(الصفحة 67)
ا لخراساني اعتراضاً على الشيخ ، وقد عرفت أ نّـه(قدس سره) قد سلّم الاعتراض في أمثال المقام ممّا يكون الوجوب غيريّاً ، لا كالأجزاء ، فا لواجب في هذه الصورة ا لإتيان با لصلاة والوضوء معاً .
تنبيهات
التنبيـه الأوّل: في كيفيّـة الثواب والعقاب الاُخروي
بقي في المقام شيء ، وهو : أ نّـه هل يترتّب العقاب والثواب على فعل الواجب الغيري وتركـه بعد الفراغ عن استحقاق الثواب والعقاب على فعل الواجب النفسي وتركـه ؟ وإلاّ فالأمرفيـه أيضاً مورد إشكال ، وينبغي بيان ا لحال فيـه على نحوا لاختصار .
فنقول:
لو كان الثواب عبارةً عن الصور البهيّـة التي تتمثّل الأعمال الحسنـة بتلك الصور ، وتصير النفس بها مستعدّةً للكمالات ، والعقاب عبارة عن الصور الموحشـة التي تتمثّل الأعمال القبيحـة بتلك الصور الملازمـة للنفس المبتلى بها ويكون لها مدخليـة في انحطاط النفس ونقصانها ، كما يقول بـه الأعاظم من الفلاسفـة(1) ، فلا إشكال في أ نّهما من لوازم العمل بحيث يمتنع ا لانفكاك عنـه ; لأنّهما من الآثار الوضعيـة للأعمال الحسنـة والقبيحـة ، ولايعقل الانفكاك بينهما وبين تلك ا لصور ، وحينئذ فلايصحّ التعبير بالاستحقاق بعدما عرفت من استحا لـة الانفكاك ، كما لايخفى لو كان الثواب عبارة عمّا تدلّ عليـه ظواهر
- 1 ـ مجموعـة مصنّفات شيخ الإشراق 2: 229 ـ 235، الحكمـة المتعاليـة 9: 4 ـ 5
و293 ـ 296.
(الصفحة 68)
ا لآيات والأخبار ، ولكن قلنا بكونـه جعلياً بمعنى أ نّـه قد جعل للعمل الفلاني مقدار مخصوص من الأجر والثواب ، وللعمل الآخر مقدار كذلك من العقوبـة ، فلا إشكال في صحّـة التعبير بالاستحقاق ، ولكنّـه لايخفى أنّ ذلك إنّما هو با لمقدار الذي دلّ الدليل عليـه وقامت الحجّـة من قِبَل المولى على ذلك المقدار ، كما لايخفى .
وأمّا لو لم نقل بجعليـة الثواب والعقاب ، فلا وجـه للقول بالاستحقاق أصلاً ، فإنّـه كيف يمكن أن يستحقّ العبد ـ الذي يكون مملوكاً لمولاه بجميع جهاتـه خصوصاً إذا أعطاه من النعم الظاهريـة والباطنيـة ما لايحصى ـ على مولاه شيئاً في مقابل عملـه القليل الذي لايقابل بعض تلك النعم فضلاً عن جميعها ، كما هو واضح لايخفى .
هذا كلّـه في الواجبات النفسيـة .
في استحقاق الثواب على الواجب الغيري
وأمّا الواجبات الغيريـة : فإن قلنا بأنّ الثواب عبارة عمّا يظهر من بعض الفلاسفـة ، فثبوتـه في الواجبات الغيريـة وعدمـه لايكون لـه كثير ارتباط بالاُصول ; لأنّـه من العلم بالأشياء وحقائقها ولوازمها ، كما لايخفى ، كما أ نّـه لو قلنا با لوجـه الثاني ، فا للازم مراجعـة الأدلّـة حتّى يظهر أ نّـه هل يكون الثواب على فعلها مجعولاً ؟ كما ورد في بعض المقدّمات ، مثل : ما ورد في الذهاب إلى زيارة قبر الحسين عليـه الصلاة والسلام من أ نّـه لكلّ قدم كذا وكذا من الثواب(1) .
- 1 ـ ثواب الأعمال: 116 / 31، وسائل الشيعـة 14: 439، كتاب الحج، أبواب المزار وما يناسبـه، الباب 41، الحديث 1.
(الصفحة 69)
وأمّا بناءً على الوجـه الأخير : فلايخفى أ نّـه لو قلنا بثبوتـه في الواجبات النفسيـة ولكن لا نسلّم ترتّبـه على الواجبات الغيريـة ; لأنّـه لا إشكال في أنّ الثواب والعقاب إنّما يترتّبان على الإطاعـة والمعصيـة ، والامتثال والمخا لفـة ، والأمر الغيري بعيد منهما بمراحل ; لأنّـه لايصلح للتحريك والداعويـة أصلاً ، فإنّ المكلّف إمّا أن يريد امتثال الأمر المتعلّق بذي المقدّمـة بمعنى أ نّـه صار داعياً لـه ومحرّكاً إلى الإتيان بها ، وإمّا أن لايريد الامتثال أصلاً .
فعلى الأوّل يأتي با لمقدّمـة بعدما رأى توقّف الإتيان بذي المقدّمـة عليها ، ولو لم يكن الأمر الغيري متعلّقاً بها أصلاً ، فالإتيان با لمقدّمـة في هذه الصورة ليس لإطاعـة الأمر الغيري وتحريكـه المكلّف إلى متعلّقـه ، بل الإتيان بـه لتوقّف المطلوب النفسي عليـه .
وعلى الثاني لايكون الأمر النفسي با لنسبـة إليـه داعياً فضلاً عن الأمر الغيري .
