(الصفحة 94)
حرمـة الفعل بناء على أن يكون الواجب هو الترك المطلق ; لأنّ الفعل حينئذ يكون نقيضاً لـه ، لا أن يكون ملازماً لما هو النقيض لارتفاع الترك بمجرّد الفعل ، وأمّا بناء على القول با لمقدّمـة الموصلـة وأنّ الواجب هو الترك الموصل ، فلايكون الفعل بنفسـه نقيضاً للترك الخاصّ ، فلايتّصف با لحرمـة ، لا لأنّ الفعل لايكون إلاّ مقارناً لما هو النقيض من رفع الترك الخاصّ المجامع معـه تارة ومع الترك المجرّد اُخرى ، كما يظهر من الكفايـة في العبارة المتقدّمـة ، وذلك لأنّ المقارنـة ممنوعـة ، فإنّ معناها كما في سائر الموارد يرجع إلى إمكان الانفكاك ، ومن المعلوم استحا لتـه في المقام ، فإنّـه مع وجود الفعل لايمكن أن لايكون معـه رفع الترك الخاصّ ، ومع عدمـه لايكون هنا شيء حتّى يقال بانفكاك النقيض عنـه ، كما أنّ انطباق الإنسان على زيد وصدقـه عليـه يتوقّف على وجوده ، وإلاّ فمع عدمـه لايصدق عليـه أصلاً ، فمجرّد ذلك لايوجب أن يقال بأنّ الإنسان مقارن لزيد ، كما هو واضح ، بل لأجل أنّ المفروض عدم سرايـة الحكم من النقيض إلى شيء آخر .
ولو قلنا بأنّ مجرّد المعاندة والمنافرة يكفي في حرمـة الشيء لأنّ النقيض عبارة عمّا يعاند الشيء بحيث لايمكن اجتماعهما ولا ارتفاعهما ، أو قلنا بأنّ مجرّد انطباق النقيض على شيء يكفي في اتصافـه با لحرمـة وإن لم يتّحد معـه ، فلا إشكال في حرمـة الفعل على القولين ، كما هو واضح لايخفى .
مناقشـة العلمين: الأصفهاني والعراقي
ثمّ إنّـه اعترض بعض المحقّقين في شرحـه على الكفايـة على تفريع الثمرة بما حاصلـه : أنّ المراد با لمقدّمـة الموصلـة إمّا العلّـة التامّـة أو المقدّمـة التي لا تنفكّ عن ذيها .
(الصفحة 95)
فالمقدّمـة الموصلـة على الأوّل:
ترك الصلاة ووجود الإرادة ، ومن الواضح أنّ نقيض المجموع من الأمرين مجموع النقيضين ، وإلاّ فليس لهما بهذا الاعتبار نقيض ، فنقيض الترك هو الفعل ، ونقيض الإرادة عدمها ، فإذا وجب مجموع الترك والإرادة بوجوب واحد ، حرم مجموع الفعل وعدم الإرادة بحرمـة واحدة ، ومن الواضح تحقّقهما عند إيجاد الصلاة ، بداهـة عدم إمكان إرادة الإزا لـة مع فعل الصلاة .
وأمّا على الثاني:
فا لمقدّمـة هو الترك الخاصّ ، وحيث إنّ الخصوصيـة ثبوتيـة ، فا لترك الخاصّ لا رفع لشيء ولا مرفوع بشيء ، فلا نقيض لـه بما هو ، بل نقيض الترك المرفوع بـه هو الفعل ، ونقيض الخصوصيـة عدمها الرافع لها ، فيكون الفعل محرّماً لوجوب نقيضـه ، ومن الواضح اقتران الفعل بنقيض تلك الخصوصيـة المأخوذة في ظرف الترك ، كما هو واضح ، فافهم واغتنم(1) . انتهى .
