(الصفحة 63)
أ نّـه بناءً على الغيريـة يكون وجوبـه مترشّحاً من وجوب الكون على السطح مشروطاً بـه ، ولكن لا نسلّم أنّ المقصود من الأمر با لكون على السطح هو الكون عليـه مقيّداً بنصب السلّم ، كما كانت الصلاة مشروطةً با لطهارة .
الوجـه الرابع:
أنّ ما ذكره من كون مثبتات الاُصول اللفظيـة حجّةً دون الاُصول العمليّـة ، ليس مبرهناً عليـه ، بل يكون محلّ شكّ وريبـة ، وسيجيء إن شاء اللّـه تعا لى .
هذا كلّـه فيما يتعلّق بما ذكره البعض المتقدّم فيما يقتضيـه الاُصول اللفظيـة التي لا مجال معها للاُصول العمليـة أصلاً .
مقتضى الأصل العملي في المقام
وأمّا با لنسبـة إلى الاُصول العمليّـة ، فذكر للمسأ لـة صوراً ثلاثـة :
الصورة الاُولى:
ما إذا علم بوجوب كلٍّ من الغير والغيري من دون أن يكون وجوب الغير مشروطاً بشرط غير حاصل ، كما إذا علم بعد الزوال بوجوب كلٍّ من الوضوء والصلاة وشكّ في وجوب الوضوء من حيث كونـه غيريّاً أو نفسيّاً ، ففي هذه الصورة يرجع الشكّ إلى الشكّ في تقييد الصلاة با لوضوء ، فيكون من باب الأقلّ والأكثر الارتباطي ، وأصا لـة البراءة نافيـة للشرطيـة ، فمن هذه الجهـة تكون النتيجةُ النفسيةَ ، وأمّا من جهة تقييد وجوب الوضوء بوجوب الصلاة فلا أثر لها ; للعلم بوجوبـه على كلّ حال نفسيّاً كان أو غيريّاً . نعم ربّما يثمر في وحدة العقاب وتعدّده عند تركـه لكلٍّ من الوضوء والصلاة ، وليس كلامنا الآن في العقاب .
الصورة الثانيـة:
هي الصورة الاُولى ولكن كان وجوب الغير مشروطاً بشرط غير حاصل ، كا لمثال المتقدّم فيما إذا علم قبل الزوال ، فحينئذ يرجع الشكّ
(الصفحة 64)
في غيريّـة الوضوء ونفسيّتـه إلى الشكّ في اشتراطـه با لزوال وعدمـه ; إذ لو كان واجباً غيريّاً ، يكون مشروطاً با لزوال ، كا لصلاة ، وحينئذ فمقتضى الأصل العملي هو الاشتراط ; للشكّ في وجوبـه قبل الزوال ، كما أنّ أصا لـة البراءة تنفي تقييد الصلاة با لوضوء ، ولا منافاة بين إجراء البراءة لنفي وجوبـه قبل الزوال وبين إجرائها لنفي قيديّتـه للصلاة ، كما لايخفى .
الصورة الثالثـة:
ما إذا علم بوجوب ما شكّ في غيريّتـه ولكن شكّ في وجوب الغير ، كما إذا شكّ في وجوب الصلاة وعلم بوجوب الوضوء ولكن شكّ في كونـه غيريّاً حتّى لايجب ; لعدم وجوب الصلاة بمقتضى البراءة ، أو نفسيّاً حتّى يجب ، والأقوى في هذه الصورة وجوب الوضوء ; لأنّ المقام يكون من التوسّط في التنجيز الذي عليـه يبتني جريان البراءة في الأقلّ والأكثر الارتباطي(1) . انتهى ملخّصاً .
أقول:
لايخفى أنّ ما ذكره في القسم الأوّل مناف لما ذهب إليـه في مبحث الأقلّ والأكثر الارتباطي(2) .
توضيحـه:
أ نّـه يظهر من الشيخ في الرسائل في ذلك المبحث جريان البراءة با لنسبـة إلى وجوب الأكثر ; لأنّ العلم الإجما لي بوجوب الأقلّ والأكثر ينحلّ إلى علم تفصيلي بوجوب الأقلّ وشكّ بدويّ في وجوب الأكثر ; لأنّ الأقلّ واجب على كلّ حال ، سواء كان الأكثر واجباً أم لم يكن ، غايـة الأمر أنّ وجوبـه في الأوّل غيريّ ، وفي الثاني نفسي ، فيكون وجوب الأكثر مورداً لجريان البراءة(3) .
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 222 ـ 223.
- 2 ـ لاحظ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 156 ـ 157.
- 3 ـ فرائد الاُصول 2: 462 ـ 463.
(الصفحة 65)
واعترض عليـه المحقّق الخراساني في الكفايـة بما حاصلـه : أنّ وجوب الأقلّ على كلّ تقدير يتوقّف على تنجّز التكليف على كلّ تقدير ، سواء كان متعلّقاً بالأقلّ أو بالأكثر ، فإنّـه لو لم يتنجّز التكليف بالأكثر على تقدير تعلّقـه بـه ، لم يجب الإتيان بالأقلّ أيضاً ; لأنّ وجوبـه إنّما يكون بتبع وجوب الأكثر ، كما هو واضح ، فلو لم يكن الأمر المتعلّق بـه منجّزاً ، لم يلزم الإتيان بالأقلّ أيضاً ، فوجوب الإتيان بـه على كلّ تقدير يتوقّف على وجوب الإتيان بالأكثر على كلّ تقدير ، فيلزم من وجوب الأقلّ على كلّ تقدير عدم وجوبـه على كلّ تقدير ، وما يلزم من وجوبـه عدمـه محال(1) .
