(الصفحة 298)
ولكن شكّ في بقاء علمـه ، فإنّ استصحاب علمـه لايجدي بعد كون الموضوع هو العا لم الغير الفاسق إلاّ على القول بالأصل المثبت .
ولكن لايخفى:
أنّ هذا الفرض خارج عن المقام ; لأنّ مفروضـه استصحاب عدم عنوان الخاصّ ومثلـه في الخروج عن مورد النزاع ما لو كان زيد عا لماً غير فاسق في السابق يقيناً ثمّ شكّ في بقاء علمـه مع العلم بعدا لتـه عكس الصورة الاُولى ، ولا إشكال أيضاً في جريان الاستصحاب فيها ; لأنّـه كان في السابق عا لماً غير فاسق ، فيستصحب هذا العنوان المقيّد ، ويجري عليـه حكم العامّ في الزمان اللاّحق ، كما هو واضح .
الأمر الرابع: التمسّك بالعامّ إذا شكّ في فرد من غير جهـة التخصيص
حكي عن بعض : التمسّك با لعامّ فيما إذا شكّ في فرد لا من جهـة التخصيص ، بل من جهـة اُخرى ، مثل : ما إذا شكّ في صحّـة الوضوء با لمائع المضاف ، فيتمسّك في صحّتـه بعموم قولـه : أوفوا با لنذور ، فيما إذا وقع متعلّقاً للنذر ، فيقال هذا الوضوء يجب الوفاء بـه للعموم ، وكلّ ما يجب الوفاء بـه فلا محا لـة يكون صحيحاً ; للقطع بعدم وجوب الوفاء با لفاسد(1) ، ويستنتج صحّـة ا لوضوء با لمضاف ولو لم يتعلّق بـه النذر ، وكذا القول في إطاعـة الوا لدين .
وربّما اُيّدَ ذلك بصحّـة الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات إذا تعلّق النذر بهما كذلك ، وبصحّـة النافلـة في وقت الفريضـة إذا صارت متعلّقةً للنذر .
هذا ، ولايخفى عدم تماميـة هذا الكلام ; فإنّ هنا دليلين أحدهما : وجوب الوفاء با لنذور مثلاً ، ثانيهما : عدم انعقاد النذر إلاّ في طاعـة اللّـه ، فمع الشكّ في
- 1 ـ اُنظر مطارح الأنظار: 195 / السطر 36.
(الصفحة 299)
صحّـة الوضوء با لمضاف لا مجال للتمسّك بعموم الدليل الأوّل ; لأنّ مرجع الشكّ فيها إلى الشكّ في كونـه طاعةً للّـه ، فيرجع إلى التمسّك با لعامّ في الشبهة المصداقية للمخصّص ، ولو فرض وجود دليل واحد نظراً إلى حكومـة الدليل الثاني على الأوّل لا مخصّصاً لـه ، فعدم الجواز مستند إلى أنّ إثبات حكم العامّ متوقّف على إحراز موضوعـه ; إذ لايمكن إثبات الصغرى بسبب الكبرى ، كما هو واضح .
ثمّ إنّ قضيّـة الأمثلـة المذكورة هو الاختصاص بصورة النذر ، فلا ترتبط با لمقام ، مضافاً إلى أ نّها ليست مورداً للشكّ ; للعلم با لحرمـة والبطلان قبل تعلّق النذر وبارتفاعها بعده ، وتوجيـه الأوّلين بأحد الوجوه المذكورة في الكفايـة(1) ، كما أنّ توجيـه الأخير المذكور في الدّرر(2) ، فراجع .
الأمر الخامس: التمسّك بالعامّ عند الشكّ بين التخصيص والتخصّص
إذا علم بحرمـة إكرام زيد مثلاً ولكن شكّ في أ نّـه عا لم ، فيكون الدليل الدالّ على حرمـة إكرامـه مخصّصاً لإكرام العلماء ، فيترتّب عليـه الأحكام المترتّبـة على العا لم ، أو جاهل فلم يرد تخصيص على العموم فيترتّب عليـه الأحكام المترتّبـة على الجاهل ، فهل يجوز التمسّك بأصا لـة العموم في إثبات أ نّـه غير عا لم أو لا ؟ ظاهر المحكيّ عن الأصحاب في موارد كثيرة هو الجواز حيث إنّهم ذكروا في مسأ لـة عدم نجاسـة الغسا لـة أنّ الدليل على ذلك أ نّها لاينجّس المحل ; إذ لو كانت نجسةً مع عدم تنجّس المحلّ بها ، يلزم التخصيص في عموم كلّ نجس
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 261 ـ 262.
