(الصفحة 28)
صحّـة صوم المستحاضـة ، والعقد في الوصيـة ونظائرها ، بل كلّ عقد من حيث إنّ أجزاءه توجد متدرّجةً ، فعند تماميتـه انعدمت أجزاؤه المتقدّمة وغيرها من الموارد .
ولايخفى أنّ الموارد التي تكون بظاهرها مخا لفاً للقاعدة العقليـة لايخلو إمّا أن يكون شرطاً للتكليف أو للوضع أو للمكلّف بـه .
ما أفاده المحقّق العراقي(قدس سره) في المقام
ومن المحقّقين من المعاصرين مَنْ جوّز وقوعـه في التكوينيّات أيضاً .
واستدلّ على الجواز في الجميع بما حاصلـه : أ نّـه لاشبهـة في أنّ المقتضي لتحقّق المعلول حصّـة خاصّـة من طبيعي المقتضي ، لا أنّ نوعـه وطبيعتـه يقتضي ذلك ويؤثّر فيـه .
مثلاً : النار تقتضي وتؤثّر في وجود الإحراق لكن ليس المؤثّر في تحقّق الإحراق هي طبيعـة النار ونوعها ، بل المؤثّر حصّـة خاصّـة من طبيعتها ، وهي النار التي تماسّ الجسم المستعدّ با ليبوسـة لقبول الاحتراق ، وأمّا الحصّـة التي لاتتحصّص بخصوصيـة المماسّـة والقرب من الجسم المستعدّ للاحتراق ، فهي لاتعقل أن تؤثّر الأثر المترتّب على الحصّـة الاُولى ، وتلك الخصوصيـة التي بها تحصّصت الحصّـة المقتضيـة للمعلول لابدّ لها من محصّل في الخارج ، وما بـه تحصل تلك الخصوصيـة يسمّى شرطاً ، وهذه الخصوصيـة عبارة عن إضافـة قائمـة بتلك الحصّـة المقتضيـة حاصلـة من إضافـة الحصّـة المزبورة إلى شيء مّا ، وذلك الشيء المضاف إليـه هو الشرط ، فا لمؤثّر في المعلول إنّما هو نفس تلك الحصّـة ، والشرط محصّل لخصوصيتها ، وهو طرف الإضافـة المزبورة ، وما يكون
(الصفحة 29)
شأنـه كذلك جاز أن يتقدّم على ما يضاف إليـه أو يقترن بـه أو يتأخّر عنـه(1) . انتهى خلاصـة كلامـه .
ولايخفى أ نّـه ـ بعد تسليم جميع ما ذكره من أنّ المؤثّر هي الحصّـة من معنى أو الشرط ـ يرد عليـه : أنّ الإضافـة من الاُمور القائمـة با لطرفين : المضاف والمضاف إليـه ، فا لمضاف فيما نحن فيـه وصف للحصّـة المؤثّرة في المعلول ، والمضاف إليـه وصف لما عبّر عنـه با لشرط ، وحينئذ فنقول : لا إشكال في أنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت لـه في ظرف الاتّصاف ، ولهذه القاعدة الفرعيـة قد ثبت أنّ القضايا يتوقّف صدقها ومطابقتها مع الواقع على ثبوت موضوعاتها ما عدا القضيّـة السا لبـة المحصّلـة ; فإنّـه لايشترط في صدقها وجود الموضوع ، وأمّا غيرها من القضايا سواء كانت سا لبةً معدولة أو موجبةً محصّلة أو سا لبة المحمول فهي مشروطـة بوجود الموضوع ضرورة ، وحينئذ فالإضافـة إلى الشرط إن كانت محقّقةً با لفعل ، فلازمـه اتّصاف أحد الطرفين بأ نّـه مضاف والآخر بأ نّـه مضاف إليـه ، ولايعقل أن يصير المعدوم متّصفاً بأ نّـه مضاف إليـه ; لما عرفت من القاعدة الفرعيـة ، وإن لم تكن الإضافـة ثابتةً فعلاً ، فتأثير الحصّة في المعلول غير معقول ، كما اعترف بـه(قدس سره) .
