(الصفحة 214)الأمر الرابع: شمول ملاك البحث للنهي التنزيهي والغيري والتبعي
لاريب في عدم اختصاص النزاع با لنهي التحريمي وشمولـه للنهي التنزيهي أيضاً ، ومجرّد كون النواهي التنزيهيّـة في الشريعـة متعلّقةً لابنفس العبادة بل ببعض الخصوصيّات الخارجـة عن حقيقتها ـ كما ادّعاه بعض(1)ـ لايوجب خروجـه عن محلّ النزاع ; لعدم تعلّق غرض الاُصولي با لصغريات ، بل غرضـه بيان قاعدة كلّيـة تنطبق على مواردها ، كما لايخفى .
هذا ما ينافي ما تقدّم في ثمرة اقتضاء الأمر با لشيء للنهي عن الضدّ ، وكذا لاشبهـة في دخول النهي الغيري في مورد النزاع ، وكذا النهي التبعي .
الأمر الخامس: في تحقيق الأصل في المسألـة
لا أصل في نفس المسأ لـة الاُصوليـة حتّى يحرز بـه الاقتضاء أو عدمـه ; لأنّـه لو كان النزاع في دلالـة النهي وعدمها ، فلاشبهـة في أ نّـه لايكون لأحد الطرفين حا لـة سابقـة متيقّنـة حتّى تستصحب ، ضرورة أ نّها مشكوكـة من حين الوضع .
ودعوى:
أنّ كلمـة «لا» مثلاً قبل التركيب وانضمام اللاّم مع الألف ـ يعني حين وضع المفردات ـ لم يكن يدلّ على الفساد ; لعدم عروض الوضع التركيبي عليـه ، فتستصحب تلك الحا لـة .
مدفوعـة:
بأنّ النزاع في لفظـة «لا» لا «ا للاّ» مع الألف ، وهي من أوّل وضعها كانت مشكوكـة الدلالـة على الفساد ، ولو كان النزاع في الملازمـة بين
- 1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 185 ـ 186.
(الصفحة 215)
ا لحرمـة والفساد وعدمها ، فلاشبهـة أيضاً في أ نّـه لايكون لها حا لـة سابقـة متيقّنـة ، لا لأنّ الملازمـة وعدمها من الاُمور الأزليـة ، فإنّ هذا فاسد ; لأنّ الملازمـة من الأوصاف الوجوديـة ، ولايعقل تحقّقها من دون تحقّق طرفيها ، وعروضها للمعدوم غير معقول ، بل لكونها مشكوكةً من حين تحقّق النهي .
ودعوى:
كونها معدومةً ومنتفيةً قبلـه ولو بانتفاء الموضوع .
مدفوعـة:
بأنّ هذا لايصحّح جريان الاستصحاب ; لأنّـه من قبيل استصحاب عدم القرشيـة ، وقد حقّق في محلّـه عدم جريانـه .
ثمّ إنّـه لو سلّمنا وجود الحا لـة السابقـة ، فا لظاهر أيضاً عدم جريان الاستصحاب ; لأنّـه يعتبر في جريانـه في الموضوعات أن تكون موضوعةً للآثار والأحكام الشرعيـة . وبعبارة اُخرى : مندرجةً تحت بعض الكبريات الشرعية ، ومن المعلوم أ نّـه ليس في المقام كذلك ; لأنّ استصحاب عدم الدلالـة أو عدم الملازمـة لايثبت الصحّـة أصلاً ; لأنّ ترتّب الصحّـة إنّما هو بحكم العقل بعد ملاحظـة ثبوت المقتضي وعدم المانع ، كما هو الحال في جميع الموارد ، فإنّ الحاكم بترتّب المقتضى على المقتضي بعد عدم ثبوت المانع إنّما هو العقل لا غير .
هذا كلّـه فيما يتعلّق بجريان الأصل في نفس المسأ لـة الاُصوليـة .
وأمّا المسألـة الفرعيـة:
فالأصل في المعاملات الفساد لو لم يكن عموم أو إطلاق يقتضي الصحّـة ، وأمّا العبادة فلو اُحرز من طريق ثبوت الملاك فيها ، فا لظاهر الصحّـة بناءً على كفايـة الملاك في صحّـة العبادة ، كما هو الحقّ ، وقد سبق ، ولو لم يحرز ذلك ، فا لعبادة فاسدة ، والوجـه فيـه واضح .
ثمّ لايخفى:
أ نّـه لا فرق فيما ذكرنا بين تعلّق النهي بنفس العبادة مثلاً أو جزئها أو شرطها ; لأنّ محلّ الكلام إنّما هو كون تعلّق النهي بشيء عبادةً كان أو معاملـة يوجب فساد متعلّقـه من حيث هو أم لا ، وأمّا سرايـة الفساد منـه إلى
(الصفحة 216)
مجموع العبادة فيما كان متعلّق النهي جزءَ العبادة وعدم السرايـة ، فهو أمر خارج عن موضوع البحث ، كما لايخفى .
ومنـه يظهر أنّ الأمر الثامن الذي عقده في الكفايـة لإثبات موارد السرايـة وعدمها(1) خارج عن محلّ الكلام ، ولا ربط لـه أصلاً .
إذا عرفت هذه الاُمور ، فاعلم أنّ الكلام يقع في مقامين :
المقام الأوّل
في دلالـة النهي على الفساد في العبادات
وا لكلام فيـه يقع من جهتين :
الجهـة الاُولى:
في دلالـة النهي على الفساد فيها با لدلالـة اللفظيـة العرفيـة بمعنى أ نّـه لو ورد نهي متعلّق بعبادة ولم يحرزكونـه مولويّاً تحريميّاً أوتنزيهيّاً أوإرشادياً ، فهل يدلّ بنظر العرف على فسادها أم لا ؟ بمعنى أ نّـه هل يكون للإرشاد إلى الفساد أم لا ؟
قد يقال ـ كما عن بعض الأعاظم من المعاصرين ـ بكونـه في العبادات إرشاداً إلى فسادها ; لأنّـه حيث تكون العبادة من المجعولات الشرعيـة ، والغرض من إتيانها إنّما هو سقوط الأمر ، وحصول التقرّب بسببها إلى المولى ، فكما أنّ الأمر بإتيانها على كيفيّـة مخصوصـة وبوجوب الإتيان بشيء فيها يكون للإرشاد إلى أنّ الأثر المترقّب من العبادة لايترتّب عليها من دون تلك الكيفيّـة أو ذلك الشيء ، وكذلك النهي عن إيجاد شيء في المأمور بـه أو إتيانها بكيفيـة خاصّـة يكون للإرشاد إلى مانعيـة ذلك الشيء أو تلك الكيفيـة ، وأنّ الأثر المقصود
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 222 ـ 223.
(الصفحة 217)
لايترتّب عليـه مع وجوده أو وجودها ، فكذلك النهي المتعلّق ببعض أنواع العبادة أو أصنافها لايكون إلاّ للإرشاد إلى فساده ، وعدم ترتّب الأثر المقصود عليـه(1) .
الجهـة الثانيـة:
في ثبوت الملازمـة بين الحرمـة والفساد بمعنى أ نّـه لو اُحرز كون مدلول النهي هي الحرمـة ، فهل يثبت بذلك فساد المنهي عنـه للملازمـة ، أو لايثبت لعدمها ؟
وا لتحقيق هو الأوّل ; لأنّ النهي يكشف عن مبغوضيـة متعلّقـه واشتما لـه على المفسدة على ما يقول بـه العدليـة ، ومع ذلك لايبقى مجال لصحّتـه بعد أ نّـه يعتبر في صحّـة العبادة أحد أمرين ، وهما تعلّق الأمر بها واشتما لها على الملاك وهو رجحانها الذاتي ، والمفروض انتفاؤهما في المقام .
وتوهّم:
أ نّـه لايعقل تعلّق النهي التحريمي الذاتي با لعبادة ; لعدم حرمتها مع عدم قصد التقرّب وعدم القدرة عليها معـه إلاّ تشريعاً .
مدفوع:
بأنّ المراد با لعبادة هو الذي يكون من سنخ الوظائف التي يتعبّد بها ، لا ما يكون فعلاً عبادةً ، فصلاة الحائض عبادة بمعنى أ نّها لو تعلّق الأمر بها ، كان أمرها أمراً عباديّاً .
هذا في غير العبادات الذاتيـة ، وأمّا فيها : فتكون محرّمةً مع كونها فعلاً عبادةً ، كما هو واضح .
هذا في النهي التحريمي ، وأمّا النهي التنزيهي المتعلّق بذات العبادة فهو أيضاً يوجب فسادها ; لأنّـه لايعقل اجتماع الصحّـة مع المرجوحيّـة الذاتيـة أصلاً ، إلاّ أ نّـه لايخفى ثبوت المنافاة بين الفساد وبين الترخيص فيها الذي هو لازم النهي التنزيهي ; لأنّ الترخيص بلازم الصحّـة ; إذ لايعقل تجويز التشريع ، فثبوتـه يلازم
- 1 ـ نهايـة الاُصول: 283 ـ 284.
(الصفحة 218)
صحّتها ، كما لايخفى .
فلابدّ من التأويل بجعل الترخيص ترخيصاً في أصل العبادة ، أو يقال بكون النهي إرشاداً إلى أقلّيـة الثواب ، إلاّ أنّ ذلك خروج عن محلّ البحث ; لأنّ المفروض كون النهي تنزيهيّاً متعلّقاً بذات العبادة .
هذا في النواهي النفسيـة ، وأمّا النواهي الغيريـة كا لنهي عن الصلاة الناشئ من قِبَل الأمر بالإزا لـة بناءً على اقتضاء الأمر با لشيء للنهي عن ضدّه ، فلايخفى أ نّها لا تستلزم الفساد ; لعدم كون متعلّقها مبغوضاً أصلاً ، فلا مانع من صحّتها مع وجود الملاك فيها ، والاكتفاء بـه في صحّـة العبادة ، كما عرفت .
وتوهّم أنّ الآتي با لصلاة دون الإزا لة يكون متجرّياً والتجرّي يوجب بطلان عبادتـه ; لأنّـه لايقبل عبادة المتجرّي ، مدفوع : بأنّ التجرّي إنّما هو بسبب عدم فعل الإزا لـة ، لا فعل الصلاة ، ولايعقل سرايـة التجرّي منـه إليـه ، كما هو واضح .
المقام الثاني
في اقتضاء النهي للفساد في المعاملات وعدمـه
وفيـه أيضاً جهتان من الكلام :
الجهـة الاُولى:
في دلالـة النهي على الفساد ، بمعنى أ نّـه لو ورد نهي متعلّق بمعاملـة ، ولم يحرز كونـه مولويّاً تحريميّاً أو تنزيهيّاً أو إرشادياً فهل ، ظاهرها الأخير بمعنى كونـه للإرشاد إلى الفساد أم لا ؟
وا لتحقيق هو الأوّل ; لأنّ المعاملـة كا لبيع مثلاً يتضمّن جهات ثلاثـة :
الاُولى:
هي نفس الألفاظ الصادرة من المتعاقدين ، كبعتُ واشتريتُ مثلاً .
الثانيـة:
ماهومدلول تلك الألفاظ ، وهوفعل تسبيبي للإنسان ، كا لنقل والانتقال .