(الصفحة 200)
فعدم ثبوت التضادّ بينها أظهر من أن يخفى .
ومن جميع ما ذكرنا ظهر بطلان المقدّمـة الاُولى التي مهّدها في الكفايـة(1)لإثبات التضادّ بين الأحكام الخمسـة بأسرها ، وظهر أيضاً أنّ إثبات القول الامتناع من طريق التضادّ بين الأحكام لايتمّ أصلاً ، مضافاً إلى ما عرفت من أ نّـه لو سلّم التضادّ بين الأحكام ، فاختلاف المتعلّقين وتعدّدهما يخرج المقام عن مسأ لـة التضادّ فتأمّل جيّداً .
تنبيهات
التنبيـه الأوّل: بعض أدلّـة المجوّزين
قد استدلّ المجوّزون بأ نّـه لو لم يجز ، لما وقع نظيره ، وقد وقع ، كما في الصلاة في الحمّام ، التي اجتمع فيها الوجوب والكراهـة ، وصوم يوم عاشوراء الذي اجتمع فيـه الاستحباب والكراهـة ، والصلاة في المسجد ، التي اجتمع فيها الوجوب والاستحباب ، ونظائرها ممّا لايحصى .
بيان الملازمـة:
أنّ المانع ليس إلاّ التضادّ بين الوجوب والحرمـة ، وعدم كفايـة تعدّد الجهـة في رفع غائلتـه ، ومن المعلوم أنّ هذا المانع موجود في اجتماع الوجوب مع الكراهـة أو الاستحباب ، واجتماع الاستحباب مع الكراهـة أو الاستحباب ; لأنّ الأحكام الخمسـة متضادّة بأجمعها ، ومن الواضح بطلان التا لي ; للوقوع في تلك الموارد وأشباهها ، فيكشف عن بطلان المقدّم ، وهو امتناع اجتماع الوجوب والحرمـة .
- 1 ـ كفاية الاُصول : 193 .
(الصفحة 201)
وا لتحقيق في ا لجواب أن يقال : إنّ ا لعبادات ا لمكروهـة على ثلاثـة أقسام :
أحدهما:
ما تعلّق ا لنهي بعنوان ا لعبادة ، ولايكون لها بدل ، كصوم يوم ا لعاشور ، وا لنوافل ا لمبتدأة في بعض ا لأوقات .
ثانيها:
ما تعلّق ا لنهي بعنوانها أيضاً ، ولكن يكون لها بدل ، كا لصلاة في ا لحمّام .
ثالثها:
ما تعلّق ا لنهي بعنوان آخر يكون بينـه وبينها نسبـة ا لعموم من وجـه ، كا لصلاة في مواضع ا لتهمـة ، بناء على أن تكون كراهتها من جهـة كراهـة ا لكون فيها ا لمتّحد مع ا لصلاة .
إذا عرفت هذا ، فنقول :
أمّا القسم الثالث:
فلا إشكال فيـه بناءً على ا لقول با لجواز ، كما عرفت أ نّـه مقتضى ا لتحقيق .
وأمّا القسم الثاني:
فكذلك أيضاً لو قلنا بدخول ا لعامّين مطلقاً في محل ا لنزاع أيضاً ، كما نفينا ا لبُعْد عنـه سابقاً في مقدّمات ا لمبحث ، وأمّا لو قلنا بخروجـه عنـه ، فسيأتي ا لجواب عنـه .
إنّما المهم هو القسم الأوّل:
ا لذي لابدّ أن يجيب عنـه كلٌّ من ا لمجوّز وا لممتنع ; لعدم تعدّد ا لجهـة ا لمجدي بناءً على ا لقول با لجواز ; لأنّ ا لنهي إنّما تعلّق بعنوان ا لعبادة ا لتي تكون متعلّقةً للأمر ا لاستحبابي .
وقد أجاب عنـه في ا لكفايـة بما حاصلـه : أنّ ا لكراهـة إنّما هو لانطباق عنوان راجح على ا لترك ا لذي يكون أرجح من ا لفعل ، فيكون ا لفعل وا لترك من قبيل ا لمستحبّين ا لمتزاحمين ، أو لملازمـة ا لترك على عنوان كذلك(1) ، ولكن
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 198 ـ 199.
