(الصفحة 26)
الثاني:
أ نّـه لو سلّمنا أنّ انتزاع الوحدة الملازمـة لاتّصاف الأشياء بعنواني الكلّ والأجزاء إنّما هو بعد تعلّق الأمر بها ، ولكن نقول : إنّ النزاع في باب المقدّمـة إنّما هو فيما يتوقّف عليـه المأمور بـه واقعاً ، ولايكاد يمكن تحقّقـه بدونـه ، لا في عنوان المقدّميـة ; ضرورة أ نّها لم تكن متوقّفاً عليها أصلاً ، وحينئذ فمجرّد أنّ عنوان المقدّميـة يتوقّف اتّصاف الأجزاء بـه على تعلّق الأمر لايوجب خروج الأجزاء عن توقّف المأمور بـه عليها واقعاً .
مضافاً إلى أنّ عنوان المقدّميـة إنّما هو من العناوين الإضافيـة التي من شأنها أن يتحقّقا معاً من دون توقّف بينهما أصلاً ، نظير العلّيّـة والمعلوليـة ، فإنّ العلّـة منشأ لصدور المعلول بذاتها ومتقدّمـة عليـه بحقيقتها لابوصف العلّيّـة ، فإنّها من الاُمور الإضافيـة ، وعروضها للعلّـة إنّما هو في مرتبـة عروض وصف المعلوليـة للمعلول من دون تقدّم وتأخّر أصلاً . وهذا واضح جدّاً .
التفصيل بين العلّـة التامّـة وغيرها
ثمّ إنّـه قد يفصّل في المقدّمات الخارجيـة بين العلّـة التامّـة وغيرها بخروج الأوّل من مورد النزاع ، وذلك ; لأنّ إرادة الأمر لابدّ أن تتعلّق بما يمكن أن تتعلّق بـه إرادة الفاعل ، وهي لايمكن أن تتعلّق با لمعلول ; لأنّـه يكون خارجاً عن قدرة الفاعل ، فمتعلّق القدرة هي العلّـة ، فالأمر لابدّ أن يتعلّق بها دون المعلول .
وفيـه : أ نّـه على فرض صحّتـه لايكون تفصيلاً في محلّ النزاع ; لأنّ مرجعـه إلى أنّ الأمر المتعلّق با لمسبّب يجب أن ينصرف إلى علّتـه ، والنزاع إنّما هو على تقدير تعلّق الأمر با لمسبّب ، كما هو واضح .
هذا ، مضافاً إلى بطلانـه من رأس ; فإنّ المسبّب وإن لم يكن من فعل الفاعل من دون وسط ، إلاّ أ نّـه يصحّ انتسابـه إليـه ; لتعلّق القدرة بـه ولو بواسطـة ، فيصحّ
(الصفحة 27)
تعلّق الأمر بالإحراق ; لصحّـة استناده إلى المكلّف وإن كان متحقّقاً بمقتضى طبيعـة النّار ، إلاّ أ نّـه مقدور للمكلّف ; لقدرتـه على الإلقاء فيـه .
وهذا واضح جدّاً ، وإلاّ لم يكن كثير من الأفعال مقدوراً للمكلّف ; لتوقّفها غا لباً على بعض المقدّمات . والإشكال لاينحصر با لعلّـة التامّـة ; إذ كلّ فعل فهو غير مقدور للمكلّف إلاّ مع مقدّمتـه ، كما لايخفى .
ومن تقسيمات المقدّمـة:
تقسيمها إلى الشرعيّـة والعقليّـة والعاديّـة .
ومن تقسيمات المقدّمـة:
تقسيمها إلى مقدّمـة الصحـة ومقدّمـة العلم ومقدّمـة الوجود ومقدّمـة الوجوب .
وا لكلام فيها ما ذكره المحقّق الخراساني(قدس سره) في الكفايـة(1) ، فلا نطيل با لتعرّض لما ذكره(قدس سره) .
تقسيم المقدّمـة إلى المتقدّمـة والمقارنـة والمتأخرّة
ومن تقسيمات المقدّمـة : تقسيمها إلى المقدّمـة المتقدّمـة والمقارنـة والمتأخّرة بحسب الوجود با لنسبـة إلى ذي المقدّمـة .
