(الصفحة 257)المقام الثاني
في مفهوم الغايـة
يقع الكلام في مفهوم الغايـة بمعنى دلالتها على انتفاء الحكم فيما بعدها بناء على دخولها في المغيّى ، أو انتفاؤه فيها وفيما بعدها بناء على خروجها عنـه .
وا لمعروف بين المتأخّرين : التفصيل بين ما إذا كانت الغايـة قيداً للحكم وبين ما إذا كانت قيداً للموضوع با لدلالـة على المفهوم في الأوّل دون الثاني .
وا لوجـه في الثاني واضح ; لأنّـه يصير حينئذ من قبيل الوصف ، وقد عرفت أ نّـه لا مفهوم لـه .
وأمّا وجـه الدلالـة على المفهوم في الأوّل : فهو على ما ذكره بعض المحقّقين من المعاصرين في كتاب الدّرر عبارة عن أنّ الغايـة بحسب مدلول القضيّـة جُعلت غايةً للحكم المستفاد من قولـه : اجلس ، مثلاً ، وقد حقّق في محلّـه أنّ مفاد الهيئة إنشاء حقيقـة الطلب ، لا الطلب الجزئي الخارجي ، فتكون الغايـة في القضيّـة غايةً لحقيقة الطلب المتعلّق با لجلوس ، ولازم ذلك هو ارتفاع حقيقة الطلب عن الجلوس عند وجودها .
نعم لو قيل بدلالـة الهيئـة على الطلب الجزئي ، فا لغايـة لا تدلّ إلاّ على
(الصفحة 258)
ارتفاعـه عندها ، وهو لاينافي وجود جزئي آخر من سنخ ذلك الطلب بعدها .
ولكنّـه اختار في الأواخر أ نّـه لا تدلّ الغايـة على المفهوم ولو كانت قيداً للحكم ، فقال في حاشيـة الدّرر ما هذه عبارتـه : يمكن أن يقال بمنع المفهوم حتّى فيما اُخذ فيـه الغايـة قيداً للحكم ، كما في : اجلس من الصبح إلى الزوال ; لمساعدة الوجدان على أ نّا لو قلنا بعد الكلام المذكور : وإن جاء زيد فاجلس من الزوال إلى الغروب ، فليس فيـه مخا لفـة لظاهر الكلام الأوّل ، فهذا يكشف عن أنّ المغيّى ليس سنخ الحكم من أيّ علّـة تحقّق بل السنخ المعلول لعلّـة خاصّـة سواء كانت مذكورة كما في إن جاء زيد فاجلس من الصبح إلى الزوال ، أم كانت غير مذكورة ، فإنّـه مع عدم الذكر أيضاً يكون لا محا لـة هنا علّـة يكون الحكم المذكور مسبّباً عنها(1) . انتهى .
وأنت خبير بأنّ الغايـة إذا كانت غايةً لطبيعة الطلب المتعلّقة با لجلوس مثلاً ، فلا محا لـة ترتفع الطبيعـة عند وجودها ، وإلاّ فلا معنى لكونها غايةً لنفس الطبيعة ، ويكشف من ذلك ارتفاع علّتـه وعدم قيام علّـة اُخرى مقامـه .
وبعبارة اُخرى:
بعد كون القضيّـة بنظر العرف ظاهرة في ارتفاع الطلب عند وجود الغايـة لا مجال للإشكال في الدلالـة على المفهوم من جهـة ما ذكر ; لأنّ ذلك مستلزم لكون العلّـة واحدة بحيث لايقوم مقامها علّـة اُخرى .
هذا مضافاً إلى أنّ العرف لايتوجّـه ولاينظر إلى مسأ لـة العلّـة أصلاً ، كما لايخفى ، إلاّ أنّ كون الهيئـة مفادها هو إنشاء حقيقـة الطلب وكلّيـه قد عرفت ما فيـه سابقاً ; فإنّ الوضع والموضوع لـه في الحروف ليسا عامّين ، بل الموضوع لـه خاص ، إلاّ أنّ المتفاهم في المقام من القضيّـة الغائيـة كون المغيّى هو حقيقـة
- 1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 204 ـ 205.
(الصفحة 259)
ا لطلب بحيث ترتفع عند وجود الغايـة ، كما يظهر بمراجعـة العرف ، فا لحقّ ثبوت مفهوم الغايـة .
ثمّ إنّ هنا خلافاً آخر ، وهو : أنّ الغايـة هـل تكون داخلـة في المغيّى أو خارجـة عنها ؟
ولايخفى أنّ المراد با لغايـة هنا هو مدخول مثل «إ لى» و«حتّى» ممّا لـه أجزاء ، لا نهايـة الشيء ، فإنّ البحث فيها با لمعنى الثاني ليس شأن الاُصولي ، بخلاف الأوّل .
وا لحقّ خروجها عن المغيّى ، سواء كانت غايةً للموضوع أو الحكم .
وا لدليل على ذلك مراجعـة الاستعمالات العرفيـة ، فإنّ قول القائل : سرت من البصرة إلى الكوفـة لايدلّ على استمرار السير في جزء من الكوفـة أيضاً بحيث لو وصل إلى جدار الكوفـة من دون أن يدخل فيها ، لكان هذا القول منـه كذباً ، بل نقول : إنّ دعوى دخول تا لي كلمـة «من» في الموضوع أو الحكم ممنوعـة أيضاً ، كما يظهر با لتأمّل في المثال ، فالإنصاف خروج الغايـة عن المغيّى حكماً كان أو موضوعاً ، فا لتفصيل بينهما بدخولها فيـه في الثاني دون الأوّل ـ كما في الدّرر ـ في غير محلّـه ، كما أنّ دعوى خروج غايـة الحكم عن النزاع في هذا المقام ـ كما في الكفايـة ـ ممنوعـة جدّاً ، كما أشار إليـه في الحاشيـة فراجع(1) .
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 246 ـ 247.
(الصفحة 260)
(الصفحة 261)
المقصد الرابع
في الأوامر
وفيـه مقدّمـة وفصول: