(الصفحة 473)وأمّا الإشكالات العامّـة
فمنها:
أنّ مفهوم الآيـة لو دلّ على حجّيـة خبر العادل لدلّ على حجّيـة الإجماع الذي ادعاه السيّد وأتباعـه على عدم حجّيـة خبر العادل أيضاً ; لأنّهم عدول أخبروا بحكم الإمام(عليه السلام) بعدم حجّيـة خبر الواحد ، فيلزم من حجّيـة الخبر عدم حجّيتـه ، وما يلزم من وجوده العدم فهو محال(1) .
هذا ، ولكن هذا الإشكال يندفع بملاحظـة ما ذكرنا في الإجماع المنقول من عدم حجّيـة الإخبار عن حدس ، ومن المعلوم أنّ ادعاء الإجماع مبني على الحدس ، كما عرفت .
واُجيب عنـه بوجوه اُخر:
أحدها:
أنّ ذلك معارض بقول السيّد ، فإنّ حجّيتـه يستلزم عدم حجّيتـه ، وما يلزم من وجوده العدم فهو محال ، فلايكون قول السيّد بحجّـة(2) . ولكن يمكن أن يقال : بأنّ المحال إنّما يلزم من شمول خبر السيّد لنفسـه ، وهو يوجب عدم الشمول ، ولكنّـه معارض بأنّ حجّيـة الخبر الواحد لايستلزم المحال ، بل المحال يلزم من شمول أدلّـة حجّيـة خبر الواحد لخبر السيّد ، وهو يوجب عدم شمولها لـه ، فيرتفع الإشكال .
ثانيها:
أنّ الأمر يدور بين دخولـه وخروج ما عداه وبين العكس ، ولاريب أنّ الثاني متعيّن ، لا لمجرّد قبح انتهاء التخصيص إلى الواحد ، بل لأنّ المقصود من جعل الحجّيـة ينحصر في بيان عدم الحجّيـة ، ولاريب أنّ التعبير عن هذا المقصود
- 1 ـ اُنظر فرائد الاُصول 1: 121.
- 2 ـ نفس المصدر.
(الصفحة 474)
بما يدلّ على عموم حجّيـة خبر العادل قبيح في الغايـة(1) .
وأورد على ذلك المحقّق الخراساني في «ا لتعليقـة» بمنع لزوم ما هو قبيح في الغايـة ; لأنّـه من الممكن جدّاً أن يكون المراد من الآيـة واقعاً هو حجّيـة خبر العادل مطلقاً إلى زمان خبر السيّد بعدم حجّيتـه ، كما هو قضيـة ظهورها ، من دون أن يزاحمـه شيء قبلـه وعدم حجّيتـه بعده ، كما هو قضيّتـه ; لمزاحمـة عمومها لسائر الأفراد ، وبعد شمول العموم لـه أيضاً .
ومن الواضح : أنّ مثل هذا ليس بقبيح أصلاً ، فإنّـه ليس إلاّ من باب بيان إظهار انتهاء حكم العامّ في زمان بتعميمـه ; بحيث يعمّ فرداً ينافي ويناقض الحكم سائر الأفراد . ولايوجد إلاّ في ذاك الزمان ; حيث إنّـه ليس إلاّ نحو تقييد . لكن الإجماع قائم على عدم الفصل(2) ، انتهى موضع الحاجـة .
ولكن لايخفى : أنّ دعوى السيّد الإجماع لو كانت حجّـة بمقتضى شمول أدلّـة حجّيـة خبر العدل لكان مقتضاها عدم حجّيـة خبر الواحد من زمن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيعود حينئذ محذور الاستهجان ، كما هو واضح .