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عمّا ربّما يقال:
من أنّ الشرط هو التقدّم أو التأخّر أو التعقّب ونظائرها ، وذلك لأنّ صدق عنوان التقدّم لايعقل إلاّ مع صدق عنوان التأخّر للمتأخّر ، ومع كونـه معدوماً فعلاً يستحيل اتّصافـه بعنوان التأخّر ، كما هو واضح .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ التوجيـه بما ذكر ليس إلاّ كرّاً على ما فرّ منـه
- 1 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 320.
(الصفحة 30)
من مخا لفـة القاعدة العقليـة ، كما عرفت .
والتحقيق أن يقال:
أمّا شرائط التكليف : فلايخفى أنّ الشرط فيـه مقارن للتكليف ; لأنّ شرطـه ليس هي القدرة الواقعيـة في زمان الامتثال حتى يقال بأ نّـه كيف يمكن أن يؤثّر الأمر المتأخّر المعدوم فعلاً في الأمر الموجود كذلك ، بل الشرط هو تشخيص كون المكلّف قادراً في ظرف الامتثال والتشخيص مقارن لصدور التكليف كما هو واضح .
وأمّا شرائط الوضع والمكلّف بـه : فا لمؤثّر ليس هو الأمر المتأخّر في الوجود الخارجي حتّى يلزم تأثير المعدوم في الموجود الممتنع با لبديهـة ، بل المؤثّر هو الأمر المتقدّم لابوصف التقدّم بل بنفسـه المتقدّم با لذات .
توضيح ذلك:
أنّ من الواضح تقدّم أجزاء الزمان بعضها على بعض با لذات بمعنى أنّ الزمان الماضي مثلاً متقدّم با لطبع على الزمان المستقبل ولو لم يكن عنوان التقدّم والتأخّر موجوداً في البين أصلاً ، نعم اتّصاف الزمان الماضي بوصف التقدّم في مرتبـة اتّصاف الزمان المستقبل بعنوان التأخّر المستلزم لوجوده ; للقاعدة الفرعيـة المسلّمـة عند العقول بلا تقدّم وتأخّر بين الاتّصافين أصلاً ; لأنّ المفروض كونهما متضايفين ، ومن شأنهما تحقّق الطرفين معاً من دون ترتّب بينهما .
ونظير الزمان الزمانيات الواقعـة في أجزاء الزمان ; فإنّ قيام زيد المتحقّق في الأمس متقدّم ذاتاً لكن بعرض وتبع الزمان على مجيء عمرو الذي سيوجد غداً وإن كان اتّصافـه بعنوان المتقدّم لايصحّ إلاّ مقارناً لاتّصاف مجيء عمرو بعنوان المتأخّر ، ومن المعلوم توقّفـه على تحقّقـه ; لتلك القاعدة .
وبالجملـة:
فلا منافاة بين كون شيء متقدّماً على شيء آخر با لذات ومع ذلك فلايصدق عليـه عنوان المتقدّم ; لكونـه من الاُمور الإضافيـة المتوقّفـة على تحقّق الطرفين ، وهذا كا لعلّـة والمعلول ، فإنّـه لا إشكال في تقدّمها عليـه ; لكونـه
(الصفحة 31)
صادراً عنها وناشئاً ومترشّحاً منها ، ومع ذلك فاتّصافها بوصف التقدّم في مرتبـة اتّصافـه بوصف التأخّر من دون تقدّم وتأخّر بينهما أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
ونظير المتقابلين فإنّهم وإن جعلوا التقابل مقسماً للمتناقضين والمتضادّين والمتضايفين وغيرها(1) إلاّ أنّ عنوان المقسم ـ وهو التقابل ـ من أفراد أحد ا لأقسام ، وهو التضايف ، فإنّ المقابلـة والتقابل من الاُمور الإضافيـة المتوقّفـة على تحقّق أطراف الإضافـة ، وهكذا عنوان التضادّ ; فإنّـه وإن جُعل قسيماً للتضايف إلاّ أنّ هذا العنوان من أفراد قسيمـه ، أي التضايف ، فا لتضادّ بين الشيئين القسيم لـه إنّما هو عبارة عن امتناع اجتماعهما با لذات ، كما أنّ التقابل المجعول مقسماً إنّما هو حقيقتـه مع قطع النظر عن الاتّصاف بهذا الوصف .
