(الصفحة 240)
ولكن يظهر جوابـه ممّا تقدّم في جواب إثبات المفهوم من الطريق المنسوب إلى القدماء .
وحاصلـه : أنّ مقتضى الإطلاق هو كون الموضوع المذكور تامّاً من حيث الموضوعيـة لحكمـه المجعول بمعنى أ نّـه لا مدخليـة لشيء آخر أصلاً ، وهذا لايدلّ على المفهوم ; لأنّـه لابدّ في إثباتـه من كون الموضوع المذكور منحصراً في الموضوعيـة ، ومجرّد تماميّتـه لايثبت الانحصار ، كما هو واضح .
الخامس:
التمسّك بإطلاق الشرط بتقريب آخر ، وهو أنّ مقتضى إطلاق الشرط : تعيّنـه ، كما أنّ مقتضى إطلاق الأمر : تعيّن الوجوب .
ويظهر جوابـه ممّا تقدّم في الجواب عن الوجـه الثا لث .
وحاصلـه : أ نّا لا نسلّم ثبوت الحكم في المقيس عليـه ; لأنّـه لايعقل أن يكون الوجوب التعييني عين طبيعـة الوجوب ، التي هي مقسم لها وللوجوب التخييري ، بل كلّ واحد منهما لا محا لـة يشتمل على قيد وجودي أو عدمي زائد على أصل الطبيعـة ، والإطلاق لايثبت شيئاً منهما .
نعم ، قد ذكرنا في مبحث الأوامر أنّ للمولى الاحتجاج على العبد لو اعتذر باحتمال كونـه تخييريّاً ; لأنّ البعث الصادر منـه لابدّ لـه من الجواب بإتيان متعلّقـه ، ولكن هذا لايثبت التعيّنيـة ، كما تقدّم .
السادس:
التمسّك بإطلاق الجزاء .
وينبغي التنبيـه على اُمور :
الأمر الأوّل: في حقيقـة المفهوم
إنّ المراد من المفهوم إنّما هو انتفاء سنخ الحكم ونوعـه عند انتفاء الشرط ، لا انتفاء شخصـه المجعول مترتّباً على وجود الشرط ، فإنّـه ينتفي بانتفاء الشرط عقلاً .
(الصفحة 241)
وربّما توهّم:
أ نّـه كيف يكون المناط في المفهوم هو السنخ مع أنّ الشرط في القضيـة الشرطيـة إنّما وقع شرطاً للحكم المجعول بإنشائـه دون غيره ، وهو حكم شخصي ينتفي بانتفاء الشرط عقلاً(1) ؟ !
وأجاب عنـه في الكفايـة بما حاصلـه:
أنّ وضع الهيئات والموضوع لـه فيها عامّ كا لحروف ، فا لمعلّق على الشرط إنّما هو الوجوب الكلّي ، والخصوصيـة ناشئـة من قِبَل الاستعمال(2) .
ولكن قد حقّق فيما تقدّم أنّ الموضوع لـه في باب الحروف خاصّ لا عامّ .
والحقّ في الجواب أن يقال:
إنّ المستفاد من القضايا الشرطيـة هو الارتباط والمناسبـة بين الشرط والجزاء الذي هو عبارة عن متعلّق الحكم لا نفسـه .
وبعبارة اُخرى : ظاهر القضيّـة الشرطيـة هو اقتضاء المجيء في قولك إن جاءك زيد فأكرمـه ، لنفس الإكرام ، لا وجوبـه ; إذ تعلّق الوجوب بـه إنّما يتأخّر عن تلك الاقتضاء وشدّة المناسبـة المتحقّقـة بينهما ، كما يظهر بمراجعـة الاستعمالات العرفيـة ، فإنّ أمر المولى عبده بإكرام ضيفـه عند مجيئـه إنّما هو لاقتضاء مجيء الضيف إكرامـه ، فالارتباط إنّما هو بين الشرط ومتعلّق الجزاء ، وظاهر القضيـة الشرطيـة وإن كان ترتّب نفس الحكم على الشرط إلاّ أنّ تعلّق الحكم بـه إنّما هو للتوصّل إلى المتعلّق بعد حصول الشرط ; لشدّة الارتباط بينهما ، وحينئذ فا لقائل با لمفهوم يدّعي انحصار مناسبـة الإكرام مع المجيء بحيث لاينوب منابـه شيء ، ولا ارتباط بينـه وبين شيء آخر ، فإذا انتفى المجيء ، فلايبقى وجـه لوجوب الإكرام بعد عدم اقتضاء غيرا لمجيء إيّاه ، فا لمعلّق على
- 1 ـ مطارح الأنظار: 173 / السطر 15 ـ 16.
