(الصفحة 105)
ا لمعلوم عدم تحقّق المبادئ با لنسبـة إلى المقدّمات في الإرادة التشريعيّـة ، فإنّ من جملتها التصديق بفائدتها ، والحال أ نّـه لا فائدة لها با لنسبـة إلى الأمر حتّى يريد صدورها من الغير ، فإنّ المأمور إذا أراد الامتثال فلا محا لـة يأتي با لمقدّمات وإن لم تكن مورداً لإرادة الآمر ، وإذا لم يكن قاصداً لامتثال الأمر با لفعل فتعلّق الإرادة با لمقدّمات لغو غير مؤثّر .
نعم لو قلنا بترشّح إرادتها من إرادتـه بحيث لا تتوقّف إرادة المقدّمات على مباد أصلاً ، لكان لما ذكر وجـه ; لأنّ العلّـة يترتّب عليها المعلول قهراً إلاّ أ نّك عرفت أنّ هذا الكلام بمكان من البطلان ، كما لايخفى .
ثمّ إنّـه استدلّ أبو الحسن البصري(1) لثبوت الملازمـة بما يرد عليـه ـ مضافاً إلى النقض با لمتلازمين في الوجود إذا وجب أحدهما دون الآخر ـ ما أورد عليـه في الكفايـة(2) ، فراجعها .
تذنيب: حول التفصيل بين السبب والشرط الشرعي وغيرهما
ثمّ إنّـه قد يفصّل بين السبب وغيره وتقدّم الكلام فيـه سابقاً ، فراجع .
كما أ نّـه قد يفصّل بين الشرط الشرعي وغيره ، ويقال با لوجوب في الأوّل دون غيره ; نظراً إلى أ نّـه لولا وجوبـه شرعاً لما كان شرطاً حيث إنّـه ليس ممّا لابدّ منـه عقلاً أو عادةً(3) .
- 1 ـ المعتمد: 95، راجع مناهج الوصول 1: 413، الهامش 4.
- 2 ـ كفايـة الاُصول: 157 ـ 158.
- 3 ـ بدائع الأفكار، المحقّق الرشتي: 355 / السطر 1، كفايـة الاُصول: 159، شرح العضدي على مختصر ابن الحاجب: 90 / السطر 21.
(الصفحة 106)
ومدّعاه في غير الشرط الشرعي حقّ ، وأمّا الشرط الشرعي فيرد على الاستدلال لوجوبـه بما ذكر : أ نّـه إن كان المراد توقّف الشرطيـة على تعلّق الوجوب ، ففيـه : أنّ من الواضح أنّ الوجوب لايتعلّق إلاّ بما هو شرط واقعاً ، فا لحكم متأخّر عن الواقع ، لا أنّ الواقع متوقّف عليـه .
وإن أراد أ نّـه بدون الوجوب لا نستكشف الشرطيـة ; لأنّ الشرط الشرعي ليس كا لشرائط العقليـة والعاديـة المعلومـة ، بل هو محتاج إلى دلالـة الدليل عليـه ، فا لوجوب كاشف عن شرطيتـه ، ففيـه : أنّ الوجوب الغيري لايمكن أن يكون كاشفاً ، فإنّ الملازمـة إن كانت بين إرادة الفعل وإرادة مقدّماتـه ، فالإرادة التبعيـة با لمقدّمات متوقّفـة على إحراز مقدّميتها حتّى يحكم العقل بتعلّق الإرادة بها تبعاً لإرادة ذيها ، وكذلك لو كانت الملازمـة العقليـة بين البعث المتعلّق با لفعل والبعث المتعلّق با لمقدّمات ، فإنّ حكم العقل بتعلّق البعث بها تبعاً لبعث ذيها متوقّف على إحراز مقدّميتها ، وبدونـه كيف يحكم بتعلّق البعث بها .
فظهر أنّ طريق إحراز الشرط منحصر بالأمر النفسي المتعلّق با لفعل المقيّد ببعض القيود كمثل قولـه : «صلِّ مع الطهارة» وأمّا الأمر الغيري الذي يكون الحاكم بـه العقل ، ومن المعلوم توقّف حكمـه على إحراز موضوعـه ، كما هو واضح ، فلايمكن أن يكون كاشفاً ، كما عرفت ، فتأمّل جيّداً .
تتميم: في مقدّمـة المستحب والمكروه والحرام
لايخفى أنّ جميع ما ذكر في مقدّمـة الواجب يجري في مقدّمـة المستحبّ طابق النعل با لنعل ، وحيث إنّك عرفت أنّ الأقوى في الاُولى عدم ثبوت الملازمـة كما حقّقناه ، فا لحكم في الثانيـة أيضاً كذلك بلا تفاوت ، كما هو واضح .
ثمّ إنّـه هل تكون مقدّمـة الحرام كمقدّمـة الواجب ، فتكون محرّمةً مطلقاً ،
(الصفحة 107)
أو لا تكون حراماً كذلك ، أو يفصّل بين المقدّمات التي تكون من قبيل الأسباب التوليديّـة فتحرم ، وبين غيره فلا تحرم ، أو بين المقدّمـة الموصلـة وغيرها ، أو بين ما قصد التوصّل بـه إلى الحرام وغيره ؟ وجوه يظهر ثا لثها من المحقّق الخراساني في الكفايـة .