(الصفحة 202)
لايخفى أنّ هذا ا لمعنى ممّا لايمكن ا لالتزام بـه ; لأنّ ا لترك أمر عدمي ، وا لعدم ليس بشيء حتّى ينطبق عليـه عنوان ويتّحد معـه أو يلازمـه شيء ، فإنّ ذلك من ا لاُمور ا لمعروضـة للموجودات ، وا لعدم ليس منها .
والذي يمكن أن يقال في حلّ الإشكال:
إنّ ا لمستفاد من ا لأخبار أنّ كراهـة صوم يوم ا لعاشور إنّما هي لكونـه تشبّهاً ببني اُميّـة وبني مروان لعنهم ا للّـه جميعاً ، حيث إنّهم يتبرّكون بهذا ا ليوم ويعاملون معـه معاملـة ا لأعياد ويصومون فيـه تبرّكاً بـه ، بل لعلّـه كان من أعظم ا لأعياد ، كما يشعر بذلك بعض ا لأخبار ، فا لنهي إنّما يكون متعلّقاً با لتشبّـه بهم في ا لأعمال ا لتي كانوا يعملونها في ذلك ا ليوم لأجل ا لتبرّك بـه ومنها : ا لصوم ، فتعلّق ا لنهي ا لتنزيهي بـه إنّما هو لكونـه مصداقاً للتشبّـه بهم ، ومن ا لمعلوم أنّ نسبـة عنوان ا لتشبّـه إ لى طبيعـة ا لصوم ـ ا لتي تكون مطلوبةً في كلّ زمان ومتعلّقةً للأمر ا لوجوبي أو ا لاستحبابي في جميع ا لأيام عدا ا لعيدين ـ نسبة ا لعموم وا لخصوص من وجـه ، وقد عرفت أنّ مقتضى ا لتحقيق جواز ا لاجتماع فيـه ، فكون طبيعـة ا لصوم مأموراً بها لاينافي تعلّق ا لنهي بعنوان ا لتشبّـه بهم ، ا لذي ربّما يجتمع معها في ا لوجود ا لخارجي ، ونظير هذا ا لمعنى يمكن أن يقال في ا لنوافل ا لمبتدأة في بعض ا لأوقات ، فتدبّر .
وأمّا ا لقسم ا لثاني فجوابـه ما أفاد في ا لكفايـة ممّا ملخّصـه : كون ا لنهي إرشاداً إ لى ترك إيجاد ا لصلاة مع خصوصيّـة كونها في ا لحمّام لحصول منقصـة فيها معها ، كما أنّ ا لأمر با لصلاة في ا لمسجد إرشاد إ لى إيجادها فيـه ; لحصول مزيّـة فيها معـه ، ومَنْ أراد ا لتفصيل فليرجع إ لى ا لكفايـة(1) .
- 1 ـ نفس المصدر: 199 ـ 200.
(الصفحة 203)التنبيـه الثاني: حكم توسّط الأرض المغصوبـة
لو توسّط في أرض ا لغير ا لتي يحرم ا لتصرّف فيها لكونـه تصرّفاً في مال ا لغير بغير إذنـه بالاختيار ، فهل ا لخروج عنها ا لذي ينحصر بـه ا لتخلّص عن محذور ا لحرام يكون مأموراً بـه مع جريان حكم ا لمعصيـة عليـه أو بدونـه أو منهيّاً عنـه أو مأموراً بـه ومنهيّاً عنـه معاً أو منهيّاً عنـه با لنهي ا لسابق ا لساقط بحدوث ا لاضطرار ؟ وجوه وأقوال .
وا لحقّ أ نّـه يكون منهيّاً عنـه فعلاً ومتوجّهاً إ ليـه خطاب ا لنهي ، ولايكون مأموراً بـه فها هنا دعويان :
الاُولى:
أ نّـه لايكون مأموراً بـه ; لأنّ ا لأمر ا لذي يتوهّم تعلّقـه بـه إمّا أن يكون ا لمراد بـه ا لأمر ا لنفسي ا لاستقلالي ، وإمّا أن يكون ا لمراد بـه ا لأمر ا لغيري ا لتبعي .
