(الصفحة 287)
ـ كما ذكرناه مراراً ـ عبارة عن أنّ تمام الموضوع للحكم المجعول هو المذكور بلا مدخليـة شيء آخر ، لا أ نّـه قد لاحظ السريان والشمول ، فإنّـه حينئذ لايبقى فرق بينـه وبين العموم أصلاً ، وهذا المورد أيضاً من الموارد التي وقع الخلط فيها بينهما ، فتأمّل ; لكي لا تخلط بينهما .
وينبغي التنبيـه على اُمور :
الأمر الأوّل: التمسّك بالعامّ مع كون الخاص معلّلاً
إذا خصّص العامّ ببعض أفراده على نحو التخصيص الأفرادي معلّلاً إخراج الفرد المخرج بعلّـة عامّـة لـه ولغيره ، مثل : ما إذا خصّص قولـه : أكرم كلّ رجل عا لم ، بقولـه : لا تكرم زيداً ، معلّلاً بأ نّـه فاسق ، فهل يوجب ذلك أن يكون المخصّص في الحقيقـة هو عنوان الفاسق ، فيجري فيـه ما تقدّم فيما تردّد أمر بعض أفراد العامّ بين انطباق عنوان الخاصّ عليـه وعدمـه من عدم جواز التمسّك با لعامّ با لنسبـة إليـه ، أو أنّ التخصيص هنا أفرادي ولايكون المخرج عنواناً كليّاً ، فيجوز التمسّك بـه ; لأنّ مرجعـه إلى الشكّ في التخصيص الزائد ، وهو منفيّ بأصا لـة العموم ؟ وجهان ، والظاهر : الأوّل ; لمساعدة العرف وشهادتـه بكون المخرج هو عنوان الفاسق في المثال ، كما لايخفى .
الأمر الثاني: العامّين من وجـه المتنافيي الحكم
إذا كان هناك عامّان من وجـه ، مثل : قولـه : أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق ، فبناء على كونـه من صغريات مسأ لـة اجتماع الأمر والنهي يكون غير مرتبط با لمقام ، وأمّا بناء على ثبوت التعارض بينهما وتقديم أحد الدليلين با لنسبـة إلى مورد الاجتماع ، فلا إشكال في عدم جواز التمسّك با لعامّ في الفرد المشكوك
(الصفحة 288)
انطباق عنوان الخاصّ عليـه ; لعدم الفرق بينـه وبين سائر الموارد ، كما هو واضح ولو فرض كونهما من قبيل الدليلين المتزاحمين بمعنى ثبوت المقتضيين في مورد الاجتماع ، غايـة الأمر ترجيح أحدهما ; لأقوائيـة ملاكـه من ملاك الآخر ، ففي جواز التمسّك في الفرد المشكوك انطباق عنوان المزاحم الأقوى عليـه با لدليل الآخر الذي ينطبق عنوان عليـه قطعاً وعدمـه وجهان مبنيّان على أنّ الحكم في المتزاحمين با لنسبـة إلى ما هو ملاكـه أضعف هل هو حكم إنشائي أو أ نّـه باق على فعليّتـه ؟ غايـة الأمر أنّ المكلّف معذور في مخا لفتـه لصرف قدرتـه في المزاحم الأقوى .
فعلى الأوّل لايجوز التمسّك با لدليل الآخر أيضاً ; لأنّ الإرادة الجدّيـة فيـه مقصورة بما عدا مورد المزاحم ، ولايعلم تعلّقها با لفرد المشكوك ، كما أ نّـه لايعلم شمول الدليل الآخر لـه أيضاً .
وعلى الثاني يجوز التمسّك بـه ، بل لا مجال لمخا لفتـه بعد كونـه حكماً فعليّاً ، وإحراز كونـه معذوراً متوقّف على شمول الدليل الآخر لـه ، وهو مشكوك ، ومن المعلوم أنّ الشكّ في العذر لايبيح مخا لفـة التكليف الفعلي المتوجّـه إليـه ، كما إذا شكّ في كونـه قادراً على امتثال سائر التكا ليف الفعليـة المتوجّهـة إليـه ، فإنّ العقل لايحكم بكونـه معذوراً في مخا لفتها أصلاً ، كما لايخفى .
هذا وقد عرفت في مبحث الترتّب أنّ الأقوى كون الحكمين المتزاحمين فعليّين ، غايـة الأمر كونـه معذوراً في مخا لفـة أحدهما لو صرف قدرتـه في امتثال الآخر ، وأمّا مع مخا لفـة كليهما فيستحقّ العقوبتين ، وحينئذ فا للاّزم في المقام بناء عليـه جواز التمسّك با لدليل الذي ملاكـه أضعف في المورد المشكوك ، كما عرفت .
(الصفحة 289)
الأمر الثالث: إحراز المصداق بالأصل في الشبهـة المصداقيـة
هل يجوز إحراز كون الفرد المشكوك انطباق عنوان الخاصّ عليـه من أفراد العامّ بما هو حجّـة بالأصل الموضوعي مطلقاً ، أو لايجوز كذلك ، أو يفصّل بين الاُصول العدميـة الأزليـة وغيرها ؟ وجوه بل أقوال :
صريح محكي المقالات هو الوجـه الثاني .