وحاصل ما ذكر في وجهـه وجود الفرق بين مقدّمات الواجب وبين مقدّمات الحرام ، فإنّـه حيث يكون المطلوب في الأوّل وجود المراد ، وهو متوقّف عليها ، فلا محا لـة تتعلّق بها الإرادة ، وأمّا المطلوب في الثاني ترك الشيء ، وهو لايتوقّف على ترك جميع المقدّمات بحيث لو أتى بواحد منها لما كان متمكّناً من الترك ، فإنّـه يتمكّن منـه ولو أتى بجميع المقدّمات ، لتوسط الإرادة بينها وبينـه ، وهي لايمكن أن يتعلّق بها الطلب بعثاً أو زجراً ، لعدم كونها من الاُمور الاختياريـة .
نعم لو كان الفعل بحيث لم يتمكّن من تركـه بعد الإتيان ببعض المقدّمات ; لعدم توسط الإرادة بينها وبينـه ، تكون تلك المقدّمـة المترتّبـة عليها الفعل قهراً محرّمـة دون سائر المقدّمات(1) . انتهى ملخّص ما أفاده في الكفايـة .
ولكن لايخفى أنّ هذا الكلام إنّما يتمّ لو وجد في الأفعال الخارجيـة شيء منها تكون الإرادة متوسطـة بينها وبين المقدّمات بحيث يكون الموجد للفعل والمؤثّر فيـه نفس الإرادة من دون توقّف على حصول شيء آخر بعدها مع أ نّا لم نظفر بمثل هذا الفعل ، فإنّ جميع الأفعال الاختياريـة يكون الجزء الأخير لحصولها غير الإرادة بمعنى أ نّـه لايترتّب عليها الفعل بمجرّدها من دون توسيط بعض الأفعال الاُخر أيضاً ، فإن تحقّق الشرب في الخارج يتوقّف ـ بعد تعلّق الإرادة بـه ـ على مثل تحريك العضلات ، ونحو الإناء الموجود فيـه الماء مثلاً
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 159 ـ 160.
(الصفحة 108)
وأخذه با ليد وجعلـه محاذياً للفم وإ لقائـه فيـه ، وبعد تحقّق جميع هذه المقدّمات يتوقّف على إعمال الآلات المعدّة لبلعـه الذي عبارة عن الشرب .
وبالجملـة:
فجميع الأفعال الاختياريـة إنّما يتوقّف بعد تعلّق الإرادة بها على بعض الاُمور الجزئيـة التي يؤثّر في حصولها ، فلا فرق بينها وبين الأفعال التوليديـة أصلاً ، فإنّ الإرادة لا مدخليـة لها في التأثير في حصول الفعل ، كيف وهي من الاُمور التجرّديـة التي يمتنع أن تؤثّر في المادّيات بحيث كانت مفيضةً لها ، كما لايخفى .
ثمّ إنّـه ذكر في الدّرر أنّ العناوين المحرّمـة على ضربين:
أحدهما:
أن يكون العنوان بما هو مبغوضاً من دون تقييده بالاختيار .
ثانيهما:
أن يكون الفعل الصادر عن إرادة واختيار مبغوضاً بحيث لو صدر من غير اختياره لم يكن منافياً لغرض المولى ، فعلى الأوّل علّـة الحرام هي المقدّمات الخارجيـة من دون مدخليـة الإرادة ، بل هي علّـة لوجود علّـة الحرام ، وعلى الثاني تكون الإرادة من أجزاء العلّـة التامّـة .
ثمّ ذكر أنّ المراجعـة إلى الوجدان تقضي بتحقّق الملازمـة بين كراهـة الشيء وكراهـة العلّـة التامّـة لـه ، وفي القسم الثاني لمّا كانت العلّـة التامّـة مركّبـة من الأجزاء الخارجيـة ومن الإرادة ، ولايصحّ استناد الترك إلاّ إلى عدم الإرادة ; لأنّـه أسبق رتبةً من سائر المقدّمات ، فلايتّصف الأجزاء الخارجية با لحرمة أصلاً(1) . انتهى موضع الحاجـة من ملخّص كلامـه .
وأنت خبير:
بأ نّـه لو كان المبغوض عبارةً عن الفعل الصادر عن إرادة واختيار ، فالإرادة لها مدخليـة في نفس الحرام ، لا أن تكون من أجزاء العلّـة
- 1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 130 ـ 132.
(الصفحة 109)
ا لتامّـة ، فإنّ المحرّم هو الفعل الإراديّ بما أ نّـه إراديّ ، فلابدّ من ملاحظـة مقدّمات هذا العنوان المقيّد ، وليست الإرادة من جملتها ، فلا فرق بين هذا القسم والقسم الأوّل أصلاً ، فلابدّ أن تكون إحدى المقدّمات على سبيل التخيير محرّمةً إلاّ مع وجود باقي الأجزاء ، وانحصار الاختيار في واحدة منها ، فتحرم شخصاً كا لقسم الأوّل .
وا لتحقيق أ نّـه لو قلنا با لملازمـة في مقدّمـة الواجب ، فا لتحريم ـ الذي عبارة عن الزجر عن المحرّم ـ إنّما يختصّ با لمقدّمـة الأخيرة التي يترتّب عليها ذوها من دون فصل في جميع الأفعال ; إذ قد عرفت أ نّـه لايوجد في الأفعال الخارجيـة فعل توسّطت الإرادة بينـه وبين مقدّماتـه بأن تكون هي المؤثّر في تحقّقـه .
هذا ، مضافاً إلى ما عرفت فيما تقدّم من أنّ الإرادة أيضاً قابلـة لتعلّق التكليف بها ; لكونها من الاُمور الاختياريّـة ، ولكن هذا كلّـه إنّما هو على تقدير القول با لملازمـة في مقدّمات الواجب ، ولكن قد عرفت سابقاً أنّ مقتضى التحقيق خلافـه .
هذا تمام الكلام في مبحث المقدّمـة .