وقد اُشكل في الأوّل والأخير بأ نّـه لاريب في أنّ المقدّمـة من أجزاء العلّـة التامّـة ، ولابدّ من تقدّمها بجميع أجزائها على المعلول ، فلايعقل تقدّم المقدّمـة وتأخّره(2) ، ومع ذلك فقد ورد في الشرع ما بظاهره مخا لف لهذه القضيّـة العقليّـة ا لدالّـة على امتناع تأخّر العلّـة عن معلولها ، وكذلك تقدّمها زماناً ، وذلك كالإجازة في عقد الفضولي بناءً على الكشف الحقيقي ، والأغسال الليليـة المعتبرة في
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 116 ـ 117.
- 2 ـ بدائع الأفكار، المحقّق الرشتي: 301 / السطر 27 ـ 28.
(الصفحة 28)
صحّـة صوم المستحاضـة ، والعقد في الوصيـة ونظائرها ، بل كلّ عقد من حيث إنّ أجزاءه توجد متدرّجةً ، فعند تماميتـه انعدمت أجزاؤه المتقدّمة وغيرها من الموارد .
ولايخفى أنّ الموارد التي تكون بظاهرها مخا لفاً للقاعدة العقليـة لايخلو إمّا أن يكون شرطاً للتكليف أو للوضع أو للمكلّف بـه .
ما أفاده المحقّق العراقي(قدس سره) في المقام
ومن المحقّقين من المعاصرين مَنْ جوّز وقوعـه في التكوينيّات أيضاً .
واستدلّ على الجواز في الجميع بما حاصلـه : أ نّـه لاشبهـة في أنّ المقتضي لتحقّق المعلول حصّـة خاصّـة من طبيعي المقتضي ، لا أنّ نوعـه وطبيعتـه يقتضي ذلك ويؤثّر فيـه .
مثلاً : النار تقتضي وتؤثّر في وجود الإحراق لكن ليس المؤثّر في تحقّق الإحراق هي طبيعـة النار ونوعها ، بل المؤثّر حصّـة خاصّـة من طبيعتها ، وهي النار التي تماسّ الجسم المستعدّ با ليبوسـة لقبول الاحتراق ، وأمّا الحصّـة التي لاتتحصّص بخصوصيـة المماسّـة والقرب من الجسم المستعدّ للاحتراق ، فهي لاتعقل أن تؤثّر الأثر المترتّب على الحصّـة الاُولى ، وتلك الخصوصيـة التي بها تحصّصت الحصّـة المقتضيـة للمعلول لابدّ لها من محصّل في الخارج ، وما بـه تحصل تلك الخصوصيـة يسمّى شرطاً ، وهذه الخصوصيـة عبارة عن إضافـة قائمـة بتلك الحصّـة المقتضيـة حاصلـة من إضافـة الحصّـة المزبورة إلى شيء مّا ، وذلك الشيء المضاف إليـه هو الشرط ، فا لمؤثّر في المعلول إنّما هو نفس تلك الحصّـة ، والشرط محصّل لخصوصيتها ، وهو طرف الإضافـة المزبورة ، وما يكون
(الصفحة 29)
شأنـه كذلك جاز أن يتقدّم على ما يضاف إليـه أو يقترن بـه أو يتأخّر عنـه(1) . انتهى خلاصـة كلامـه .
