(الصفحة 44)
ا لشرط مدّعياً أنّ الوجدان دليل عليـه .
قال : فإنّا نجد من أنفسنا إرادة العمل الذي يكون فيـه مصلحـة لنا على تقدير خاص وإن لم يكن ذلك التقدير متحقّقاً با لفعل(1) .
وأنت خبير بأ نّـه لو سلّم انتزاع الحكم عن نفس الإرادة المظهرة ، فلا نسلّم انتزاعـه عن هذا النحو من الإرادة المتحقّقـة في الواجب المشروط ، كما لايخفى .
في إشكالات الواجب المشروط على مسلك المشهور
ثمّ إنّـه ربّما يورد على مذهب المشهور بإيرادات شتّى :
منها:
ما أورده عليـه ذلك البعض المتقدّم ـ على ما في التقريرات المنسوبـة إليـه ـ من أ نّـه لا إشكال في إنشاء الشارع للتكليف المشروط قبل تحقّق شرطـه ، ولاريب في أنّ إنشاء التكليف من المقدّمات التي يتوصّل بها المولى إلى تحصيل المكلّف بـه في الخارج ، والواجب المشروط على المشهور ليس بمراد للمولى قبل تحقّق شرطـه في الخارج ، فكيف يتصوّر أن يتوصّل العاقل إلى تحصيل ما لايريده فعلاً ؟ ! فلابدّ أن يلتزم المشهور في دفع هذا الإشكال بوجود غرض نفسي في نفس إنشاء التكليف المشروط قبل تحقّق شرطـه ، وهو كما ترى .
ولكن من التزم بما ذهبنا إليـه لايرد عليـه هذا الإشكال ; لفعليـة الإرادة قبل تحقّق الشرط ، فا لمولى يتوصّل بإنشائـه إلى ما يريده فعلاً وإن كان على تقدير(2) . انتهى .
وأنت خبير بأنّـه لم يكن للمشهور الالتزام بما ذكره أصلاً،
فإنّ الإنشاءات
- 1 ـ نفس المصدر 1: 342 / السطر 3.
- 2 ـ نفس المصدر 1: 346 ـ 347.
(الصفحة 45)
وإن كانت للتوصّل إلى تحصيل المراد إلاّ أ نّـه حيث يكون المكلّفون مختلفين من حيث تحقّق الشرط با لنسبـة إليهم وعدمـه لابأس بإنشاء الوجوب على النحو المذكور وإن لم يكن الشرط حاصلاً با لنسبـة إلى بعض المكلّفين ، كما أنّ الإنشاءات الواقعـة في الشريعـة إنّما هي على نحو القوانين الكلّيـة ، فلايمكن أن تكون متوقّفةً على تحقّق شرائطها ، كما هو واضح لايخفى .
هذا ، مضافاً إلى أنّ هذا الإيراد لايدفع بما التزمـه في الواجب المشروط ، فتدبّر .
منها:
ـ وهي عمدتها ـ أ نّـه لو كانت الإرادة المتعلّقـة با لواجب المشروط حاصلةً عند تحقّق الشرط لا قبلـه ، يلزم أن لا تكون المقدّمات الوجودية لتحقّق الواجب المشروط واجبةً با لوجوب الغيري قبل تحقّق الشرط ; لعدم كون ذي المقدّمـة واجباً قبلـه حتّى يسري الوجوب منها إلى مقدّمتـه ، وهذا بخلاف ما لو قيل بتحقّق الإرادة قبل حصول الشرط ، كما التزم بـه بعض الأعاظم(قدس سره) على ما عرفت ، فإنّ تعلّق الإرادة الغيريـة با لمقدّمات لوجود الإرادة النفسيـة المتعلّقـة بذي المقدّمـة با لفعل .
والتحقيق في دفع الإيراد عن المشهور أن يقال:
إنّ ما اشتهر في الألسن وتكرّر في أكثر الكلمات من أنّ الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة ناشئـة ومترشّحـة من الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة ، وكذا الوجوب المتعلّق بالاُولى سار من الوجوب المتعلّق با لثانيـة ليس على ما ينبغي ، بل محلّ نظر ومنع ، كما عرفت في صدر مبحث المقدّمـة ; فإنّـه لا معنى لكون الإرادة علّةً موجدة لإرادة اُخرى ، فإنّ كلّ إرادة فلها مباد ومقدّمات مخصوصـة ، فكما أنّ الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة ناشئـة من المبادئ الخاصـة بها فكذلك الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة لها مقدّمات ومباد مخصوصـة بها ، غايـة الأمر أنّ تعلّق الإرادة بها لحصول مطلوبـه الأوّلي
(الصفحة 46)
ا لذي تعلّقت بـه الإرادة الأوّليـة .
وبا لجملـة فلا إشكال في أنّ كلّ إرادة معلولـة للنفس وموجدة بفعّا ليتها ، ولايعقل أن تكون علّتـه الإرادة المتعلّقـة بشيء آخر ، كما حقّق في محلّـه ، وهكذا الوجوب المتعلّق بشيء لايعقل أن يسري إلى شيء آخر أصلاً .