أمّا الأوّل:
فيدفعـه وضوح أ نّـه ليس في ا لبين إلاّ مجرّد حرمـة ا لتصرّف في مال ا لغير ; إذ لم يكن هنا دليل يستفاد منـه حكم وجوبي متعلّق با لخروج أو با لتخلّص أو بأشباههما من ا لعناوين ، كما لايخفى .
وأمّا الثاني:
فيبتني على ا لقول باقتضاء ا لنهي عن ا لشيء ا لأمر بضدّه ا لعامّ حتّى يثبت بذلك وجوب ترك ا لتصرّف ، وعلى ا لقول با لملازمـة بين وجوب ا لمقدّمـة ووجوب ذيها حتّى يثبت بذلك وجوب ا لخروج لكونـه مقدّمةً لترك ا لتصرّف ، وقد عرفت سابقاً منع ا لاقتضاء ، وعدم ثبوت ا لملازمـة ، بل استحا لـة كلّ منهما ، فراجع ، فلايكون ا لخروج متعلّقاً للأمر ا لمقدّمي أيضاً .
الثانيـة:
كونـه منهيّاً عنـه با لخطاب ا لفعلي ، وسنده يظهر ممّا عرفت منّا مراراً من أنّ ما اشتهر بينهم من انحلال ا لخطابات ا لواردة في ا لشريعـة وتكثّرها
(الصفحة 204)
حسب تكثّر ا لمخاطبين بمعنى أنّ لكلّ مكلّف خطاباً يخصّـه وحكماً مستقلاّ ، ممّا لا دليل عليـه لو لم نقل بثبوت ا لدليل على خلافـه ، كما مرّ ، بل ا لتحقيق أنّ ا لخطابات ا لشرعيـة إنّما هي خطابات عامّـة بمعنى أنّ ا لخطاب في كلّ واحد منها واحد ، وا لمخاطب متعدّد ، ولايلحظ في هذا ا لنحو من ا لخطاب إلاّ حال ا لنوع من حيث ا لقدرة وا لعجز وا لعلم وا لجهل ، كما هو واضح .
عدم انحلال الخطابات الشرعيّـة
وا لدليل على عدم انحلال ا لخطابات ا لشرعيـة إ لى ا لخطابات ا لمتعدّدة حسب تعدّد ا لمكلّفين اُمور كثيرة :
منها:
أنّ لازمـه عدم كون ا لعصاة مكلّفاً ومخاطباً أصلاً ، ضرورة أنّ ا لبعث وا لزجر إنّما هو لغرض انبعاث ا لمكلّف وانزجاره ، وحينئذ فمع ا لعلم بعدم تحقّق ا لانبعاث وا لانزجار من ا لمكلّف أصلاً كيف يجوز أن يبعثـه ا لمولى ويزجره ؟ ! وليس مجرّد إمكان تحقّق ا لانبعاث وا لانزجار شرطاً لصحّـة ا لبعث ، بل ا لشرط إنّما هو احتما لهما ، ومن ا لمعلوم انتفاؤه با لنسبـة إ لى ا لعصاة في ا لتكا ليف ا لشرعيـة ، لكونـه تعا لى عا لماً بعدم تحقّق ا لانبعاث وا لانزجار من ا لعصاة أصلاً ، فلايجوز حينئذ تكليفهم ، وضرورة ا لشرع على خلافـه ، فا لواجب ا لقول بعدم كونهم مكلّفين بخصوصهم ، بل يشملهم ا لخطاب ا لعامّ ا لواحد ا لمتوجّـه إ لى جميع ا لناس .
ومنها:
أنّ لازمـه عدم وجوب ا لقضاء على ا لنائم في جميع ا لوقت ; لاستحا لـة بعثـه لغرض ا لانبعاث ، فلايكون مكلّفاً بالأداء حتّى يجب عليـه ا لقضاء مع أنّ ضرورة ا لشرع أيضاً تقضي بخلافـه .
ومنها:
أنّ لازمـه اختلاف ا لنجاسـة وا لطهارة با لنسبـة إ لى ا لمكلّفين ; لأنّـه