ونظير هذا يظهر من تقريرات بعض الأعاظم حيث قال ما ملخّصـه:
الحقّ اندفاع ما اُورد على الشيخ(قدس سره) في المقام ; لأنّ المقدّمـة المتقيّدة بالإيصال تنحلّ إلى ذات وخصوصيـة ، ووحدتها في عا لم الموضوعيـة ليست إلاّ أمراً اعتبارياً ناشئاً من وحدة الحكم ; لامتناع أن يكون مورد الحكم في مثل المقام واحداً حقيقيّاً مع اختلاف الذات والتقيّد في المقولـة ، ونتيجـة الانحلال هو عروض الحكم على الاُمور المتكثّرة ، ومن شأنها تكثّر نقيضها بلا حاجـة إلى تصـوّر جامع بينها كي يستشكل في المقام بعدم معقوليـة كون العدم جامعاً بين الوجود والعدم المحض ، إلاّ أنّ لازم تعدّد نقيض الواجب هو مبغوضيـة أوّل نقيض يتحقّق في الخارج ; لأنّـه بوجوده يتحقّق عصيان الأمر ، فيسقط ، فلايبقى موضوع
- 1 ـ نهايـة الدرايـة 2: 150 ـ 151.
(الصفحة 96)
لمبغوضيـة غيره .
ففي المثال المعروف إذا كان الشخص الآتي با لصلاة مريداً للإزا لـة في فرض عدم إتيانـه با لصلاة ، فأوّل نقيض لمتعلّق الوجوب الغيري هو فعل الصلاة ، فتصير مبغوضةً ، فتبطل .
وأمّا إذا كان الشخص الآتي با لصلاة غير مريد للإزا لـة على تقدير عدم الإتيان با لصلاة ، فأوّل نقيض للواجب هو عدم إرادة الإزا لـة ، فيكون هو المبغوض ، ولا تصل النوبـة إلى مبغوضيـة الصلاة ; لسقوط الأمر الغيري بعصيانـه بترك إرادة الإزا لـة ، فتبقى الصلاة مع محبوبيّتها ، فلا وجـه لبطلانها(1) . انتهى ملخّص ما في التقريرات .
هذا ، ولكن لايخفى أنّ الانحلال والتعدّد إنّما هو في الواقع ومع قطع النظر عن كونهما موضوعاً لحكم واحد وإرادة واحدة ، فإنّـه يصحّ أن يقال بأنّ نقيضهما مجموع النقيضين ، بمعنى أ نّـه لايكون للمجموع نقيض واحد ; لأنّـه ليس إلاّ أمراً اعتبارياً ، بل هما شيئان ، ولهما نقيضان . وأمّا مع ملاحظـة تعلّق حكم واحد بهما ـ كما هو المفروض في المقام ـ فمن الواضح كونهما شيئاً واحداً بهذا الاعتبار ; إذ لايعقل أن يتعلّق الحكم الواحد والإرادة الواحدة با لشيئين بوصف كونهما كذلك من دون اعتبار الوحدة بينهما .
وما ذكره في التقريرات:
من أن الوحدة ناشئـة عن وحدة الحكم .
ففيـه:
أنّ الأمر با لعكس ; إذا الوحدة إنّما هو قبل تعلّق الحكم وبلحاظـه ; لما عرفت من أنّ تشخّص الإرادة با لمراد ، ومع تعدّده لايعقل وحدتها ، فا لحقّ في المقام ما ذكرنا من دوران الأمر مدار مفهوم النقيض ومعناه ، أنّ نقيض الحكم هل
- 1 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 395 ـ 396.
(الصفحة 97)
يتعلّق با لنقيض أو بالأعم ممّا ينطبق عليـه ؟ كما حقّقناه ، فراجع .
الأمر الثامن
في الواجب الأصلي والتبعي
قال في الفصول:
الأصلي ما فُهم وجوبـه بخطاب مستقلّ ، أي غير لازم لخطاب آخر وإن كان وجوبـه تابعاً لوجوب غيره ، والتبعي بخلافـه ، وهو ما فُهم وجوبـه تبعاً لخطاب آخر وإن كان وجوبـه مستقلاّ ، كما في المفاهيم ، والمراد با لخطاب هنا ما دلّ على الحكم الشرعي فيعمّ اللفظي وغيره(1) . انتهى .
