(الصفحة 295)
الموضوع ; فإنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت لـه ، بخلاف القضايا السا لبـة ; فإنّها تصدق مع عدم الموضوع أيضاً ، كما هو واضح .
الرابعـة : اعتبارات موضوع العامّ المخصّص
إذا عرفت ذلك كلّـه ، فاعلم أنّ التخصيص وإن لم يوجب تقييد حكم العامّ بحيث يوجب أن يكون الحكم المنشأ متعلّقاً بغير مورد الخاصّ ، إلاّ أ نّـه يوجب تضييق الموضوع في الإرادة الجدّيـة ، وتخصيصـه بغير مورده ، فقولـه : أكرم العلماء ، بعد تخصيصـه بلا تكرم الفسّاق منهم ، يكون المراد بـه هو إكرام العلماء الغير الفسّاق ، وحينئذ نقول : إنّ أخذ هذا الأمر العدمي في الموضوع يمكن أن يكون نظير القضيـة الموجبـة المعدولـة المحمول بحيث يكون الأمر السلبي محمولاً عليـه ووصفاً لـه ، فيصير الموضوع حينئذ هو إكرام العلماء الموصوفين بغير الفسق ، ويمكن أن يكون نظير القضيّـة الموجبـة السا لبـة المحمول ، فيكون القيد كا لمحمول فيها قضيّـة سا لبـة ، فيصير الموضوع حينئذ هو إكرام العلماء الذين لايكونون فاسقين .
وأمّا احتمال أن يكون أخذ القيد العدمي في المقام نظير القضيّـة السا لبـة المحصّلـة الصادقـة مع عدم الموضوع بحيث يكون الموضوع في المقام هو : العا لم ليس بفاسق ، بحيث لاينافي عدم الموضوع ، فمندفع بأنّ هذا النحو من الموضوع لايعقل أن يكون موضوعاً للأحكام الشرعيـة ، فإنّـه لايعقل إيجاب إكرام العا لم ليس بفاسق الصادق مع عدم العلم أيضاً كما هو واضح .
نعم يمكن أن يؤخذ موضوعـه مفروض الوجود بأن يقال : العا لم الموجود ليس بفاسق ، مثل أن يقال : زيد الموجود ليس بقائم ، فإنّ مع فرض وجود الموضوع ينحصر فرض صدق القضيـة في عدم ثبوت المحمول لـه في الواقع ،
(الصفحة 296)
وحينئذ نقول : لامجال لجريان الاستصحاب في المرأة التي شكّ في كونها قرشيـة لإثبات عدم كونها كذلك ، فيترتّب عليها حكم المرأة الغير القرشيـة ، وهو رؤيتها الدم إلى خمسين .
أمّا على الاحتمال الأوّل
ـ الذي يكون مرجعـه إلى أنّ الموضوع هي المرأة المتّصفـة بوصف الغير القرشيـة ـ فواضح ; لأنّ ثبوت الوصف إنّما يتوقّف على تحقّق الموصوف وثبوتـه ، وهذه المرأة المتولّدة في الحال لم تكن متحقّقةً في الأزل فضلاً عن أن تكون متّصفةً بوصف ، فليس للاستصحاب حا لة سابقة أصلاً .
وكذا على الاحتمال الثاني
الذي مرجعـه إلى جعل نظير القضيّـة السا لبـة وصفاً للموضوع ، فإنّ اتّصافـه بـه مشروط بوجوده ، والمعلوم خلافـه في الأزل ، فضلاً عن اتّصافـه بـه ، فلا مجال للاستصحاب أصلاً .
وأمّا على الاحتمال الأخير
الذي كان مرجعـه إلى أنّ أخذ القيد العدمي لا على سبيل الوصف ، ولكن كان موضوعـه مفروض الوجود ، فا لظاهر أيضاً عدم جريان الاستصحاب ; لأنّ المفيد في المسأ لـة إنّما هو استصحاب عدم قرشيـة مرأة خاصـة ، والمعلوم أنّ الموضوع كان منتفياً في الأزل ; لأنّ المصحّح للإشارة إليها بأنّ هذه المرأة لم تكن قرشيّةً إنّما هو الوجود ; إذ لايعقل الإشارة إلى الأعدام حسّيةً كانت أو عقليّةً .
