(الصفحة 242)
ا لشرط في ظاهر القضيّـة الشرطيّـة وإن كان مفاد الهيئـة التي هي جزئيـة ووجوب شخصي يرتفع بارتفاع الشرط عقلاً إلاّ أنّ مفادها بنظر العرف هو تعليق الإكرام الذي هو أمر كلّي على المجيء ، فلايبقى مع انتفائـه وجـه لوجوبـه .
الأمر الثاني: في تعدّد الشرط واتحاد الجزاء
إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء كما في قولـه : إذا خفي الأذان فقصّر وإذا خفي الجدران فقصّر فبناء على عدم ثبوت المفهوم ـ كما هو الحقّ ، وقد تقدّم ـ لا تعارض ولا تنافي بين القضيّتين ، وأمّا بناء على المفهوم ، فيقع التعارض بينهما ; لأنّ مفهوم الأوّل عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الأذان ، سواء خفي الجدران أو لم يخف ، ومفهوم الثاني عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الجدران ، سواء خفي الأذان أو لم يخف ، فهل اللاّزم تخصيص مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر ، أو أ نّـه لا مفهوم لواحد منهما في هذه الصورة ، أو كون الشرط لوجوب القصر هو مجموع الشرطين ، أو كونـه الجامع بينهما ؟ وجوه .
ولابدّ أوّلاً من بيان أنّ التعارض هل هو بين المنطوقين ويسري منهما إلى المفهومين أو بين المفهومين فقط ؟
فنقول:
الظاهر هو الأوّل ، وذلك لأنّـه إن كان الوجـه في ثبوت المفهوم هو كون كلمـة «إن» وأخواتها موضوعـة للعلّيـة المنحصرة ، فكلّ واحد من القضيّتين تدلّ على العلّيـة المنحصرة ، فهما بمنزلـة قولـه : العلّـة المنحصرة لوجوب القصر هو خفاء الأذان ، والعلّـة المنحصرة لـه هو خفاء الجدران ، ومن المعلوم ثبوت التعارض بين نفس هاتين القضيّتين ; لاستحا لـة كون شيئين علّتين منحصرتين لشيء واحد ، وكذا لو كان الوجـه في ثبوت المفهوم هو الانصراف ، وأمّا لو كان الوجـه فيـه هو الإطلاق بأحد الوجوه المتقدّمـة ، فا لظاهر أيضاً التعارض بين
(الصفحة 243)
ا لمنطوقين ; لعدم إمكان الأخذ بكلا الإطلاقين .
إذا عرفت ذلك:
فاعلم أ نّـه لو قيل با لمفهوم من جهـة وضع «إن» وأخواتها للعلّيـة المنحصرة ، فا لتعارض يقع بين أصا لتي الحقيقـة الجاريتين في كلتا القضيّتين ، ومع عدم المرجّح ـ كما هو المفروض ـ تسقطان معاً ، فا للاّزم هو القول بعدم ثبوت المفهوم في أمثال المقام .
وكذا لو كان الوجـه هو الانصراف فإنّ الأخذ بمقتضى الانصرافين ممتنع ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فلايجوز الأخذ بشيء منهما .
وأمّا لو كان الوجـه هو الإطلاق بأحد الوجوه السابقـة ، فيقع التعارض بين أصا لتي الإطلاق الجاريتين في كلتا القضيّتين ، ومع عدم الترجيح لأحدهما على الآخر تسقطان معاً ، ويزول الانحصار من كلا الشرطين ، ويبقى كون كلّ واحد منهما علّةً تامّة مستقلّة لتحقّق الجزاء .
هذا لو قيل باستفادة خصوص الانحصار من الإطلاق ، فإنّـه مع عدم حجّيتـه لوجود المعارض لايضرّ ببقاء الشرط على علّيتـه التامّـة ، وأمّا لو قلنا بأنّ مفاد الإطلاق هو مجموع العلّيـة التامّـة المنحصرة بمعنى أ نّـه كما يستفاد الانحصار من الإطلاق كذلك يستفاد منـه التماميـة أيضاً ، وحينئذ فمع التعارض نعلم إجمالاً إمّا بزوال الانحصار من كلّ واحد من الشرطين وإمّا بزوال التماميـة المستتبع لزوال الانحصار .
