة، أو بلغت الصغيرة في أثناء الصلاة بعد أن كانتا مكشوفتي الرأس، وكذا ما إذا صار العاري واجداً للساتر في الأثناء.
ثمّ إنّ الحكم بالبطلان في جميع هذه الصور مختصّ بما إذا كان الوقت متّسعاً، وأمّا إذا كان مضيّقاً بحيث لا يتمكّن من قطعها من الإتيان بصلاة اُخرى، فالظاهر الصحّة كما لا يخفى.
(الصفحة 325)
في شرائط لباس المصلّي
وهي الاُمورالمعتبرة في لباسه من حيث كون المصلّي متلبّساً به، لا من حيث كونه ساتراً له، والتعبير بالشرائط مسامحة; لأنّ مرجعها إلى مانعيّة بعض الأوصاف الموجودة فيه، كما عرفت فيما تقدّم، وهي على ما يظهر من كلماتهم ستّة:
الأوّل: أن لا يكون من جلد الميتة.
والثاني: أن لا يكون نجساً.
والثالث: أن لا يكون من أجزاء غير مأكول اللّحم.
والرابع: أن لا يكون مغصوباً، وهذه الأربعة يشترك فيها الرجل والمرأة.
والخامس: أن لا يكون حريراً محضاً.
والسادس: أن لا يكون ذهباً، والأخيرتان يختصّ بهما الرّجل، فالكلام فيها يقع في ضمن اُمور:
[ اشتراط عدم كون لباس المصلّي من جلد الميتة ]
الأوّل: يشترط في لباس المصلّي أن لا يكون من جلد الميتة وإن دبغ، كما هو
(الصفحة 326)
المتّفق عليه بين الإماميّة(1)، خلافاً للعامّة القائلين بجواز استعمالها والانتفاع بها في غير حال الصلاة، وبصحّة الصلاة معها فيما إذا كانت مدبوغة(2)، والأخبار المرويّة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) والأئـمّة(عليهم السلام)(3) ـ الدالّة على أنّ الميتة لا يجوز الانتفاع بها، وعلى بطلان الصلاة فيها مطلقاً ـ شاهدة على خلافه.
وحيث إنّ أصل الحكم ممّا قام عليه اتّفاق الإماميّة، ولم يعلم من أحد منهم الخلاف فيه، بل صرّح كلّهم ببطلان الصلاة فيها، فالتكلّم فيه بذكر الأخبار الواردة ممّا لا يحتاج إليه، ولكن يقع الكلام في أنّ مانعيّة جلد الميتة هل هي لنجاسته كما يظهر من بعض، أو لكونه مانعاً بعنوانه حتّى فيما إذا لم يكن نجساً، كما في ميتة غير ذي النفس؟
فعلى الأوّل: لا يكون مانعاً مستقلاًّ، بل داخل تحت عنوان النجس، بخلاف الثاني، ولا يبعد أن يقال بانصراف الأخبار المانعة عن الصلاة في جلد الميتة عن ميتة غير ذي النفس; لعدم تعارف استعمالها في الصلاة، وكذا ما يدلّ على عدم جواز الانتفاع بالميتة واستعمالها مطلقاً ولو في غير حال الصلاة; فإنّ شمولها لاستعمال ميتة غير ذي النفس والانتفاع بها أيضاً مشكل.
- (1) الخلاف 1: 60ـ62، مسألة 9; غنية النزوع: 66; المعتبر 2: 77; منتهى المطلب 4: 202; تذكرة الفقهاء 2: 463، مسألة 117; ذكرى الشيعة 1: 133ـ135; وج3: 28; جامع المقاصد 2: 80; روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 570; كشف اللثام 3: 200; الحدائق الناضرة 7: 50; مفتاح الكرامة 5: 456; جواهر الكلام 8: 81ـ83.
- (2) الاُمّ 1: 91; المجموع 1: 271; المغني لابن قدامة 1: 55; بداية المجتهد 1: 80; الخلاف 1: 60ـ62; تذكرة الفقهاء 2: 463ـ464; مسألة 117.
- (3) وسائل الشيعة 3: 489ـ494، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب49، و50; وج4: 343ـ347، أبواب لباس المصلّي، ب1 و 2.
(الصفحة 327)
مضافاً إلى أنّ الظاهر هو كونها مسوقة في مقام الردّ على العامّة القائلين
بطهارة جلد الميتة بالدباغ، وجواز الانتفاع به مطلقاً معه، كما يدلّ عليه التعبير بحرمة استعمالها ولو دبغ سبعين مرّة.
ومن المعلوم أنّ ما هو المتعارف فيه الدباغ من الجلود، غير جلد الميتة التي لانفس لها، فالحكم بشمولها له مشكل وإن كان الأحوط عدم جواز الانتفاع به مطلقاً وبطلان الصلاة معه.
مسألة: إذا شكّ في نجاسة جلد حيوان، أو حرمة لحمه وسائر أجزائه مع العلم بطهارته في حال حياته ـ وبحلّيته مع وقوع التذكية عليه ـ لأجل الشك في أنّه هل كان مذكّى أو ميتة؟ فالأصل الأوّلي مع قطع النظر عمّا هو حاكم عليه يقتضي النجاسة والحرمة; لأنّ الظاهر أنّ الميتة هي ما زهق روحه مع عدم وقوع التذكية عليه، فلا تكون الخصوصيّة المأخوذة فيها المائزة بينها، وبين المذكّى أمراً وجوديّاً، حتّى لا تثبت الحرمة والنجاسة إلاّ بعد إحرازه، كما أنّ إثبات الطهارة والحلّية موقوف على إحراز وقوع التذكية عليه.
فالميتة في نظر العرف هي الحيوان الذي زهق روحه مع عدم وقوع التذكية عليه; أي ما كان موته لا بسبب شرعيّ، فمع الشك في كونه مذكّى أو ميتة، يكون مقتضى الاستصحاب هو كونه ميتة، كما أنّ مقتضى أصالة العدم أيضاً ذلك، بناءً على أنّ اعتبارها إنّما هو لبناء العقلاء عليها في جميع الموارد التي شكّ فيها في وجود حادث، كما لا يبعد القول به، فمع الشك لا يجوز الانتفاع بها والصلاة في جلدها بمقتضى الأصل الأوّلي.
ولكنّ المقطوع به والضروريّ من الدين خلافه; للسيرة المستمرّة من زمان