وما تقدّم في تقريب القول با لجريان من إمكان أن يقال : هذه المرأة ، مشيراً إلى ماهيتها ، إلى آخره ، فهو غير صحيح ; لأنّ الماهيّـة قبل وجودها لا تكون شيئاً حتّى يمكن أن تقع مشاراً إليها .
إن قلت:
نجعل الحا لـة السابقـة : المرأة الغير القرشيـة على نحو القضايا السا لبـة التي تكون أعمّ من وجود الموضوع [و] نستصحبها إلى زمان وجودها ، فيصير الموضوع موجوداً ، فيترتّب عليـه الحكم .
(الصفحة 297)
قلت:
استصحاب تلك الحا لـة وجرّها إلى زمان وجود المرأة وإن كان صحيحاً من حيث وجود الحا لـة السابقـة إلاّ أنّ تطبيق تلك الحا لـة التي تكون أعمّ من وجود الموضوع على الحا لـة اللاّحقـة المشروطـة بوجود الموضوع يكون بحكم العقل ، فهو يكون حينئذ مثبتاً ; لأنّ الأثر الشرعي مترتّب على الخاصّ ، وإثباتـه إنّما هو بحكم العقل ، فا لحقّ عدم جريان هذا الاستصحاب ونظائره ، كاستصحاب عدم قابليّـة التذكيـة ، وأمّا استصحاب غير العدم الأزلي : فالأقوى جريانـه فيما إذا كانت لـه حا لـة سابقـة متيقّنـة في بعض الموارد لا مطلقاً .
وتفصيلـه:
أ نّـه لو قال : أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم ، أو كان المخصّص منفصلاً ، ثمّ شكّ في أنّ زيداً العا لم هل يكون فاسقاً أو لا ، فتارة يكون زيد في السابق عا لماً غير فاسق يقيناً ، فلاشبهـة في جريان الاستصحاب با لنسبـة إلى العا لم المقيّد بذلك القيد ، فيترتّب عليـه حكم العامّ لتنقيح موضوعـه بالاستصحاب ، فيدخل في الكبرى الكلّيـة ، واُخرى يكون في السابق غير فاسق يقيناً ولكن لم يكن عا لماً ، فالآن شكّ في بقاء عدا لتـه مع العلم باتّصافـه با لعا لميـة في الحال ، والظاهر عدم جريان الاستصحاب حينئذ ; لأنّ القاعدة الكلّيـة في صحّـة جريان الاستصحاب الموضوعي أن يكون المستصحب بنفسـه صغرىً لإحدى الكبريات الشرعيـة بلاواسطـة ، وفي المقام ليس كذلك ; لأنّ استصحاب كون زيد غير فاسق إنّما يجدي في إثبات كونـه غير فاسق ، ولكنّـه لايكون موضوعاً للحكم الشرعي ، ضرورة أ نّـه تعلّق با لعا لم الغير الفاسق ، وإثباتـه بضميمـة الوجدان ، ضرورة أنّ زيداً لو كان في الحا لـة اللاّحقـة غير فاسق يكون عا لماً غير فاسق إنّما هو بحكم العقل ، فيصير الأصل مثبتاً ، فلايجري ، كما أ نّـه لايجري فيما إذا كان عا لماً فاسقاً في الزمان السابق ثمّ صار عادلاً في اللاّحق
(الصفحة 298)
ولكن شكّ في بقاء علمـه ، فإنّ استصحاب علمـه لايجدي بعد كون الموضوع هو العا لم الغير الفاسق إلاّ على القول بالأصل المثبت .
ولكن لايخفى:
أنّ هذا الفرض خارج عن المقام ; لأنّ مفروضـه استصحاب عدم عنوان الخاصّ ومثلـه في الخروج عن مورد النزاع ما لو كان زيد عا لماً غير فاسق في السابق يقيناً ثمّ شكّ في بقاء علمـه مع العلم بعدا لتـه عكس الصورة الاُولى ، ولا إشكال أيضاً في جريان الاستصحاب فيها ; لأنّـه كان في السابق عا لماً غير فاسق ، فيستصحب هذا العنوان المقيّد ، ويجري عليـه حكم العامّ في الزمان اللاّحق ، كما هو واضح .
