(الصفحة 169)الفصل الثاني
في اجتماع الأمر والنهي
وقبل الخوض في ذكر أدلّـة الطرفين وبيان أدلّـة المختار لابدّ من تقديم اُمور :
الأمر الأوّل: في عنوان المسألـة وتحرير مصبّ النزاع
قد يقال ـ كما قيل ـ بأنّ مورد النزاع في هذا الباب هو اجتماع الأمر والنهي في واحد ، وأنّ المراد با لواحد ليس خصوص الواحد الشخصي بل كلّ ما يكون لـه جهتان ومندرجاً تحت عنوانين ولو كان واحداً جنسياً أو نوعياً ، كا لحركـة الصلاتيـة الكلّيـة المتّحدة مع الحركـة الكلّيـة الغصبيـة .
هذا ، ولكن لايخفى أنّ الواحد الشخصي لايعقل أن يتعلّق تكليف واحد بـه فضلاً عن تكليفين ; لأنّ الخارج ظرف لسقوط التكليف لا ثبوتـه ، كما هو واضح .
وأمّا الواحد الجنسي أو النوعي : فما كان منـه مثل السجود للّـه والسجود للصنم ، فلاينبغي الارتياب في جواز تعلّق الأمر والنهي بـه ، وما كان منـه مثل الحركـة والسكون الكلّيتين المعنونين بعنوان الصلاتيـة والغصبيـة ، فمع قطع
(الصفحة 170)
ا لنظر عن اتّحادهما في الخارج وتصادقهما على شيء فلاينبغي أيضاً الإشكال في جوازه لأنّ الحركـة ليست جنساً للصلاة أو الغصب ، وأمّا مع ملاحظـة التصادق على وجود واحد والانطباق على الخارج فيرجع الكلام إلى الواحد الشخصي ، كما لايخفى .
وممّا ذكرنا ظهر فساد ما في الكفايـة
(1)، فراجع .
وا لأولى أن يعبّر عن محلّ النزاع بأ نّـه هل يجوز تعلّق الأمر والنهي با لعنوانين المتصادقين على واحد شخصي أو لا ; إذ ـ مضافاً إلى أ نّـه لايرد عليـه شيء ممّا تقدّم ـ يندفع بـه الإشكال المعروف ، وهو أ نّـه يكون البحث في المقام صغرويّاً ، ولازم التعبير بما عبّروه كونـه كبرويّاً ، مع أ نّـه لا إشكال فيـه ولا نزاع ; إذ تضادّ الأحكام الخمسـة بأسرها ممّا لم يناقش فيـه أحد .
وجـه الاندفاع : أ نّـه بناء على هذا التعبير الذي ذكرنا لا إشكال في كون البحث كبرويّاً أصلاً ، كما هو واضح .
الأمر الثاني: في الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي عن العبادة
ا لفرق بين هذه المسأ لـة ومسأ لـة النهي عن العبادة ـ التي سيجيء إن شاء اللّـه تعا لى ـ ذاتي لا خفاء فيـه أصلاً ; لعدم اتّحاد المسأ لتين لا في الموضوع ولا في المحمول ، كما لايخفى .
وكذا لاينبغي الإشكال في كون المسأ لـة اُصوليـة ; إذ هي مندرجـة تحت ضابطـة مسائل علم الاُصول .
وما ذكره في الكفايـة من إمكان كونهما من مسائل علم الكلام أو من
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 183 ـ 184.
(الصفحة 171)
غيره(1) فيتمّ لو تصرّف في عنوان النزاع ، وإلاّ فظاهره يأبى عن ذلك .
نعم لابأس بجعلها من المبادئ الأحكاميـة ، وكذا لا إشكال في كون المسأ لـة عقليةً محضة ، ولا ارتباط لها بباب الألفاظ أصلاً ، وكذا في ثبوت المناط في أقسام الوجوب والتحريم النفسي والتعييني والعيني والغيري والتخييري والكفائي .
الأمر الثالث: عدم اعتبار قيد المندوحـة
إنّـه ربّما يؤخذ في عنوان النزاع قيد المندوحـة ; نظراً إلى أنّ بدونها لا إشكال ولا خلاف في امتناع الاجتماع ، ولكن الحقّ ما في الكفايـة من أنّ وجود المندوحـة وعدمها لايرتبط بما هو المهم في محل البحث والمقصود في مورد النزاع ، فإنّ العمدة في المقام هو إمكان الاجتماع واستحا لتـه من هذه الحيثيّـة(2) .
وبعبارة اُخرى : مورد النزاع إنّما هو استكشاف حال نفس التكليف من حيث الإمكان والاستحا لـة لاحال ا لمكلّف بـه من حيث ا لمقدوريـة وعدمها ، وهذاواضح جدّاً .
الأمر الرابع: جريان النزاع حتّى مع تعلّق الأوامر والنواهي بالأفراد
ربّما يتوهّم ابتناء النزاع في هذه المسأ لـة على مسأ لـة كون متعلّق التكا ليف هل هي الطبائع أو الأفراد تارةً بمعنى أنّ النزاع إنّما يجري على خصوص القول الأوّل في تلك المسأ لـة ، وأمّا بناء على القول الثاني فلابدّ من القول
- 1 ـ كفاية الاُصول ر: 185.
