(الصفحة 103)
ا لملازمـة بين الفعلين . نعم لو كانت الدعوى هي الملازمـة المطلقـة حتّى في المرتبـة الفعليـة ، لما صحّ التمسّك بالأصل(1) .
أقول : لايخفى أ نّـه لو قلنـا با لثاني ـ كما هو ظاهر القائلين با لملازمـة ـ لصحّ التمسّك بالأصل أيضاً ، فإنّ جريان الأصل إنّما هو في مقام الشكّ في الملازمـة ، ومجرّد احتما لها لاينافي جريان الأصل ، بل المانع من جريانـه إحرازها ، كما هو واضح .
القول في أدلّـة القائلين بالملازمـة
ذكر في الكفايـة ـ بعد الاعتراض على الأفاضل المتصدّين لإقامـة البرهان على الملازمـة بأ نّـه ما أتى منهم بواحد خال عن الخلل ـ أنّ الأولى إحا لـة ذلك إلى الوجدان حيث إنّـه أقوى شاهد على أنّ الإنسان إذا أراد شيئاً لـه مقدّمات أراد تلك المقدّمات لو التفت إليها بحيث ربّما يجعلها في قا لب الطلب مثلـه ، ويقول مولويّاً : ادخل السوق واشتر اللحم ، مثلاً ، بداهـة أنّ الطلب المنشأ بخطاب «ادخل» مثل المنشأ بخطاب «اشتر» في كونـه بعثاً مولويّاً ، وأ نّـه حيث تعلّقت إرادتـه بإيجاد عبده الاشتراء ترشّحت منها إرادة اُخرى بدخول السوق بعد الالتفات إليـه ، وأ نّـه يكون مقدّمـة لـه ، كما لايخفى(2) . انتهى موضع الحاجـة .
واستدلّ في التقريرات على الملازمـة بأنّ الإرادة التشريعيـة تابعـة للإرادة التكوينيّـة إمكاناً وامتناعاً ووجوداً وعدماً ، فكلّ ما أمكن تعلّق الإرادة التكوينيـة
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 156.
- 2 ـ نفس المصدر: 156 ـ 157.
(الصفحة 104)
بـه أمكن تعلّق التشريعيـة بـه ، وكلّ ما استحال تعلّق الاُولى استحال أن يكون متعلّقاً للتشريعيـة ، وهكذا كلّ ما يكون مورداً للإرادة التكوينيـة عند تحقّقـه من نفس المريد يكون مورداً للتشريعيـة عند صدوره من غير المريد ، ومن الواضح أنّ المريد لفعل بإرادة تكوينيّـة تتعلّق إرادتـه أيضاً با لتبع بإيجاد مقدّماتـه وإن كان غافلاً عن مقدّميتها لذلك الفعل ، ولازم ذلك بمقتضى التبعيّـة المتقدّمـة أن يكون تعلّق الإرادة التشريعيـة من الآمر بفعل مستلزماً لتعلّق الإرادة التشريعيّـة التبعيّـة بمقدّمات ذلك الفعل(1) . انتهى موضع الحاجـة .
أقول:
لايخفى أنّ قياس الإرادة التشريعيـة بالإرادة التكوينيـة في غير محلّـه ، فإنّـه إذا أراد الشخص الإتيان بفعل بنفسـه ، فلا محا لـة تتعلّق إرادة اُخرى بإتيان المقدّمات ; لأنّ المفروض استحا لـة الإتيان بـه بدونها ، وهو إنّما يريد أن يأتي بـه بنفسـه ولا محا لـة يريد المقدّمات ، لا نقول بأنّ إرادتـه للمقدّمات معلولـة لإرادة ذلك الفعل مترشّحـة عنها صادرة عنها قهراً ، فإنّ ذلك باطل ، كما مرّ مراراً ، بل نقول : كما تتوقّف إرادة الفعل على مبادئها ، كذلك تتوقّف إرادة مقدّماتـه على سنخ مبادئ إرادة الفعل ، غايـة الأمر أنّ محبوبيّـة الفعل وتعلّق الاشتياق إليـه إنّما هو لنفسـه ، ومحبوبيّـة المقدّمات إنّما هو للوصول إليـه .
