(الصفحة 320)الفصل الخامس
في تعقّب العامّ بضمير يرجع إلى بعض أفراده
إذا تعقّب العامّ بضمير يرجع إلى بعض أفراده ، يوجب تخصيصـه بـه أو لا ؟ فيـه خلاف .
ومحلّ النزاع ما إذا كان العامّ موضوعاً لحكم آخر غير الحكم المترتّب على البعض المدلول عليـه با لضمير الذي يرجع إليـه ، مثل قولـه تعا لى :
(والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثـة قروء) إلى قولـه :
(وبعولتهنَّ أحقُّ بردّهنّ)(1) وأمّا إذا كانت هنا قضيـة واحدة ذكر فيها العامّ والضمير معاً ، مثل قولـه : «وا لمطلّقات أزواجهنّ أحقّ بردّهنّ» ، فلاشبهـة في تخصيصـه بـه ، كما هو واضح .
وهل محلّ الخلاف يختصّ بما إذا علم من الخارج بكون المراد من الضمير الواقع في القضيّـة الثانيـة هو بعض أفراد العامّ ، المذكورة في القضيّـة الاُولى ، كما في المثال المذكور ، أو يختصّ بما إذا علم لا من الخارج ، بل بمجرّد إلقاء القضيّـة الثانيـة يعلم أنّ المراد هو البعض لحكم العقل بذلك مثلاً ، كما في قولـه : أهن
(الصفحة 321)
ا لفسّاق واقتلهم ، فإنّ العقل يحكم بأنّ المراد با لضمير ليس جميع الفسّاق ; لعدم اقتضاء الفسق بنفسـه لإيجاب القتل ، بل المراد بـه هو الكفّار منهم ، أو يشمل الصورتين معاً ؟ وجوه ، وكلامهم خا ليـة عن التعرّض لهذه الجهـة .
نعم ظاهر تمثيل أكثرهم بالآيـة الشريفـة التي هي من قبيل الصورة الاُولى ; لأنّ العلم باختصاص الأحقيّـة با لردّ ببعولـة المطلّقات الرجعيّات إنّما كان مستنداً إلى دليل آخر هو عدم الاختصاص با لصورة الثانيـة ، نعم لايستفاد منـه التعميم أو الاختصاص با لصورة الاُولى ، كما لايخفى .
وكيف كان ، فإن كان محلّ البحث هي الصورة الاُولى ، فلا إشكال في أنّ أصا لـة العموم الجاريـة في القضيّـة الاُولى يقتضي الحمل على العموم ; لأنّ الأمر هنا دائر بين تخصيص واحد أو أزيد ، وقد استقرّ رأي المحقّقين من الاُصوليّين على التمسّك في نفي الزائد بأصا لـة العموم فيما إذا شكّ في تخصيص زائد با لنسبـة إلى عامّ واحد ، فضلاً عن مثل المقام الذي يكون فيـه عامّان خصّص أحدهما يقيناً والشكّ في تخصيص الآخر .
توضيحـه:
أنّ القضيّـة المشتملـة على الضمير إنّما تقتضي بظاهرها ثبوت الحكم با لنسبـة إلى جميع أفراد العامّ ; لأنّ الضمير موضوع للإشارة إلى مرجعـه الذي هو العامّ في المقام ، فقولـه : وبعولتهنّ بمنزلـة قولـه : وبعولـة المطلّقات ، والعلم باختصاصها با لرجعيات لايوجب استعمال الضمير فيها حتّى تلزم المجازيـة ; لما عرفت من أنّ التخصيص إنّما يقتضي قصر الإرادة الجدّيـة على غير مورد الخاصّ ، ولايوجب أن يكون العامّ مستعملاً فيما عدا مورده ، وحينئذ فا لدليل على تخصيص القضيّـة الثانيـة لايوجب تصرّفاً في القضيّـة الاُولى أصلاً ; لما عرفت من أنّ مورد الشكّ في التخصيص يكون المرجع فيـه أصا لـة العموم .
ومن هنا انقدح:
أ نّـه لا مجال حينئذ لهذا النزاع بعدما تقدّم منهم من عدم
(الصفحة 322)
اقتضاء التخصيص للمجازيـة ، وأنّ المرجع في مورد الشكّ فيـه أو في الزائد هي أصا لـة العموم ، كما أ نّـه ظهر فساد ما في الكفايـة من أنّ المتيقّن من بناء العقلاء هو اتّباع الظهور فيما إذا شكّ في تعيين المراد ، وأمّا إذا شكّ في كيفيـة الاستعمال مع العلم با لمراد ، كما في ناحيـة الضمير ، فلا(1) ، وذلك لما عرفت من عدم استلزام ا لتخصيص للمجازيّـة في ناحيـة الضمير ، فكما أنّ المراد معلوم كذلك كيفيّـة الاستعمال معلومـة .
