(الصفحة 79)تحقيق فيما نسب إلى الشيخ الأنصاري(قدس سره)
ثمّ إنّ ما نسب إلى الشيخ الأنصاري(قدس سره) من أنّ الملازمـة إنّما هي بين ذي المقدّمـة وبين المقدّمـة التي قصد بها التوصّل إليـه بحيث يكون هذا القول في عرض سائر الأقوال في باب المقدّمـة ليست النسبـة إليـه في محلّـه ، فإنّ منشأ النسبـة إنّما هو ملاحظـة التقريرات المنسوبـة إليـه ، ونحن بعد ملاحظـة هذا المقام منها صدراً وذيلاً لم نعرف وجهاً لهذه النسبـة أصلاً ; فإنّ المقرّر بعد حكايـة عبارة المعا لم والإشكال فيها با لوجهين المتقدّمين شرع في أ نّـه هل يعتبر في امتثال الأمر الغيري قصد التوصّل بها إلى ذيها أم لا ، واختار الأوّل .
ثمّ ذكر في تحقيقـه أنّ الأمر الغيري لايستلزم امتثالاً أصلاً ، بل المقصود منـه مجرّد التوصّل بـه إلى الغير ، وقضيّـة ذلك هو قيام الواجب مقامـه وإن لم يكن المقصود منـه التوصّل بـه إلى الواجب ، كما إذا أمر المولى عبده بشراء اللحم من السوق ، الموقوف على تحصيل الثمن ، ولكنّ العبد حصّل الثمن لا لأجل شراء اللحم ، بل لغرض آخر ، ثمّ بدا لـه الامتثال بأمر المولى ، فيكفي لـه في مقام المقدّميـة الثمن المذكور من غير إشكال ، إنّما الإشكال في المقدّمات العباديـة التي يجب وقوعها على قصد القربـة ، فهل يصحّ في وقوعها على جهـة الوجوب أن لايكون الآتي بها قاصداً للإتيان بذيها أم يعتبر ؟
ثمّ فرّع عليـه بعض الفروعات ، وذكر أ نّـه قد نسب إلى المشهور عدم الاعتبار .
ثمّ استند إلى ما يقرّب مرادهم ، ثمّ استشكل عليـه بأنّ الإنصاف فساد ذلك الوجـه ; لأنّ النزاع إنّما هو فيما إذا اُريد الامتثال با لمقدّمـة ، وذكر أ نّـه لا إشكال
(الصفحة 80)
في لزوم قصد عنوان الواجب إذا اُريد الامتثال بـه وإن لم يجب الامتثال(1) ، إلى آخر ما ذكره ، فإنّ الناظر إلى هذه العبارات يقطع بأنّ النزاع في اعتبار قصد التوصّل إلى ذي المقدّمـة وعدمـه إنّما هو فيما إذا اُريد الامتثال با لمقدّمـة ، ومعنى الامتثال ـ كما صرّح بـه ـ أن يكون الداعي إلى إيجاد الفعل هو الأمر(2) ، فلاربط لهذا النزاع با لمقام أصلاً ، فإنّ الكلام هنا إنّما هو في الملازمـة وفي أنّ الأمر الغيري هل يتعلّق بذات المقدّمـة أو مع قيد آخر .
ولايخفى أنّ التأمّل في عبارة التقريرات يعطي أنّ الواجب هو ذات المقدّمـة ، كيف وقد صرّح في جواب المعا لم بأنّ وجوب المقدّمـة إنّما يتبع في الإطلاق والاشتراط وجوب ذيها ، وقد صرّح أيضاً بأنّ الحاكم با لوجوب الغيري ليس إلاّ العقل ، وليس الملحوظ عنده في عنوان حكمـه با لوجوب إلاّ عنوان المقدّميـة والموقوف عليـه ، وهنا بعض القرائن الاُخر يظهر للناظر المتأمّل .