ثالثها:
ما ذكره المحقّق العراقي ـ على ما في تقريرات بحثـه ـ : من أنّ هذا الإشكال مدفوع أوّلاً : بأنّـه من المستحيل شمول دليل الحجّيـة لمثل خبر السيّد الحاكي عن عدمها ; من جهـة استلزام شمول الإطلاق لمرتبـة الشكّ بمضمون نفسـه ، فإنّ التعبّد بإخبار السيّد بعدم حجّيـة خبر الواحد إنّما كان في ظرف الشكّ في الحجّيـة واللاحجّيـة ، ومن المعلوم استحا لـة شمول إطلاق مفهوم الآيـة وغيره من الأدلّـة لمرتبـة الشكّ في نفسـه . بل على هذا يمكن أن يقال بعدم
- 1 ـ فرائد الاُصول 1: 121 ـ 122.
- 2 ـ درر الفوائد، المحقّق الخراساني: 110.
(الصفحة 475)
شمولـه لمثل خبر الشيخ ، الحاكي عن الحجّيـة ، فإنّ مناط الاستحا لـة جار في كليهما ، ولايختصّ با لخبر الحاكي عن عدم الحجّيـة .
وثانياً : أنّـه بعد شمول أدلّـة الحجّيـة لما عدا خبر السيّد من سائر الأخبار لايبقى مجال لشمولها لـه ; لأنّ القطع بحجّيتها ملازم لانتفاء الشكّ في مطابقـة مضمون خبر السيّد للواقع وعدمها ، فيخرج بذلك عن عموم أدلّـة حجّيـة الخبر ، فيصير عدم شمول الأدلّـة لمثل خبر السيّد من باب التخصّص لانتفاء الشكّ في مطابقـة مؤدّاه للواقع ، وهذا بخلاف ما لو شملت الأدلّـة لخبر السيّد ; إذ عليـه يلزم كون خروج ما عداه من سائر الأخبار من باب التخصيص ; لتحقّق الموضوع فيها ، وهو الشكّ في المطابقـة وجداناً . ومن المعلوم أنّـه مع الدوران بين التخصّص والتخصيص يتعيّن الأوّل .
لايقال:
كيف ، ولازم شمول الأدلّـة لمثل خبر السيّد أيضاً هو القطع بعدم حجّيـة ما عداه ، فيلزم أن يكون خروج ما عداه أيضاً من باب التخصّص لا التخصيص .
فإنّـه يقال:
إنّ المدار في التعبّد بكلّ أمارة إنّما هو الشكّ في مطابقـة مضمونـه ومؤدّاه للواقع ، ومؤدّيات ما عدا خبر السيّد لايكون حجّيـة خبر الواحد ; كي يقطع بعدم الحجّيـة بسبب شمول أدلّـة الاعتبار لخبر السيّد الحاكي عن عدم الحجّيـة ، بل وإنّما مؤدّيات ما عداه عبارة عن وجوب الأمر الفلاني أو حرمـة كذا واقعاً ، ولاريب في بقاء الشكّ في المطابقـة ، ولو على تقدير القطع بحجّيـة خبر السيّد ، فيشملها أدلّـة الاعتبار ، فلايكون رفع اليد عنها بمقتضى اعتبار خبر السيّد إلاّ من باب التخصيص(1) ، انتهى ملخّصاً .
- 1 ـ نهايـة الأفكار 3: 118.
(الصفحة 476)
أقول:
أمّا ما أفاده أوّلاً فيرد عليـه : ما نبّهنا عليـه في مبحث القطع من أنّ ما اشتهر بينهم من تأخّر الشكّ في الشيء عن ذلك الشيء ، وتوقّفـه على تحقّقـه ممّا لايتمّ أصلاً ، كيف ولازم ذلك انقلاب الشكّ إذا وجد علماً ; إذ على الفرض لايتحقّق بدون ثبوت المشكوك ، فمع العلم بذلك ينقلب الشكّ علماً ، كما هو واضح . فما ذكره من استحا لـة شمول إطلاق مفهوم الآيـة لمرتبـة الشكّ في نفسـه ممّا لا نعرف لها وجهاً أصلاً .