- 2 ـ كفايـة الاُصول: 237.
(الصفحة 242)
ا لشرط في ظاهر القضيّـة الشرطيّـة وإن كان مفاد الهيئـة التي هي جزئيـة ووجوب شخصي يرتفع بارتفاع الشرط عقلاً إلاّ أنّ مفادها بنظر العرف هو تعليق الإكرام الذي هو أمر كلّي على المجيء ، فلايبقى مع انتفائـه وجـه لوجوبـه .
الأمر الثاني: في تعدّد الشرط واتحاد الجزاء
إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء كما في قولـه : إذا خفي الأذان فقصّر وإذا خفي الجدران فقصّر فبناء على عدم ثبوت المفهوم ـ كما هو الحقّ ، وقد تقدّم ـ لا تعارض ولا تنافي بين القضيّتين ، وأمّا بناء على المفهوم ، فيقع التعارض بينهما ; لأنّ مفهوم الأوّل عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الأذان ، سواء خفي الجدران أو لم يخف ، ومفهوم الثاني عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الجدران ، سواء خفي الأذان أو لم يخف ، فهل اللاّزم تخصيص مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر ، أو أ نّـه لا مفهوم لواحد منهما في هذه الصورة ، أو كون الشرط لوجوب القصر هو مجموع الشرطين ، أو كونـه الجامع بينهما ؟ وجوه .
ولابدّ أوّلاً من بيان أنّ التعارض هل هو بين المنطوقين ويسري منهما إلى المفهومين أو بين المفهومين فقط ؟
فنقول:
الظاهر هو الأوّل ، وذلك لأنّـه إن كان الوجـه في ثبوت المفهوم هو كون كلمـة «إن» وأخواتها موضوعـة للعلّيـة المنحصرة ، فكلّ واحد من القضيّتين تدلّ على العلّيـة المنحصرة ، فهما بمنزلـة قولـه : العلّـة المنحصرة لوجوب القصر هو خفاء الأذان ، والعلّـة المنحصرة لـه هو خفاء الجدران ، ومن المعلوم ثبوت التعارض بين نفس هاتين القضيّتين ; لاستحا لـة كون شيئين علّتين منحصرتين لشيء واحد ، وكذا لو كان الوجـه في ثبوت المفهوم هو الانصراف ، وأمّا لو كان الوجـه فيـه هو الإطلاق بأحد الوجوه المتقدّمـة ، فا لظاهر أيضاً التعارض بين
(الصفحة 243)
ا لمنطوقين ; لعدم إمكان الأخذ بكلا الإطلاقين .
إذا عرفت ذلك:
فاعلم أ نّـه لو قيل با لمفهوم من جهـة وضع «إن» وأخواتها للعلّيـة المنحصرة ، فا لتعارض يقع بين أصا لتي الحقيقـة الجاريتين في كلتا القضيّتين ، ومع عدم المرجّح ـ كما هو المفروض ـ تسقطان معاً ، فا للاّزم هو القول بعدم ثبوت المفهوم في أمثال المقام .
وكذا لو كان الوجـه هو الانصراف فإنّ الأخذ بمقتضى الانصرافين ممتنع ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فلايجوز الأخذ بشيء منهما .