هذا في الإرادة التكوينيـة .
وأمّا الإرادة التشريعيـة:
فحيث إنّ المطلوب فيها صدور المراد من الغير ، فلا استحا لـة في عدم تعلّق الإرادة با لمقدّمات ، وامتناع تحقّقـه بدونها إنّما يوجب أن تتعلّق إرادة الأمر بها أيضاً ، فلايلزم بل لا وجـه لـه أصلاً ; لأنّك عرفت عدم الفرق بين إرادة الفعل وإرادة المقدّمات في توقّف كلٍّ منهما على مبادئها ، ومن
- 1 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 399 / السطر 13.
(الصفحة 105)
ا لمعلوم عدم تحقّق المبادئ با لنسبـة إلى المقدّمات في الإرادة التشريعيّـة ، فإنّ من جملتها التصديق بفائدتها ، والحال أ نّـه لا فائدة لها با لنسبـة إلى الأمر حتّى يريد صدورها من الغير ، فإنّ المأمور إذا أراد الامتثال فلا محا لـة يأتي با لمقدّمات وإن لم تكن مورداً لإرادة الآمر ، وإذا لم يكن قاصداً لامتثال الأمر با لفعل فتعلّق الإرادة با لمقدّمات لغو غير مؤثّر .
نعم لو قلنا بترشّح إرادتها من إرادتـه بحيث لا تتوقّف إرادة المقدّمات على مباد أصلاً ، لكان لما ذكر وجـه ; لأنّ العلّـة يترتّب عليها المعلول قهراً إلاّ أ نّك عرفت أنّ هذا الكلام بمكان من البطلان ، كما لايخفى .
ثمّ إنّـه استدلّ أبو الحسن البصري(1) لثبوت الملازمـة بما يرد عليـه ـ مضافاً إلى النقض با لمتلازمين في الوجود إذا وجب أحدهما دون الآخر ـ ما أورد عليـه في الكفايـة(2) ، فراجعها .
تذنيب: حول التفصيل بين السبب والشرط الشرعي وغيرهما
ثمّ إنّـه قد يفصّل بين السبب وغيره وتقدّم الكلام فيـه سابقاً ، فراجع .
كما أ نّـه قد يفصّل بين الشرط الشرعي وغيره ، ويقال با لوجوب في الأوّل دون غيره ; نظراً إلى أ نّـه لولا وجوبـه شرعاً لما كان شرطاً حيث إنّـه ليس ممّا لابدّ منـه عقلاً أو عادةً(3) .
- 1 ـ المعتمد: 95، راجع مناهج الوصول 1: 413، الهامش 4.
- 2 ـ كفايـة الاُصول: 157 ـ 158.
- 3 ـ بدائع الأفكار، المحقّق الرشتي: 355 / السطر 1، كفايـة الاُصول: 159، شرح العضدي على مختصر ابن الحاجب: 90 / السطر 21.
(الصفحة 106)
ومدّعاه في غير الشرط الشرعي حقّ ، وأمّا الشرط الشرعي فيرد على الاستدلال لوجوبـه بما ذكر : أ نّـه إن كان المراد توقّف الشرطيـة على تعلّق الوجوب ، ففيـه : أنّ من الواضح أنّ الوجوب لايتعلّق إلاّ بما هو شرط واقعاً ، فا لحكم متأخّر عن الواقع ، لا أنّ الواقع متوقّف عليـه .
وإن أراد أ نّـه بدون الوجوب لا نستكشف الشرطيـة ; لأنّ الشرط الشرعي ليس كا لشرائط العقليـة والعاديـة المعلومـة ، بل هو محتاج إلى دلالـة الدليل عليـه ، فا لوجوب كاشف عن شرطيتـه ، ففيـه : أنّ الوجوب الغيري لايمكن أن يكون كاشفاً ، فإنّ الملازمـة إن كانت بين إرادة الفعل وإرادة مقدّماتـه ، فالإرادة التبعيـة با لمقدّمات متوقّفـة على إحراز مقدّميتها حتّى يحكم العقل بتعلّق الإرادة بها تبعاً لإرادة ذيها ، وكذلك لو كانت الملازمـة العقليـة بين البعث المتعلّق با لفعل والبعث المتعلّق با لمقدّمات ، فإنّ حكم العقل بتعلّق البعث بها تبعاً لبعث ذيها متوقّف على إحراز مقدّميتها ، وبدونـه كيف يحكم بتعلّق البعث بها .