- 2 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 220 ـ 221.
(الصفحة 300)
منجّس ، فأصا لـة العموم يقتضي منجّسيّـة جميع النجاسات ممّا لايكون بمنجّس لايكون نجساً على ما هو مقتضى عكس نقيضـه .
هذا ، وحكي عن المقالات أنّ أصا لـة العموم وإن كانت جاريةً إلاّ أنّ عكس نقيض القضيـة الذي هو لازم لها لايثبت بها ; لأنّ الدليل عليها هو بناء العقلاء ، ولم يثبت بناؤهم على ترتيب اللّوازم عليها ، وللمقام نظائر كثيرة من حيث التفكيك بين اللازم والملزوم في عدم إثبات الثاني بالأوّل ، وكذا العكس(1) .
والتحقيق أن يقال:
بأنّ جريان أصا لـة العموم في أمثال المقام مورد تأمّل وإشكال ; لأنّ مدركها هو بناء العقلاء ، فيحتاج في جريانها فيـه إلى إحراز بنائهم ، مع أنّ المتيقّن ما إذا كان المراد غير معلوم ، مثل : ما إذا شكّ في وجوب إكرام زيد العا لم بعد قولـه : أكرم العلماء ، وأمّا إذا علم مراده وشكّ في علمـه لأن يترتّب عليـه الأحكام الاُخر ، فلم يعلم استقرار بنائهم على التمسّك بـه ، نظير أصا لـة الحقيقـة التي ينحصر مورد جريانها بما إذا شكّ في كون المراد هل هو المعنى الحقيقي أو المجازي ، وأمّا إذا علم با لمراد ولكن لم يعلم أ نّـه معنى حقيقي للّفظ ومجازي لـه ، فلا تجري أصا لـة الحقيقـة لإثبات أنّ المعنى المراد معنى حقيقي لـه ، فالإنصاف أ نّـه لايجري الأصل في المقام حتّى يتكلّم في إثبات اللوازم بـه أوّلاً .
وممّا ذكرنا يظهر:
أ نّـه لا مانع من التمسّك بأصا لـة العموم فيما لو علم بحرمـة إكرام زيد ولكن شكّ في أنّ المراد بـه هو زيد العا لم ، فيكون مخصّصاً ، أو زيد الجاهل ، فيكون تخصّصاً .
- 1 ـ مقالات الاُصول 1: 450.
(الصفحة 301)
وجـه الجريان : أنّ المراد با لنسبـة إلى زيد العا لم مشكوك ، لأنّـه لايعلم أ نّـه هل يجب إكرامـه أم لا ، فلابأس با لتمسّك بأصا لـة العموم لإثبات وجوب إكرامـه ، فيترتّب عليـه حرمـة زيد الجاهل ، ويصير مدلول قولـه : لا تكرم زيداً ، مبيّناً حينئذ ; لخروجـه عن الإجمال بسبب وجوب إكرام زيد العا لم الثابت بأصا لـة العموم ، فتأمّل في الفرق بين المسأ لتين حتّى لايختلط عليك الأمر .
(الصفحة 302)الفصل الثالث
في وجوب الفحص عن المخصّص
هل يجوز التمسّك با لعامّ قبل الفحص عن المخصّص أم لا ؟ فيـه خلاف .
تقرير محطّ البحث ومحلّ النزاع
وليكن محلّ البحث ممحّضاً في أنّ أصا لـة العموم هل يكون متّبعةً مطلقاً ، أو بعد الفحص واليأس ؟ بعد الفراغ عن حجّيتها من باب الظنّ النوعي وعدم اختصاص حجّيتها با لمشافهين ، ولم يكن العامّ معلوم التخصيص تفصيلاً أو إجمالاً ، كما أنّ الظاهر اختصاصـه با لمخصّص المنفصل ، وأمّا المتّصل فلايكون احتما لـه مانعاً من التمسّك بها مطلقاً ; لأنّـه نظير قرينـة المجاز ، وقد قام الإجماع على عدم الاعتناء باحتما لها .
إذا ظهر لك ذلك ، فاعلم أنّ التحقيق يقتضي التفصيل في الموارد ، كما في الكفايـة(1) والقول بلزوم الفحص فيما إذا كان العامّ في معرض التخصيص ، نظير