وظاهره كما ترى أنّ هذا التقسيم إنّما هو بحسب مقام الدلالـة والإثبات ، لابحسب مقام الثبوت ، ولكن استظهر المحقّق الخراساني(قدس سره) في الكفايـة كون التقسيم بلحاظ الأصا لـة والتبعيّـة في الواقع ومقام الثبوت .
قال : حيث إنّـه يكون الشيء تارة متعلّقاً للإرادة والطلب مستقلاّ للالتفات إليـه بما هو عليـه ممّا يوجب طلبـه فيطلبـه ، كان طلبـه نفسيّاً أو غيريّاً ، واُخرى متعلّقاً للإرادة تبعاً لإرادة غيره لأجل كون إرادتـه لازمةً لإرادتـه من دون التفات إليـه بما يوجب إرادتـه(2) .
هذا ، ولكن يرد عليـه أنّ مقتضى التقسيم وجعل الأصلي با لمعنى المذكور أن يكون التبعي عبارةً عمّا لم تتعلّق بـه إرادة مستقلّـة لأجل عدم الالتفات إليـه تفصيلاً ، سواء كانت إرادتـه تبعاً لإرادة غيره المراد نفساً والمطلوب كذلك أم لم يكن كذلك ، فا لتخصيص بالاُولى يوجب خروج الثاني عن التقسيم ، وعدم دخولـه
- 1 ـ الفصول الغرويّـة: 82 / السطر 7.
- 2 ـ كفايـة الاُصول: 152.
(الصفحة 98)
لا في الأصلي ولا في التبعي ، كما لايخفى .
ويظهر من بعض المحقّقين في حاشيتـه على الكفايـة معنى آخر ، وهو : أنّ للواجب وجوداً ووجوباً با لنسبـة إلى مقدّمتـه جهتان من العلّيـة إحداهما العلّيـة الغائيـة حيث إنّ المقدّمـة إنّما تراد لمراد آخر لا لنفسها ، بخلاف ذيها ، فإنّـه مراد لا لمراد آخر ، والثانيـة العلّيـة الفاعليـة ، وهي أنّ إرادة ذي المقدّمـة علّـة لإرادة مقدّمتـه ، ومنها تنشأ وتترشّح عليها الإرادة .
وا لجهـة الاُولى مناط الغيريـة ، والجهـة الثانيـة مناط التبعيّـة ، ووجـه الانفكاك بين الجهتين أنّ ذات الواجب النفسي حيث إنّـه مترتّب على الواجب الغيري ، فهي الغايـة الحقيقيّـة ، لكنّـه ما لم يجب لا تجب المقدّمـة ، فوجوب المقدّمـة معلول خارجاً ، لوجوب ذيها ، ومتأخّر عنـه رتبةً ، إلاّ أنّ الغرض منـه ترتّب ذيها عليها(1) . انتهى موضع الحاجـة .
ولكن لايخفى أنّ إرادة المقدّمـة لايعقل أن تكون معلولةً لإرادة ذيها ، بمعنى صدورها عنها وترشّحها عنها كترشّح المعلول من العلّـة ; لأنّ الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة قد توجد مع عدم تعلّقها با لمقدّمـة لأجل عدم التوجّـه إلى المقدّمـة أو إلى مقدّميتها ، ومن المعلوم أنّ الإرادة إنّما هو بعد التوجّـه ; لما حقّق في محلّـه من أنّ تصوّر المراد والتوجّـه إليـه من مبادئ الإرادة(2) ، بل مقدّم على جميعها ، فكيف يمكن أن تتعلّق بما لايكون متوجّهاً إليـه ، وتعلّق الإرادة على فرض التوجّـه لا محا لـة لايفيد في تصحيح المعلوليـة مطلقاً .
وا لحقّ كما عرفت مراراً أنّ إرادة المقدّمـة كإرادة ذيها تحصل بفعّا ليـة
- 1 ـ نهايـة الدرايـة 2: 157 ـ 158.
- 2 ـ الحكمـة المتعاليـة 4: 114، و 6: 342.