فظهر أنّ طريق إحراز الشرط منحصر بالأمر النفسي المتعلّق با لفعل المقيّد ببعض القيود كمثل قولـه : «صلِّ مع الطهارة» وأمّا الأمر الغيري الذي يكون الحاكم بـه العقل ، ومن المعلوم توقّف حكمـه على إحراز موضوعـه ، كما هو واضح ، فلايمكن أن يكون كاشفاً ، كما عرفت ، فتأمّل جيّداً .
تتميم: في مقدّمـة المستحب والمكروه والحرام
لايخفى أنّ جميع ما ذكر في مقدّمـة الواجب يجري في مقدّمـة المستحبّ طابق النعل با لنعل ، وحيث إنّك عرفت أنّ الأقوى في الاُولى عدم ثبوت الملازمـة كما حقّقناه ، فا لحكم في الثانيـة أيضاً كذلك بلا تفاوت ، كما هو واضح .
ثمّ إنّـه هل تكون مقدّمـة الحرام كمقدّمـة الواجب ، فتكون محرّمةً مطلقاً ،
(الصفحة 107)
أو لا تكون حراماً كذلك ، أو يفصّل بين المقدّمات التي تكون من قبيل الأسباب التوليديّـة فتحرم ، وبين غيره فلا تحرم ، أو بين المقدّمـة الموصلـة وغيرها ، أو بين ما قصد التوصّل بـه إلى الحرام وغيره ؟ وجوه يظهر ثا لثها من المحقّق الخراساني في الكفايـة .
وحاصل ما ذكر في وجهـه وجود الفرق بين مقدّمات الواجب وبين مقدّمات الحرام ، فإنّـه حيث يكون المطلوب في الأوّل وجود المراد ، وهو متوقّف عليها ، فلا محا لـة تتعلّق بها الإرادة ، وأمّا المطلوب في الثاني ترك الشيء ، وهو لايتوقّف على ترك جميع المقدّمات بحيث لو أتى بواحد منها لما كان متمكّناً من الترك ، فإنّـه يتمكّن منـه ولو أتى بجميع المقدّمات ، لتوسط الإرادة بينها وبينـه ، وهي لايمكن أن يتعلّق بها الطلب بعثاً أو زجراً ، لعدم كونها من الاُمور الاختياريـة .
نعم لو كان الفعل بحيث لم يتمكّن من تركـه بعد الإتيان ببعض المقدّمات ; لعدم توسط الإرادة بينها وبينـه ، تكون تلك المقدّمـة المترتّبـة عليها الفعل قهراً محرّمـة دون سائر المقدّمات(1) . انتهى ملخّص ما أفاده في الكفايـة .
ولكن لايخفى أنّ هذا الكلام إنّما يتمّ لو وجد في الأفعال الخارجيـة شيء منها تكون الإرادة متوسطـة بينها وبين المقدّمات بحيث يكون الموجد للفعل والمؤثّر فيـه نفس الإرادة من دون توقّف على حصول شيء آخر بعدها مع أ نّا لم نظفر بمثل هذا الفعل ، فإنّ جميع الأفعال الاختياريـة يكون الجزء الأخير لحصولها غير الإرادة بمعنى أ نّـه لايترتّب عليها الفعل بمجرّدها من دون توسيط بعض الأفعال الاُخر أيضاً ، فإن تحقّق الشرب في الخارج يتوقّف ـ بعد تعلّق الإرادة بـه ـ على مثل تحريك العضلات ، ونحو الإناء الموجود فيـه الماء مثلاً
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 159 ـ 160.