الأمر الرابع: التمسّك بالعامّ إذا شكّ في فرد من غير جهـة التخصيص
حكي عن بعض : التمسّك با لعامّ فيما إذا شكّ في فرد لا من جهـة التخصيص ، بل من جهـة اُخرى ، مثل : ما إذا شكّ في صحّـة الوضوء با لمائع المضاف ، فيتمسّك في صحّتـه بعموم قولـه : أوفوا با لنذور ، فيما إذا وقع متعلّقاً للنذر ، فيقال هذا الوضوء يجب الوفاء بـه للعموم ، وكلّ ما يجب الوفاء بـه فلا محا لـة يكون صحيحاً ; للقطع بعدم وجوب الوفاء با لفاسد(1) ، ويستنتج صحّـة ا لوضوء با لمضاف ولو لم يتعلّق بـه النذر ، وكذا القول في إطاعـة الوا لدين .
وربّما اُيّدَ ذلك بصحّـة الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات إذا تعلّق النذر بهما كذلك ، وبصحّـة النافلـة في وقت الفريضـة إذا صارت متعلّقةً للنذر .
هذا ، ولايخفى عدم تماميـة هذا الكلام ; فإنّ هنا دليلين أحدهما : وجوب الوفاء با لنذور مثلاً ، ثانيهما : عدم انعقاد النذر إلاّ في طاعـة اللّـه ، فمع الشكّ في
- 1 ـ اُنظر مطارح الأنظار: 195 / السطر 36.
(الصفحة 299)
صحّـة الوضوء با لمضاف لا مجال للتمسّك بعموم الدليل الأوّل ; لأنّ مرجع الشكّ فيها إلى الشكّ في كونـه طاعةً للّـه ، فيرجع إلى التمسّك با لعامّ في الشبهة المصداقية للمخصّص ، ولو فرض وجود دليل واحد نظراً إلى حكومـة الدليل الثاني على الأوّل لا مخصّصاً لـه ، فعدم الجواز مستند إلى أنّ إثبات حكم العامّ متوقّف على إحراز موضوعـه ; إذ لايمكن إثبات الصغرى بسبب الكبرى ، كما هو واضح .
ثمّ إنّ قضيّـة الأمثلـة المذكورة هو الاختصاص بصورة النذر ، فلا ترتبط با لمقام ، مضافاً إلى أ نّها ليست مورداً للشكّ ; للعلم با لحرمـة والبطلان قبل تعلّق النذر وبارتفاعها بعده ، وتوجيـه الأوّلين بأحد الوجوه المذكورة في الكفايـة(1) ، كما أنّ توجيـه الأخير المذكور في الدّرر(2) ، فراجع .
الأمر الخامس: التمسّك بالعامّ عند الشكّ بين التخصيص والتخصّص
إذا علم بحرمـة إكرام زيد مثلاً ولكن شكّ في أ نّـه عا لم ، فيكون الدليل الدالّ على حرمـة إكرامـه مخصّصاً لإكرام العلماء ، فيترتّب عليـه الأحكام المترتّبـة على العا لم ، أو جاهل فلم يرد تخصيص على العموم فيترتّب عليـه الأحكام المترتّبـة على الجاهل ، فهل يجوز التمسّك بأصا لـة العموم في إثبات أ نّـه غير عا لم أو لا ؟ ظاهر المحكيّ عن الأصحاب في موارد كثيرة هو الجواز حيث إنّهم ذكروا في مسأ لـة عدم نجاسـة الغسا لـة أنّ الدليل على ذلك أ نّها لاينجّس المحل ; إذ لو كانت نجسةً مع عدم تنجّس المحلّ بها ، يلزم التخصيص في عموم كلّ نجس
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 261 ـ 262.
- 2 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 220 ـ 221.