قال في محكيّ كلامـه ما ملخّصـه:
إنّ التخصيص لايوجب تضييقاً في العامّ حتّى با لنسبـة إلى الإرادة الجدّيـة ; لأنّـه بمنزلـة موت بعض الأفراد ، فكما أنّ موت بعض أفراده لايوجب تغييراً في العامّ بل هو باق على عمومـه كذلك التخصيص ; لأنّ موضوع الحكم بعده أيضاً هو كلّ عا لم مثلاً ، وحينئذ فهو لايوجب أن يكون العامّ معنوناً بعنوان غير الخاصّ حتّى يثبت ذلك العنوان بالاُصول العدميـة ، فاستصحاب عدم فسق زيد ـ سواء كان من الاُصول الأزليـة أو كان استصحاباً لحا لتـه السابقـة التي علم فيها بعدا لتـه وعدم كونـه فاسقاً ـ إنّما يجري عليـه نفي الحكم المترتّب على الفسّاق ، ولايثبت بـه حكم العامّ ; لكونـه لازماً عقليّاً ، كما هو واضح .
وقد عرفت:
أنّ العامّ لايكون معنوناً بغير عنوان الخاصّ حتّى يثبت بالاستصحاب ذلك العنوان ، فيترتّب عليـه حكم العامّ .
نعم لو كان رفع الشكّ في المورد المشكوك بيد الشارع ، كما في الصلح والشرط المشكوك كونهما مخا لفين للكتاب والسنّـة فيبطلان أو موافقين لهما فيصحّان ، لابأس با لرجوع إلى عمومات أدلّـة الصلح والشرط(1) . انتهى .
- 1 ـ مقالات الاُصول 1: 444 ـ 445.
(الصفحة 290)
أقول:
ممّا ذكرنا في مسأ لـة أنّ التخصيص لايوجب مجازيـة العامّ ، ظهر لك أنّ التخصيص وإن لم يوجب تضييقاً في موضوع حكم العامّ بحيث ينقلب الموضوع بعده كما في المطلق والمقيّد ، إلاّ أ نّـه يكشف عن كون الإرادة الجدّيـة مقصورة على ما عدا مورد الخاصّ ، وليس التخصيص بمنزلـة موت بعض الأفراد الذي لايوجب تغييراً في العامّ .
وسرّه : أنّ قولـه : أكرم كلّ عا لم ، إنّما يشمل على حكم واحد متعلّق بجميع أفراد العا لم ، فهو قضيّـة حقيقيّـة يكون المحمول فيها ثابتاً على جميع أفراد الموضوع المحقّقـة والمقدّرة ، وموت بعض أفراد الموضوع لايضرّ بها ; إذ ليس لكلّ مصداق حكم على حدة حتّى ينتفي بانتفائـه ، بل هو حكم واحد ثابت على الجميع ، غايـة الأمر اختلافـه سعةً وضيقاً با لموت وعدمـه ، ولكن ذلك لايوجب انقلاب الموضوع ، بخلاف التخصيص ; فإنّـه يوجب قصر الموضوع في الإرادة الجدّيـة على ما عدا مورد الخاصّ وإن لم يوجب تقييد موضوع الحكم المنشأ متعلّقاً با لعموم .
وبا لجملـة ، فقياس التخصيص على موت بعض المصاديق فاسد جدّاً .
وأمّا ماذكره من جواز التمسّك في المثا لين فقد عرفت أنّ النزاع في المقام في الشبهـة المصداقيـة للمخصّص التي كان منشأها اشتباه الاُمورا لخارجيـة فإثبات الجواز في غير المقام من الشبهات الحكميـة ليس تفصيلاً في مورد النزاع ، كما هو واضح .
هذا ، وصريح الكفايـة هو القول الأوّل(1) .
وحكى الاُستاذ عن شيخـه المحقّق المعاصر أ نّـه قال في مجلس درسـه
(الصفحة 291)
في تقريب هذا القول ما ملخّصـه : أنّ العوارض على قسمين : قسم يعرض الماهيّـة مع قطع النظر عن الوجودين : الذهني والخارجي بحيث لو كان للماهيـة تقرّر وثبوت في غير عا لم الوجود ، لكان يعرضها ، كا لزوجيـة العارضـة لماهيّـة الأربعـة في عا لم التقرّر ، وقسم يعرض الوجود كالأبيضيـة الحاصلـة للجسم الموجود ، والفاسقيـة والقرشيـة وغيرها من العوارض القائمـة با لوجود ، وحينئذ نقول : لابأس في القسم الثاني بجريان استصحاب عدم تلك الأوصاف با لنسبـة إلى موصوفها وإن كان الموصوف حينما يتحقّق لايخلو من اتّصافـه بذلك الوصف ، بمعنى أ نّـه لو كان متّصفاً بـه ، لكان ذلك من أوّل وجوده وتحقّقـه ، كوصف القرشيـة ; لإمكان أن يقال : هذه المرأة ـ مشيراً إلى ماهيّتها ـ لم تكن قبل الوجود قرشيـة ، فيستصحب ذلك إلى زمان الوجود .
تحقيق في المقام
هذا ، وتحقيق الحال في هذا المقام ـ بحيث يظهر حال ما قيل أو يمكن أن يقال ـ يتوقّف على بيان حال القضايا ومناط الحمل .
فا لكلام يتمّ في ضمن مقدّمات :
الاُولى : أقسام القضايا بلحاظ النسبـة
فنقول : قد اشتهر بينهم بل اتّفقوا على أنّ القضيّـة متقوّمـة بثلاثـة أجزاء : الموضوع والمحمول والنسبـة ، ولكن لايخفى أنّ هذا المعنى لايصحّ على نحو الكلّيـة ; فإنّ القضايا مختلفـة ، فبعضها مشتملـة على النسبـة المتقوّمـة با لمنتسبين ، وبعضها بل أكثرها خا ليـة عن النسبـة بين الشيئين .
توضيح ذلك : أنّ القضايا الحمليـة على قسمين : الحمليّات المستقيمـة الغير