نعم هذا إنّما يتمّ على مذهب القدماء القائلين بأنّ العامّ المخصّص يصير مجازاً ، وهو مع أ نّـه خلاف التحقيق مخا لف لما اختاره(2) أيضاً كما عرفت .
كما أنّ التعبير في محلّ النزاع بضمير يرجع إلى بعض أفراد العامّ ليس في محلّـه ; لما عرفت من أنّ الضمير لم يستعمل إلاّ فيما وُضع لـه ، وهو إيجاد الإشارة بـه إلى مرجعـه الذي هو العامّ في المقام ، والتخصيص لايوجب تصرّفاً في مقام الاستعمال أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
وأمّا إذا كان محلّ البحث هي الصورة الثانيـة : فا لتمسّك بأصا لـة العموم محلّ إشكال ; لأنّ ظهوره في العموم غير منعقد مع اشتما لـه على الضمير الصا لح للقرينيّـة ، كما أشار إليـه في الكفايـة ، فيصير مجملاً ، فيجب الرجوع إلى مقتضى الاُصول .
وممّا ذكرنا يظهر:
أ نّـه لو كان محلّ النزاع عامّاً شاملاً لكلتا الصورتين ، فا لواجب التفصيل ، والحكم با لرجوع إلى أصا لـة العموم في الصورة الاُولى ، وبالاُصول العمليّـة في الصورة الثانيـة ، فتدبّر جيّداً .
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 272.
- 2 ـ نفس المصدر: 255.
(الصفحة 323)الفصل السادس
في جواز تخصيص العامّ بالمفهوم
وفيـه مقامان :
المقام الأوّل: في تخصيص العامّ بالمفهوم الموافق
هل يجوز تخصيص العامّ بمفهوم الموافقـة أم لا ؟ وقد ادّعي الإجماع على الجواز(1) ، ولكنّـه لايفيد في المسأ لـة الغير الشرعيـة ، سواء كانت عقليّـة أو عرفيّـة .
ولابدّ قبل الورود في محلّ البحث من بيان المراد بمفهوم الموافقـة بعد ظهور أ نّـه عبارة عن القضيّـة الموافقـة للمنطوق في الإيجاب والسلب .
فنقول:
يحتمل أن يكون المراد بـه هو ما يعبّرون عنـه بإ لغاء الخصوصيـة ، ومرجعـه إلى أنّ الخصوصيّـة المذكورة في الكلام ممّا لايرى لها العرف مدخليـة في ترتّب الحكم بحيث يكون الكلام بنفسـه دالاّ على ثبوت الحكم مع انتفاء
- 1 ـ قوانين الاُصول 1: 304 / السطر 5، كفايـة الاُصول: 272.
(الصفحة 324)
ا لخصوصيـة أيضاً ، مثل قولـه : رجل شكّ بين الثلاث والأربع فعليـه كذا ، فإنّ العرف لايفهم منـه اختصاص الحكم با لرجل ، بل يرى أنّ ذكره إنّما هو من باب المثال ، وإلاّ فا لمقصود هو المصلّي الذي شكّ بين الثلاث والأربع ، سواء كان رجلاً أو امرأة .
ويحتمل أن يكون المراد بـه هو الذي يكون الغرض من إلقاء الكلام إفادتـه إلى المخاطب ، غايـة الأمر أ نّـه كنّى عنـه بشيء آخر ، ويمكن أن يكون قولـه تعا لى :
(فلاتقل لهما أُفّ)(1) من هذا القبيل ، بناءً على أن لايكون المقصود بـه هو حرمـة قول «أُفّ» بل الإتيان بـه إنّما هو من باب الكنايـة وإفهام حرمـة الاُمور الاُخر من الضرب والشتم وغيرهما ، وهذا لاينافي عدم حرمـة ذلك القول ، كما في نظائره من أمثلـة الكنايـة .
ويحتمل أن يكون المراد بـه هو ما يكون الكلام مسوقاً لإفادتـه أيضاً ، كا لمنطوق ، غايـة الأمر أ نّـه أتى با لفرد الخفي تنبيهاً على الفرد الجليّ ، فهما معاً مقصودان بالإفادة إلاّ أ نّـه اقتصر على الأوّل مع دخول الثاني في المراد أيضاً .
ويمكن أن تكون الآيـة الشريفـة من هذا القبيل ، كما لايخفى .
ويحتمل أن يكون المراد بـه هو ما يستفاد من المنطوق بالأولويـة القطعيـة من غير أن يكون الكلام مسوقاً لإفادتـه ، والآيـة الشريفـة تحتمل هذا المعنى أيضاً .
ويحتمل أن يكون المراد بـه هو ما يستفاد من العلّـة المنصوصـة في المنطوق ، كقولـه : لا تشرب الخمر ; لأنّـه مسكر ، فإنّـه يستفاد منـه حرمـة شرب النبيذ المسكر أيضاً ; لأنّ الظاهر من القضيّـة كون تمام العلّـة هو المسكريّـة ، لا