وأمّا ما أفاده ثانياً فيرد عليـه : أنّ شمول أدلّـة الحجّيـة لما عدا خبر السيّد إنّما هو فيما إذا كان حجّيتـه مشكوكـة ; إذ لا معنى لشمولها لـه مع القطع بعدم الحجّيـة ، وحينئذ نقول : كما أنّ شمولها لـه مستلزم لخروج خبر السيّد من باب التخصّص ; إذ لايبقى حينئذ شكّ في حجّيتـه ولا حجّيتـه حتّى تشملـه أدلّـة الحجّيـة ، كذلك شمول الأدلّـة لخبر السيّد موجب لخروج ما عداه من الأخبار عن تحتها من باب التخصّص ; إذ لايبقى مع شمولها لخبر السيّد شكّ في حجّيـة ما عداه وعدم حجّيتـه ، والملاك في الشمول هو الشكّ في الحجّيـة ، لا مطابقـة مضمونـه للواقع وعدمها ، فما ذكره من دوران الأمر بين التخصيص والتخصّص ممّا لا وجـه لـه أصلاً ، كما هو أظهر من أن يخفى .
ومن الإشكالات العامّـة:
إشكال شمول أدلّـة الحجّيـة للأخبار الحاكيـة لقول الإمام(عليه السلام) بواسطـة أو وسائط ، كإخبار الشيخ عن المفيد عن الصدوق عن الصفّار عن العسكري(عليه السلام) .
ويمكن تقريب هذا الإشكال من وجوه(1) :
- 1 ـ فرائدالاُصول 1: 122، فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي3: 177 ـ 179.
(الصفحة 477)
الأوّل:
دعوى انصراف الأدلّـة عن الإخبار با لواسطـة .
الثاني:
أنّـه لابدّ أن يكون للمخبر بـه أثر شرعي ، حتّى يصحّ بلحاظـه التعبّد بـه ، وليس للمخبر بـه في المقام هذا الأثر ، فإنّ المخبر بـه بخبر الشيخ هو قول المفيد ، ولا أثر شرعي لقولـه أصلاً .
الثالث:
دعوى أنّ الحكم بتصديق العادل مثبت لأصل إخبار الوسائط ، مع أنّ خبرهم يكون موضوعاً لهذا الحكم ، فلابدّ وأن يكون الخبر في المرتبـة السابقـة محرزاً با لوجدان أو با لتعبّد ; ليحكم عليـه بوجوب تصديقـه ; لأنّ نسبـة الموضوع إلى الحكم نسبـة المعروض إلى العرض ، فلايعقل أن يكون الحكم موجداً لموضوعـه ; لاستلزامـه الدور المحال .
الرابع:
أنّـه يلزم أن يكون الأثر الذي بلحاظـه وجب تصديق العادل نفس تصديقـه ، من دون أن يكون في البين أثر آخر كان وجوب التصديق بلحاظـه ، ولايعقل أن يكون الحكم بوجوب التصديق بلحاظ نفسـه .
هذا، والجواب عن الأوّل:
منع الانصراف ، ولو قيل بأنّ العمدة في هذا الباب هو بناء العقلاء على العمل بخبر الواحد ، ولابدّ من إحرازه في الإخبار مع الوسائط ، ومن المعلوم عدم إحرازه ، لو لم نقل بثبوت عدمـه من جهـة أنّا نرى با لوجدان عدم اعتنائهم بالإخبار مع الوسائط الكثيرة التي بلغت إلى عشرة أو أزيد مثلاً . فيشكل الأمر في الأخبار المأثورة عن الأئمّـة (عليهم السلام) ; لاشتما لها على الوسائط الكثيرة با لنسبـة إلينا .
فنقول : إنّ الواسطـة في تلك الأخبار قليلـة ; لأنّ الواسطـة إنّما هو بين الشيخ والكليني والصدوق وبين الإمام(عليه السلام) ، ومن الواضح قلّتها ; بحيث لايتجاوز عن خمس أو ستّ ، وأمّا الواسطـة بيننا وبينهم فلايحتاج إليها بعد تواتر كتبهم ، ووضوح صحّـة انتسابها إليهم ، كما لايخفى .