ولايخفى أ نّـه ـ بعد تسليم جميع ما ذكره من أنّ المؤثّر هي الحصّـة من معنى أو الشرط ـ يرد عليـه : أنّ الإضافـة من الاُمور القائمـة با لطرفين : المضاف والمضاف إليـه ، فا لمضاف فيما نحن فيـه وصف للحصّـة المؤثّرة في المعلول ، والمضاف إليـه وصف لما عبّر عنـه با لشرط ، وحينئذ فنقول : لا إشكال في أنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت لـه في ظرف الاتّصاف ، ولهذه القاعدة الفرعيـة قد ثبت أنّ القضايا يتوقّف صدقها ومطابقتها مع الواقع على ثبوت موضوعاتها ما عدا القضيّـة السا لبـة المحصّلـة ; فإنّـه لايشترط في صدقها وجود الموضوع ، وأمّا غيرها من القضايا سواء كانت سا لبةً معدولة أو موجبةً محصّلة أو سا لبة المحمول فهي مشروطـة بوجود الموضوع ضرورة ، وحينئذ فالإضافـة إلى الشرط إن كانت محقّقةً با لفعل ، فلازمـه اتّصاف أحد الطرفين بأ نّـه مضاف والآخر بأ نّـه مضاف إليـه ، ولايعقل أن يصير المعدوم متّصفاً بأ نّـه مضاف إليـه ; لما عرفت من القاعدة الفرعيـة ، وإن لم تكن الإضافـة ثابتةً فعلاً ، فتأثير الحصّة في المعلول غير معقول ، كما اعترف بـه(قدس سره) .
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عمّا ربّما يقال:
من أنّ الشرط هو التقدّم أو التأخّر أو التعقّب ونظائرها ، وذلك لأنّ صدق عنوان التقدّم لايعقل إلاّ مع صدق عنوان التأخّر للمتأخّر ، ومع كونـه معدوماً فعلاً يستحيل اتّصافـه بعنوان التأخّر ، كما هو واضح .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ التوجيـه بما ذكر ليس إلاّ كرّاً على ما فرّ منـه
- 1 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 320.
(الصفحة 30)
من مخا لفـة القاعدة العقليـة ، كما عرفت .
والتحقيق أن يقال:
أمّا شرائط التكليف : فلايخفى أنّ الشرط فيـه مقارن للتكليف ; لأنّ شرطـه ليس هي القدرة الواقعيـة في زمان الامتثال حتى يقال بأ نّـه كيف يمكن أن يؤثّر الأمر المتأخّر المعدوم فعلاً في الأمر الموجود كذلك ، بل الشرط هو تشخيص كون المكلّف قادراً في ظرف الامتثال والتشخيص مقارن لصدور التكليف كما هو واضح .
وأمّا شرائط الوضع والمكلّف بـه : فا لمؤثّر ليس هو الأمر المتأخّر في الوجود الخارجي حتّى يلزم تأثير المعدوم في الموجود الممتنع با لبديهـة ، بل المؤثّر هو الأمر المتقدّم لابوصف التقدّم بل بنفسـه المتقدّم با لذات .
توضيح ذلك:
أنّ من الواضح تقدّم أجزاء الزمان بعضها على بعض با لذات بمعنى أنّ الزمان الماضي مثلاً متقدّم با لطبع على الزمان المستقبل ولو لم يكن عنوان التقدّم والتأخّر موجوداً في البين أصلاً ، نعم اتّصاف الزمان الماضي بوصف التقدّم في مرتبـة اتّصاف الزمان المستقبل بعنوان التأخّر المستلزم لوجوده ; للقاعدة الفرعيـة المسلّمـة عند العقول بلا تقدّم وتأخّر بين الاتّصافين أصلاً ; لأنّ المفروض كونهما متضايفين ، ومن شأنهما تحقّق الطرفين معاً من دون ترتّب بينهما .
ونظير الزمان الزمانيات الواقعـة في أجزاء الزمان ; فإنّ قيام زيد المتحقّق في الأمس متقدّم ذاتاً لكن بعرض وتبع الزمان على مجيء عمرو الذي سيوجد غداً وإن كان اتّصافـه بعنوان المتقدّم لايصحّ إلاّ مقارناً لاتّصاف مجيء عمرو بعنوان المتأخّر ، ومن المعلوم توقّفـه على تحقّقـه ; لتلك القاعدة .
وبالجملـة:
فلا منافاة بين كون شيء متقدّماً على شيء آخر با لذات ومع ذلك فلايصدق عليـه عنوان المتقدّم ; لكونـه من الاُمور الإضافيـة المتوقّفـة على تحقّق الطرفين ، وهذا كا لعلّـة والمعلول ، فإنّـه لا إشكال في تقدّمها عليـه ; لكونـه