وأمّا لو كان الوجـه هو الإطلاق بأحد الوجوه السابقـة ، فيقع التعارض بين أصا لتي الإطلاق الجاريتين في كلتا القضيّتين ، ومع عدم الترجيح لأحدهما على الآخر تسقطان معاً ، ويزول الانحصار من كلا الشرطين ، ويبقى كون كلّ واحد منهما علّةً تامّة مستقلّة لتحقّق الجزاء .
هذا لو قيل باستفادة خصوص الانحصار من الإطلاق ، فإنّـه مع عدم حجّيتـه لوجود المعارض لايضرّ ببقاء الشرط على علّيتـه التامّـة ، وأمّا لو قلنا بأنّ مفاد الإطلاق هو مجموع العلّيـة التامّـة المنحصرة بمعنى أ نّـه كما يستفاد الانحصار من الإطلاق كذلك يستفاد منـه التماميـة أيضاً ، وحينئذ فمع التعارض نعلم إجمالاً إمّا بزوال الانحصار من كلّ واحد من الشرطين وإمّا بزوال التماميـة المستتبع لزوال الانحصار .
وبعبارة اُخرى:
نعلم إجمالاً بورود القيد في كلٍّ من القضيّتين : إمّا على الإطلاق المثبت للانحصار ، وإمّا على الإطلاق المنتج للتماميـة ، ومع هذا العلم الإجما لي يسقط الإطلاقان الجاريان في كلٍّ من القضيّتين عن الحجّيـة والعلم تفصيلاً بعدم الانحصار على أيّ تقدير ; لأنّـه إن ورد القيد على الإطلاق المثبت لـه فواضح ، وإن ورد على الإطلاق المفيد للتماميـة ، فلم يبق موضوعـه أصلاً ، كما
(الصفحة 244)
هو واضح لايجدي في انحلال العلم الإجما لي إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي حتّى يسلم الإطلاقان المثبتان للتماميّـة عن التعارض والتساقط .
وذلك لأنّ الانحلال يتوقّف على العلم التفصيلي بورود القيد على خصوص الإطلاق المفيد للانحصار لا على العلم التفصيلي بعدم الانحصار ، وعدم كونـه مراداً قطعاً ، والموجود في المقام هو الثاني لا الأوّل ، كما هو واضح .
ثمّ إنّـه هل تسقط كلتا القضيّتين عن الدلالـة على المفهوم رأساً بحيث لاينافيهما مدخليـة شيء آخر في تحقّق الجزاء ، أو أنّ سقوطهما عن ذلك إنّما هو با لنسبـة إلى الشرط المذكور فيهما ؟ وجهان .
والحقّ:
التفصيل بين ما لو كان الوجـه في ثبوت المفهوم هو وضع كلمـة «إن» وأخواتها للدلالـة على العلّيـة المنحصرة أو الانصراف وبين ما لو كان استفادتها من الإطلاق ، فعلى الأوّل تسقطان عن الدلالـة على المفهوم رأساً ; لأنّ التعارض بين أصا لتي الحقيقـة أو الانصرافين في كلٍّ منهما يوجب تساقطهما ، فمن أين يدلّ على نفي مدخليـة شيء آخر أو نفي بديل آخر ، وعلى الثاني فلا ; لأنّ رفع اليد عن أصا لـة الإطلاق با لنسبـة إلى خصوص قيد لايوجب رفع اليد عنها با لنسبـة إلى قيد آخر شكّ في قيديّتـه .
ألا ترى أنّ رفع اليد عن إطلاق الرقبـة في قولـه : أعتق رقبـة ، بسبب الدليل على التقييد با لمؤمنـة ـ مثل قولـه : لا تعتق رقبـة كافرة ـ لايوجب رفع اليد عن إطلاقها با لنسبـة إلى القيود الاُخرى المشكوكـة ، مثل العدا لـة وغيرها من القيود .
الأمر الثالث: في تداخل الأسباب والمسبّبات
لو تعدّد الشرط واتّحد الجزاء ، فهل القاعدة تقتضي التداخل مطلقاً ، أو عدمـه كذلك ، أو يفصّل بين ما إذا اتّحد الجنس فالأوّل وما إذا تعدّد فا لثاني ؟