وبعبارة اُخرى:
نعلم إجمالاً بورود القيد في كلٍّ من القضيّتين : إمّا على الإطلاق المثبت للانحصار ، وإمّا على الإطلاق المنتج للتماميـة ، ومع هذا العلم الإجما لي يسقط الإطلاقان الجاريان في كلٍّ من القضيّتين عن الحجّيـة والعلم تفصيلاً بعدم الانحصار على أيّ تقدير ; لأنّـه إن ورد القيد على الإطلاق المثبت لـه فواضح ، وإن ورد على الإطلاق المفيد للتماميـة ، فلم يبق موضوعـه أصلاً ، كما
(الصفحة 244)
هو واضح لايجدي في انحلال العلم الإجما لي إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي حتّى يسلم الإطلاقان المثبتان للتماميّـة عن التعارض والتساقط .
وذلك لأنّ الانحلال يتوقّف على العلم التفصيلي بورود القيد على خصوص الإطلاق المفيد للانحصار لا على العلم التفصيلي بعدم الانحصار ، وعدم كونـه مراداً قطعاً ، والموجود في المقام هو الثاني لا الأوّل ، كما هو واضح .
ثمّ إنّـه هل تسقط كلتا القضيّتين عن الدلالـة على المفهوم رأساً بحيث لاينافيهما مدخليـة شيء آخر في تحقّق الجزاء ، أو أنّ سقوطهما عن ذلك إنّما هو با لنسبـة إلى الشرط المذكور فيهما ؟ وجهان .
والحقّ:
التفصيل بين ما لو كان الوجـه في ثبوت المفهوم هو وضع كلمـة «إن» وأخواتها للدلالـة على العلّيـة المنحصرة أو الانصراف وبين ما لو كان استفادتها من الإطلاق ، فعلى الأوّل تسقطان عن الدلالـة على المفهوم رأساً ; لأنّ التعارض بين أصا لتي الحقيقـة أو الانصرافين في كلٍّ منهما يوجب تساقطهما ، فمن أين يدلّ على نفي مدخليـة شيء آخر أو نفي بديل آخر ، وعلى الثاني فلا ; لأنّ رفع اليد عن أصا لـة الإطلاق با لنسبـة إلى خصوص قيد لايوجب رفع اليد عنها با لنسبـة إلى قيد آخر شكّ في قيديّتـه .
ألا ترى أنّ رفع اليد عن إطلاق الرقبـة في قولـه : أعتق رقبـة ، بسبب الدليل على التقييد با لمؤمنـة ـ مثل قولـه : لا تعتق رقبـة كافرة ـ لايوجب رفع اليد عن إطلاقها با لنسبـة إلى القيود الاُخرى المشكوكـة ، مثل العدا لـة وغيرها من القيود .
الأمر الثالث: في تداخل الأسباب والمسبّبات
لو تعدّد الشرط واتّحد الجزاء ، فهل القاعدة تقتضي التداخل مطلقاً ، أو عدمـه كذلك ، أو يفصّل بين ما إذا اتّحد الجنس فالأوّل وما إذا تعدّد فا لثاني ؟
(الصفحة 245)
وليقدّم اُمور :
الأوّل:
أنّ النزاع في هذا الباب مبني على إحراز كون الشرطين مثلاً علّتين مستقلّتين بمعنى أنّ كلّ واحد منهما يؤثّر في حصول المشروط مستقلاّ من غير مدخليـة شيء آخر ، وأمّا بناء على كون الشرط هو مجموع الشرطين فلا مجال للنزاع في التداخل وعدمـه ; إذ لايؤثّر الشرطان إلاّ في شيء واحد ، كما هو واضح .