إذا عرفت ما ذكرنا:
فاعلم أنّ الموضوع للحكم با لصحّـة في العقد الفضولي إنّما هو العقد المتقدّم بحسب الذات على الإجازة من الما لك ، وهذا إمّا أن يكون متحقّقاً بحسب الواقع ونفس الأمر حين العقد فيما كان ملحوقاً بالإجازة ، وإمّا أن لايكون كذلك ، وهو في غير صورة الإجازة ، فا لعقد الواقع إمّا أن يكون صحيحاً مترتّباً عليـه الأثر من حين وقوعـه ، وهو فيما إذا وجد مع شرطـه ، وإمّا أن لايكون كذلك ، وهو فيما إذا فقد شرطـه ; لعدم تحقّق الإجازة فيما بعد .
وهكذا يقال في صوم المستحاضـة ; فإنّ صحّتـه متوقّفـة على تقدّمـه بحسب الذات ولو عرضاً تبعاً للزمان على الأغسال الليليـة فإمّا أن يكون الموقوف عليـه موجوداً حينـه ، فيصحّ من حين وقوعـه ، وإمّا أن لايكون ، فيبطل كذلك ، ففي جميع الموارد يكون الشرط مقارناً ، فيرتفع الإشكال بمخا لفتها للقاعدة العقليـة ، كما عرفت .
- 1 ـ الحكمـة المتعاليـة 2: 100.
(الصفحة 32)
هذا كلّـه لو قلنا بأنّ الحكم في الشرعيات نظير العقليات من باب التأثير والتأثّر ، وأمّا لو قلنا بخلافـه فا لمقام بعيد عن الإشكال بمراحل ، كما لايخفى .
كلام المحقّق النائيني(قدس سره) في تحرير محلّ النزاع
ثمّ إنّ لبعض الأعاظم من المتأخّرين كلاماً في المقام في تحرير محلّ النزاع وبيان ما ذهب إليـه لابأس بذكره والتعرّض لـه على نحو الإجمال .
فنقول:
قد ذكر في تحرير محلّ النزاع
أوّلاً:
أنّ شرط متعلّق التكليف خارج عن حريم النزاع ; لأنّ حال الشرط حال الجزء في توقّف الامتثال عليـه ، فكما أ نّـه لا إشكال فيما إذا كان بعض أجزاء المركّب متأخّراً عن الآخر في الوجود ومنفصلاً عنـه في الزمان ـ كما إذا أمر بمركّب بعض أجزائـه في أوّل النهار والبعض الآخر في آخر النهار ـ كذلك لاينبغي الإشكال فيما إذا كان شرط الواجب متأخّراً في الوجود ; لأنّ ما يلزم على تقدير كون الشرط متأخّراً ـ وهو لزوم المناقضـة وتقدّم المعلول على علّتـه وتأثير المعدوم في الموجود ـ لايجري في شرط متعلّق التكليف ، فأيّ محذور يلزم إذا كان غسل الليل المستقبل شرطاً في صحّـة صوم المستحاضـة ؟ فإنّ حقيقـة الاشتراط يرجع إلى أنّ الإضافـة الحاصلـة بين الصوم والغسل شرط في صحّـة الصوم بحيث لايكون الصوم صحيحاً إلاّ بحصول هذه الإضافـة .
نعم لو قلنا : إنّ غسل الليل الآتي موجب لرفع حدث الاستحاضـة عن الزمان الماضي ، كان الإشكال في الشرط المتأخّر جارياً فيـه ، ولكنّـه خارج عن مقتضى الدليل . وبا لجملـة فتسريـة إشكال الشرط المتأخّر إلى قيود متعلّق التكليف ممّا لا وجـه لـه .
وثانياً:
أ نّـه لا إشكال في خروج العلل الغائيـة من حريم النزاع ; فإنّها غا لباً