وبا لجملـة فوجود الأمر الغيري وعدمـه متساويان في الصورتين ، فلايكون لـه إطاعـة حتّى يترتّب على فعلـه الثواب وعلى تركـه العقاب ، كما هو واضح .
وتوهّم:
وجود الفرق بنظر العقل بين العبد الذي يأتي بمقدّمات العمل ثمّ يعرضـه بعض الموانع عن الإتيان بذي المقدّمـة ـ كا لموت أو النسيان أو غيرهما من الموانع ـ وبين العبد الذي لايأتي بمقدّمـة أصلاً ثمّ يعرض لـه بعض تلك الموانع ويمنعـه عن الإتيان با لمقدّمـة وذيها معاً(1) .
يدفعـه
أنّ ثبوت الفرق وإن كان بديهيّاً إلاّ أ نّـه لايوجب الفرق في المقام ، فإنّ كلامنا إنّما هو في استحقاق الثواب والعقاب على فعل الواجب الغيري وتركـه
(الصفحة 70)
بمعنى أ نّـه لو منعـه المولى من الثواب بعد الإتيان بـه ، عدّ ظا لماً ومورداً لتقبيح العقلاء ، كمن يمنع من أداء حقّ الغير إليـه ، وهذا لا فرق فيـه بين الآتي با لواجب الغيري وتاركـه أصلاً ، فإنّـه كيف يستحقّ العبد على مولاه شيئاً بعدما فرض أ نّـه لم يأت بمطلوبـه النفسي أصلاً ، كما هو واضح .
نعم يكون بينهما فارق لا من حيث الاستحقاق الذي يكون مورد النزاع في المقام ، بل من حيث الممدوحيـة والمذموميّـة عند العقلاء ، فإنّ العبد الذي يأتي بمقدّمات الواجب يستحسنـه العقلاء لكونـه منقاداً للمولى مريداً للإتيان بمطلوباتـه وإطاعـة أوامره ، كما لايخفى .
ومن هنا يظهر:
أ نّـه لا فرق بين ما لو كان العمل متوقّفاً على مقدّمات كثيرة وبين ما لو لم يكن إلاّ متوقّفاً على بعض المقدّمات ، كا لحج با لنسبـة إلى الساكنين في البلاد البعيدة والقريبـة من حيث استحقاق المثوبـة على فعل المقدّمات وعدم الاستحقاق أصلاً .
نعم يمكن أن يقال بازدياد الثواب على نفس العمل فيما لو كان متوقّفاً على مقدّمات كثيرة لا ثبوتـه با لنسبـة إلى المقدّمات ، كما لايخفى .
التنبيـه الثاني: الإشكال في الطهارات الثلاث ودفعـه
ثمّ إنّـه ربّما يستشكل في الطهارات الثلاث بوجهين :
الأوّل:
أ نّـه لاريب في ترتّب الثواب عليها ، وفي كونها عبادةً مع أنّ الأمر الغيري لايكون إلاّ توصّليّاً ولايترتّب على امتثا لـه الثواب(1) .
ويردّه : أ نّـه لو كان المراد بترتّب الثواب عليها استحقاق المكلّف لـه
- 1 ـ مطارح الأنظار: 70 / السطر 18.
(الصفحة 71)
با لمعنى المتقدّم المتنازع فيـه ، فلا نسلّم ثبوتـه فيها بعدما عرفت من أنّ الأمر الغيري لايصلح للداعويّـة ولايكون لـه إطاعـة حتّى يترتّب عليـه الثواب ويستحقّ على تركـه العقاب .
وإن كان المراد بـه جعل الثواب على الطهارات الثلاث ، فلا إشكال فيـه ، ولا اختصاص لـه بها ، بل [لها] نظائر في التوصّليات أيضاً ، مثل ما جعل من الثواب على الذهاب إلى زيارة قبر الحسين(عليه السلام) لكلّ قدم كذا وكذا ، مع أ نّـه لا إشكال في كونـه توصّليّاً .
الثاني
ـ وهو العمدة ـ : أ نّـه لا إشكال في أنّ الطهارات الثلاث قد اعتبرت مقدّمةً للصلاة بنحو العبادية ، وليس حا لها كحال سائر المقدّمات ، كا لستر والاستقبال وغيرهما في أنّ مطلق وجودها في الخارج قد اعتبرت مقدّمـة لها ، وحينئذ فعباديتها مأخوذة في الرتبـة السابقـة على تعلّق الأمر الغيري بها ; إذ لايكاد يتعلّق إلاّ بما يكون مقدّمةً با لحمل الشائع ، والمفروض أنّ مقدّميّتها إنّما هو في حال كونها عبادةً ، وحينئذ فنقول : إن كان المصحّح لعباديتها هو تعلّق الأمر الغيري بها ، فيلزم الدور ; لأنّ تعلّقـه بها متوقّف على كونها مقدّمـة الراجعـة إلى كونها عبادةً ، فلو كانت عباديتها متوقّفـة على تعلّق الأمر الغيري بها يلزم توقّف الشيء على نفسـه ، كما هو واضح ، وإن كان المصحّح لعباديتها هو تعلّق الأمر النفسي بذواتها ، فهو فاسد ; لوجوه ثلاثـة :
الأوّل:
أ نّـه لايتمّ في خصوص التيمّم ; لعدم تعلّق الأمر الاستحبابي النفسي بـه قطعاً .
الثاني:
أ نّـه كيف يمكن اجتماع الأمر الغيري مع الأمر الاستحبابي النفسي على شيء واحد ؟ ! فمع ثبوت الأوّل ـ كما هو المفروض ـ لايبقى مجال للثاني ، كما لايخفى .