وكيف كان فمع قطع النظر عن انتساب هذا القول إلى الشيخ(قدس سره) فلابدّ من النظر فيـه ، وأ نّـه هل يمكن الذهاب إليـه أم لا ؟
فنقول: اعتبار قصد التوصّل في المقدّمـة يمكن على وجوه:
الأوّل:
أن يكون الوجوب الناشئ من حكم العقل با لملازمـة مشروطاً بما إذا قصد التوصّل بها إليـه بمعنى أ نّـه في غير هذه الصورة لا تكون المقدّمـة واجبـة .
الثاني:
أن يكون الوجوب ثابتاً لها في هذا الحين ، والفرق بين الصورتين الفرق بين القضيّـة المشروطـة والحينيـة .
- 1 ـ مطارح الأنظار: 72 / السطر 9.
- 2 ـ نفس المصدر: السطر 24.
(الصفحة 81)
الثالث:
أن يكون قصد التوصّل مأخوذاً في متعلّق الأمر الغيري بمعنى أن يكون قيداً للواجب لا للوجوب ، كما في الصورتين المتقدّمتين .
إذا عرفت ذلك ، فنقول : كلّ هذه الاحتمالات فاسدة ، بل لايمكن اعتبار قصد التوصّل على غير وجـه الأخير من الصور المتقدّمـة .
أمّا الوجـه الأوّل:
فيرد عليـه ـ مضافاً إلى ما عرفت من أنّ وجوب المقدّمـة يتبع في الإطلاق والاشتراط وجوب ذيها ـ أ نّـه لايعقل اشتراط الوجوب بخصوص قصد التوصّل الغير المنفكّ عن إرادة متعلّق الوجوب ، فيرجع الأمر بالأخرة إلى اشتراط الوجوب بإرادة متعلّقـه ، فيصير الوجوب مباحاً ، كما عرفت فيما أجاب بـه التقريرات عن عبارة المعا لم ، بل نقول بأنّ الاستحا لـة هنا أوضح ممّا يوهمـه عبارة المعا لم ; لأنّ الوجوب بناء على قولـه لايكون مشروطاً بإرادة متعلّقـه ، بل بإرادة ذي المقدّمـة المتقدّمـة على إرادة المقدّمـة المتعلّقـة للوجوب الغيري ، وأمّا بناء على هذا القول يكون الوجوب مشروطاً بإرادة متعلّقـه .
ثمّ إنّ هذا الجواب يجري على
الوجـه الثاني
أيضاً .
وأمّا الوجـه الثالث:
الراجع إلى اعتبار قصد التوصّل قيداً للواجب بحيث يجب تحصيلـه كسائر القيود المعتبرة في الواجب فهو وإن كان ممكناً في مقام الثبوت إلاّ بناء على ما اعتقده صاحب الكفايـة من أنّ الإرادة لا تكون من الاُمور الاختياريـة(1) ، فلايعقل أن تكون متعلّقةً للطلب أصلاً .
ولكن لايخفى فساد هذا الاعتقاد فإنّـه يمكن للإنسان أن يوجد القصد المتعلّق ببعض الأشياء ، نظير أ نّـه إذا سافر الإنسان إلى بلد لايريد إقامـة عشرة أيّام فيـه ; لعدم كون الإقامـة فيها ذا مصلحـة لـه إلاّ أ نّـه يعرض لـه بعض الاُمور
(الصفحة 82)
ا لمتفرّعـة على قصدها ، فيقصد ، فإقامـة العشرة وإن لم تكن محبوبةً لـه با لذات إلاّ أ نّها تصير محبوبةً با لعرض لمحبوبية تلك الاُمور المتوقّفة على قصدها ، مثل ما إذا كانت الصلاة غير المقصورة محبوبةً لـه دائماً ، فيريد الإقامة لذلك .