- 2 ـ نفس المصدر: 187
(الصفحة 172)
بالامتناع في مسأ لتنا هذه ، واُخرى بمعنى أنّ القول با لجواز مبني على القول با لطبائع ، والامتناع على القول بالأفراد .
هذا ، ولكن تحقيق الكلام مبني على استكشاف مرادهم في تلك المسأ لـة من الفرد ، فنقول : إن كان مرادهم من الفرد هو الموجود الشخصي الواحد ، فهذا ممّا يستحيل تعلّق التكليف لـه ; للزوم تحصيل الحاصل ، كما هو واضح .
وإن كان هو عنوان الفرد المعروض للكلّيـة بمعنى أنّ متعلّق الطلب هو عنوان فرد الطبيعـة ، فلا إشكال في جريان النزاع في المقام على كلا القولين في تلك المسأ لـة ; لأنّ القائل بالاجتماع يقول بتعلّق الأمر والنهي بعنوان الفرد ، كقولـه بتعلّقهما با لطبيـة بناءً على القول الآخر في تلك المسأ لـة ، وكذا لو كان مرادهم من الفرد هو الوجود الخاصّ بنحو العموم والكلّيـة في مقابل الطبيعـة التي هي بمعنى الوجود السعي .
نعم لو كان مرادهم من الفرد هي الخصوصيات والمقارنات المتّحدة في الخارج مع وجود الطبيعـة بحيث كان مرجع قولهم إلى سرايـة الأمر من الطبيعـة إلى الخصوصيّات المقارنـة لـه في الوجود ، وكذا النهي ، فيصير المقام مبنيّاً على تلك المسأ لـة ; لأنّ خصوصيـة الغصبيـة حينئذ مثلاً تصير مورداً لتعلّق الأمر ، وخصوصيـة الصلاتيّـة مورداً لتعلّق النهي ، فكأ نّـه قال : صلّ في المكان المغصوب ، ولا تغصب في الصلاة ، ولكن يبعد أن يكون مرادهم من الفرد ذلك ، فظهر عدم ابتناء النزاع على تلك المسأ لـة أصلاً ، كما لايخفى .
الأمر الخامس: حول اعتبار وجود المناطين في المجتمع
ذكر في الكفايـة ما حاصلـه : أ نّـه لايكاد يكون من باب الاجتماع إلاّ إذا كان في كلّ واحد من متعلّقي الحكمين مناط حكمـه مطلقاً حتّى في مورد
(الصفحة 173)
ا لتصادق والاجتماع ، وأمّا إذا لم يكن لهما مناط حكمـه كذلك ، فلايكون من هذا الباب(1) . انتهى موضع الحاجـة .
أقول:
إن كان مراده من ذلك أنّ مورد النزاع في المقام هو ما كان متعلّقا الحكمين ذا مناط مطلقاً حتّى في مورد الاجتماع بحيث كان مرجعـه إلى تقييد في عنوان النزاع ، فلايخفى أ نّـه لا ارتباط لذلك بما هو المهم في مقصود البحث ومورد النزاع ; لما عرفت في وجـه عدم تقييد النزاع بقيد المندوحـة من أنّ المهم في هذا المقام جواز الاجتماع واستحا لتـه من هذه الحيثيّـة أي حيثيـة الاجتماع .
ويؤيّد كون مراده ذلك اختلاف التعبير في هذا المقام وفي مسأ لـة المندوحـة حيث إنّـه عبّر هنا بأ نّـه لايكاد يكون من باب الاجتماع ، فإنّ ظاهره تطبيق عنوان النزاع على الموارد الخارجيـة ، كما لايخفى .
وإن كان مراده من ذلك بيان الفارق بين المقام الذي هو من قبيل التزاحم وبين باب التعارض ، ودفع توهّم التناقض بين الكلمات حيث إنّهم ذكروا في باب التعارض أنّ من أقسامـه التعارض با لعموم والخصوص من وجـه ولم يذكروا في وجـه العلاج في ذلك المقام أنّ من جملـة وجوهـه الجمع بنحو يقولـه القائل بالاجتماع في ذلك المقام ، بل ذكروا أنّ علاجـه الأخذ بالأظهر إن كان ، وإلاّ التوقّف ، أو الرجوع إلى المرجّحات السنديـة على الخلاف ، وبيان الدفع على ما يظهر منـه أنّ مسأ لتنا هذه مبنيّ على إحراز المناط في مورد الاجتماع با لنسبـة إلى الحكمين ، بخلاف باب التعارض ، فإنّـه مبني على وحدة الملاك والمناط في الواقع ، ولكن لايعلم أنّ الملاك الموجود هَل هو ملاك الأمر أو النهي ، فإن كان مراده ـ أي صاحب الكفايـة ـ دفع هذا التوهّم ، فيرد عليـه : منع كون باب