فا لبحث في المقام إنّما يجري بناء على غير الوجـه الثا لث من الوجوه الأربعـة المتقدّمـة في الأمر السابق .
الثاني:
أنّ مورد البحث ما إذا كان متعلّق الجزاء طبيعـة قابلـة للتكثّر والتعدّد ، مثل الوضوء والغسل وأشباههما ، وأمّا إذا لم تكن قابلةً للتعدّد ، كقتل زيد مثلاً ، فهو خارج عن محلّ النزاع ; لاستحا لـة عدم التداخل ، فمثل قولـه : إن ارتدّ زيد فاقتلـه ، وإن قتل مؤمناً فاقتلـه ، خارج عن المقام .
الثالث:
أنّ التداخل قد يكون في الأسباب ، وقد يكون في المسبّبات ، والمراد بتداخل الأسباب ـ الذي هو مورد النزاع في المقام ـ هو تأثيرها مع كون كلّ واحد منها مستقلاّ لو انفرد عن صاحبـه في مسبّب واحد في حال الاجتماع ، والمراد بتداخل المسبّبات هو الاكتفاء في مقام الامتثال بإتيان الطبيعـة المتعلّقـة للحكم مرّة بعد الفراغ عن عدم تداخل الأسباب وتأثيرها في المسبّبات الكثيرة حسب كثرتها ، وربّما مثّلوا لـه بمثل : قولـه : أكرم هاشميّاً ، وأضف عا لماً(1) ، حيث إنّـه لا إشكال في تحقّق الامتثال إذا أكرم العا لم الهاشمي با لضيافـة .
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 497.
(الصفحة 246)
ولكن لايخفى ما فيـه من النظر ; فإنّ الظاهر أنّ المراد بـه ـ كما يظهر من تذييل مبحث تداخل الأسباب بـه ـ هو ما إذا كان التكليفان متعلّقين بعنوان واحد لابعنوانين ، كما لايخفى .
الرابع:
أنّ مورد النزاع هو ما تقتضيـه القواعد اللفظيـة بعد الفراغ عن إمكان التداخل وعدمـه .
وحكي عن بعض الأعاظم المعاصرين:
استحا لـة عدم التداخل ; نظراً إلى أ نّـه يمكن تعقّل تعلّق أمر واحد بإيجاد الطبيعـة مرّتين من غير تعليق على شيء ، كما إذا قال : توضّأ وضوئين وكذا فيما إذا جمع السببين وأمر بإيجادهما مرّتين كما إذا قال : إن بلت ونمت فتوضّأ وضوئين ، وكذا يجوز تعلّق أمرين بطبيعـة واحدة فيما إذا كان السبب الثاني مترتّباً على الأوّل دائماً ، وأمّا مع عدم الترتّب بينهما ـ كما هو المفروض في المقام ـ فلا نتعقّل تعلّق أمرين بطبيعـة واحدة ; إذ لايمكن تقييد الثاني بمثل كلمـة الآخر ونحوه ; لإمكان حصول السبب الثاني قبل الأوّل .
ومنـه يظهر أ نّـه لايمكن تقييد كلّ منهما بمثلها ، كما هو واضح(1) .
هذا، ولكن لايخفى:
أنّ منشأ الاستحا لـة لو كان مجرّد عدم صحّـة التقييد بمثل كلمـة الآخر ، فا لجواب عنـه واضح ; لعدم انحصار التقييد بمثلـه ، وذلك لإمكان أن يقيّد كلّ واحد منهما با لسبب الموجب لتعلّق التكليف با لطبيعـة ، وذلك بأن يقال : إن بلت فتوضّأ وضوءاً من قِبَل البول ، وإن نمت فتوضّأ وضوءاً من قِبَل النوم .
- 1 ـ الحاشيـة على كفايـة الاُصول، البروجردي 1: 449 ـ 453، نهايـة الاُصول: 305 ـ 309.