وبا لجملـة ، فكون الإرادة من الاُمور غير الاختياريـة ممّا لم يعلم لـه وجـه أصلاً ، كيف والمعتبر في صحّـة العبادات أن يكون الداعي إلى اتيانها قصد التقرّب ، فلو لم يكن القصد أمراً اختيارياً ، لم يكن وجـه لاعتباره فيها ، كما لايخفى فهذا الوجـه الراجع إلى أخذ قصد التوصّل قيداً للواجب وإن كان ممكناً في مقام الثبوت إلاّ أ نّـه لا دليل على إثباتـه ، كما سيأتي وجهـه عند التكلّم في مقام الإثبات إن شاء اللّـه تعا لى ، فانتظر .
هذا كلّـه فيما يتعلّق باعتبار قصد التوصّل في وجوب المقدّمـة .
القول في المقدّمـة الموصلـة
حول ما نسب إلى صاحب الفصول
وأمّا اعتبار الإيصال إليـه ـ كما يظهر من صاحب الفصول(1)ـ فإن كان هذا ا لقيد شرطاً للوجوب بمعنى أ نّـه لايجب المقدّمـة إلاّ مع الإيصال المتوقّف على تحقّق ذيها الراجع إلى أنّ وجوب المقدّمـة إنّما هو بعد الإتيان بذيها ، المتوقّف عليها ، فاستحا لتـه أظهر من أن يخفى ، فإنّـه من قبيل تحصيل الحاصل .
وا لظاهر أ نّـه لايقول بـه صاحب الفصول(قدس سره) بل مراده(قدس سره) إنّما هو اعتبار هذا القيد في متعلّق الوجوب ، لا أن يكون شرطاً للوجوب ، بل قيداً للواجب بحيث
- 1 ـ الفصول الغرويّـة: 81 / السطر 4.
(الصفحة 83)
يجب تحصيلـه .
وقد اُورد عليـه بوجوه من الإيراد:
منها:
أ نّـه يلزم الدور بناء عليـه ، وتقريبـه : أ نّـه لا إشكال في توقّف ذي المقدّمـة عليها ; لأنّ المفروض كونها مقدّمةً لـه ، فلو كان الإيصال مأخوذاً فيها ، يلزم توقّف المقدّمـة عليها أيضاً ; لأنّ حصول القيد متوقّف عليها بلا إشكال ، وهذا هو الدور محضاً(1) .
وا لجواب أنّ ما يتوقّف ذوا لمقدّمـة عليـه هو ذات المقدّمـة ; لأنّـه لا مدخليـة للإيصال في مقدّميتها ، بل إنّما هو مأخوذ في متعلّق الواجب ، وما يتوقّف على ذي المقدّمـة هو الإيصال لا ذات المقدّمـة ، فا لموقوف على ذي المقدّمـة لايتوقّف هو عليها ، بل يتوقّف على ذاتها ، كما هو أوضح من أن يخفى .
منها:
لزوم التسلسل ، وتقريبـه أن يقال : إنّ المقدّمـة حينئذ تكون مركّبةً من أمرين : أحدهما : الذات ، والآخر : قيد التوصّل ، فتكون الذات مقدّمـة لحصول المقدّمـة المركّبـة ، كما هو الشأن في جميع أجزاء المركّب .
مثلاً : لو كان الوضوء الموصل إلى الصلاة مقدّمةً ، والسير الموصل إلى الحج مقدّمـة ، فذات الوضوء والسير يكون مقدّمةً للوضوء الموصل والسير الموصل ، وحينئذ فيعتبر قيد الإيصال فيـه أيضاً ، فيلزم التسلسل(2) .
وا لجواب : أنّ مدخليـة قيد الإيصال إنّما هو في تعلّق الوجوب إلى المقدّمـة بمعنى أ نّـه لايتعلّق الوجوب بها إلاّ مع ذلك القيد لابدونـه ، لا أن يكون القيد دخيلاً في مقدّميـة المقدّمـة وتوقّف ذيها عليها ، وحينئذ فليس هنا إلاّ ذات
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 290.
- 2 ـ نفس المصدر.