وحينئذ فنقول:
إنّ الملازمـة بين الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة وبين الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة على تقدير ثبوتها إنّما هي لتوقّف حصول غرض المولى على تحقّقها في الخارج ، لا لتحقّق الإرادة بذي المقدّمـة ، فإن تعلّقها بها أيضاً للتوصّل إلى تحصيل غرضـه ، فإذا فرض في مقام عدم تعلّق الإرادة الفعليـة بذي المقدّمـة ـ كما في المقام ـ فلايمنع عن تعلّق الإرادة الفعليـة با لمقدّمـة ; لبقاء ملاك تعلّق الإرادة بها ، وهي توقّف حصول غرض المولى عليها على حا لها .
وبا لجملـة ، فلو فرض في مقام اطّلاع العبد على أنّ المولى يريد شيئاً على تقدير خاص ، وفرض العلم بتحقّق ذلك التقدير المستلزم للعلم بإرادتـه قطعاً ، وفرض أيضاً توقّف حصول ذلك الشيء على أمر لايمكن تحصيلـه بعد تحقّق شرط الوجوب ، فمن الواضح أنّ العقل يحكم بوجوب الإتيان بمقدّمـة ذلك الشيء وإن لم تكن الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة موجودةً با لفعل .
وا لحاصل أ نّـه حيث يكون الدائر على ألسنتهم أنّ الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة ناشئـة من الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة ، ورأوا أنّ المشهور لايلتزمون بوجود الإرادة قبل تحقّق الشرط في الواجب المشروط ، فلذا أوردوا على المشهور بأ نّـه لايبقى وجـه لوجوب المقدّمـة قبل تحقّق الشرط(1) .
- 1 ـ هدايـة المسترشدين: 217 / السطر 1، بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 346 / السطر 22.
(الصفحة 47)
وبما حقّقناه قد ظهر لك أ نّـه لا وجـه لهذا الإيراد أصلاً ، كما عرفت .
ثمّ إنّـه لو قلنا بخلاف ما عليـه المشهور والتزمنا بما التزم بـه ذلك البعض من تحقّق الإرادة قبل تحقّق الشرط ، فتعلّقها با لمقدّمـة أيضاً مورد منع ; فإنّـه لايعقل ترشّح الإرادة المطلقـة با لمقدّمـة من الإرادة التقديريـة المتعلّقـة بذي المقدّمـة بعد لزوم السنخيـة بين المعلول وعلّتـه ، فإنّـه كيف يمكن أن تكون الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة مطلقةً بمعنى وجوب تحصيلها فعلاً ، مع أنّ الإرادة المتعلّقة بذي المقدّمة تقديريـة كما هو واضح .
والمتحصّل من جميع ما ذكرنا في الواجب المشروط اُمور:
الأوّل:
أنّ القيود بحسب الواقع على قسمين .
الثاني:
أنّ القيود راجعـة إلى الهيئـة ، كما هو ظاهر اللّفظ ، ولا امتناع في رجوعها إليها ، كما ينسب إلى الشيخ الأنصاري(قدس سره)(1) .
الثالث:
أنّ الحكم إنّما ينتزع من نفس البعث والزجر ، والدليل عليـه أ نّـه يجعل مقسماً للحكم التكليفي والوضعي ، ولا معنى للقول بأنّ الحكم في الأحكام الوضعيـة عبارة عن الإرادة مطلقـة أو مقيّدة بالإظهار ، كما هو واضح .
الرابع:
أنّ الوجوب في الواجب المشروط إنّما هو بعد تحقّق الشرط لا قبلـه .
الخامس:
أ نّـه تكون المقدّمات واجبةً قبل تحقّق الشرط ولو لم تكن ذو المقدّمـة واجباً قبلـه ، كما عرفت تحقيقـه .
- 1 ـ مطارح الأنظار: 46 / السطر 2.
(الصفحة 48)
الأمر الخامس
في الواجب المعلّق والمنجز
ربّما يقسّم الواجب أيضاً ببعض الاعتبارات إلى معلّق ومنَجّز ، ويقال ـ كما في الفصول ـ : إنّ المراد با لمنجّز هو الذي يتعلّق وجوبـه با لمكلّف ، ولايتوقّف حصولـه على أمر غير مقدور لـه ، كا لمعرفـة وبا لمعلّق هو الذي يتعلّق وجوبـه با لمكلّف ويتوقّف حصولـه على أمر غير مقدور لـه كا لحجّ ، فإنّ وجوبـه يتعلّق با لمكلّف من أوّل زمن الاستطاعـة أو خروج الرفقـة ، ويتوقّف فعلـه على مجيء وقتـه ، وهو غيرمقدورلـه .
وا لفرق بين هذا النوع وبين الواجب المشروط هو : أنّ التوقّف هناك للوجوب وهنا للفعل(1) .
ولايخفى:
أنّ الالتزام با لواجب المعلّق إنّما هو للتخلّص عمّا أورد على المشهور في الواجب المشروط من أ نّـه بناء على عدم تحقّق الإرادة قبل حصول الشرط كما هو مذهبـه لم يبق وجـه لسرايـة الإرادة إلى المقدّمات قبل حصولـه فإنّـه حيث تعسّر عليهم رفع هذا الإيراد مع ما رأوا في بعض الموارد من دلالـة بعض الأخبار على وجوب المقدّمات في بعض الواجبات المشروطـة قبل تحقّق شرطها فلذا تمسّكوا بذيل الواجب المعلّق والتزموا بثبوت الوجوب فيـه قبل حصول شرط الواجب بخلاف المشروط .
- 1 ـ الفصول الغرويّـة: 79 / السطر 35.