وأورد عليـه المحقّق النائيني ـ على ما في التقريرات ـ بما حاصلـه : أنّ ذلك مبنيّ على أن يكون وجوب الأقلّ مقدّميّاً على تقدير تعلّق التكليف بالأكثر ، فيستقيم حينئذ ما أفاده من عدم الانحلال .
ألا ترى أ نّـه لو علم إجمالاً بوجوب نصب السلّم أو الصعود على السطح وتردّد وجوب الأوّل بين كونـه نفسيّاً أو غيريّاً متولّداً من وجوب الثاني ، فا لعلم التفصيلي بوجوب نصب السلّم لايوجب انحلال العلم الإجما لي بوجوب النصب أو الصعود ، فإنّ العلم التفصيلي بوجوبـه يتوقّف على وجوب الصعود على السطح ; إذ مع عدم الوجوب ـ كما هو لازم الانحلال ـ لايعلم تفصيلاً بوجوب النصب ; لاحتمال أن يكون وجوبـه غيريّاً متولّداً من وجوب الصعود ، وذلك كلّـه واضح ، إلاّ أنّ المقام ليس من هذا القبيل ; لما عرفت من أنّ وجوب الأقلّ على تقدير تولّده من وجوب الأكثر لايكون غيريّاً ، فإنّ الأجزاء إنّما تجب بعين وجوب الكلّ ، ولايمكن أن يجتمع في الأجزاء كلٌّ من الوجوب النفسي والغيري ، فحينئذ
(الصفحة 66)
لايكون وجوب الأقلّ على كلّ تقدير متوقّفاً على وجوب الأكثر على تقدير تعلّقـه بـه ، فلايكون العلم بوجوبـه على كلّ تقدير متوقّفاً على شيء آخر ، فهو واجب با لوجوب النفسي على كلّ تقدير ، كما هو واضح(1) . انتهى ملخّص ما أفاده من ا لإيراد الأوّل على الكفايـة .
وأنت خبير بأنّ لازم ما ذكره هناك من تسليم عدم الانحلال فيما لو كان وجوب الأقلّ غيريّاً ، لا كالأجزاء : عدم جريان البراءة في الصورة الاُولى من المقام با لنسبـة إلى تقييد الصلاة با لوضوء ; لأنّـه يعلم إجمالاً بوجوبها إمّا مطلقاً أو مشروطاً با لوضوء ، والمفروض عدم انحلال العلم الإجما لي هنا ; لأنّـه لاشكّ في أنّ وجوب الوضوء على تقدير كونـه قيداً للصلاة يكون غيريّاً ، وليس كالأجزاء ، فمقتضى ما ذكره في مبحث الأقلّ والأكثر عدم جريان البراءة با لنسبـة إلى تقييد الصلاة بـه كما اختاره هنا .
ثمّ إنّـه لو قلنا بجريان البراءة بالإضافـة إلى هذا التقييد ، فلايكون الإتيان با لوضوء لازماً عند العقل ; لأنّ وجوبـه متردّد بين الوجوب الذي يستحقّ العقوبـة على تركـه وبين ا لوجوب الغيري الذي لايكون كذلك ، والمفروض عدم حجّـة للمولى با لنسبـة إلى العقاب ، فلايحكم العقل بلزوم إتيانـه أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
هذا كلّـه با لنسبـة إلى الصورة الاُولى .
وأمّا الصورة الثانيـة:
فالأمر كما ذكره(قدس سره) .
وأمّا الصورة الثالثـة:
فيرد عليها أ نّـه كيف يمكن اجتماع العلم بوجوب الوضوء على كلّ تقدير مع الشكّ في وجوب الصلاة ؟ ! لما ذكره المحقّق
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 156 ـ 157.
(الصفحة 67)
ا لخراساني اعتراضاً على الشيخ ، وقد عرفت أ نّـه(قدس سره) قد سلّم الاعتراض في أمثال المقام ممّا يكون الوجوب غيريّاً ، لا كالأجزاء ، فا لواجب في هذه الصورة ا لإتيان با لصلاة والوضوء معاً .
تنبيهات
التنبيـه الأوّل: في كيفيّـة الثواب والعقاب الاُخروي
بقي في المقام شيء ، وهو : أ نّـه هل يترتّب العقاب والثواب على فعل الواجب الغيري وتركـه بعد الفراغ عن استحقاق الثواب والعقاب على فعل الواجب النفسي وتركـه ؟ وإلاّ فالأمرفيـه أيضاً مورد إشكال ، وينبغي بيان ا لحال فيـه على نحوا لاختصار .
فنقول:
لو كان الثواب عبارةً عن الصور البهيّـة التي تتمثّل الأعمال الحسنـة بتلك الصور ، وتصير النفس بها مستعدّةً للكمالات ، والعقاب عبارة عن الصور الموحشـة التي تتمثّل الأعمال القبيحـة بتلك الصور الملازمـة للنفس المبتلى بها ويكون لها مدخليـة في انحطاط النفس ونقصانها ، كما يقول بـه الأعاظم من الفلاسفـة(1) ، فلا إشكال في أ نّهما من لوازم العمل بحيث يمتنع ا لانفكاك عنـه ; لأنّهما من الآثار الوضعيـة للأعمال الحسنـة والقبيحـة ، ولايعقل الانفكاك بينهما وبين تلك ا لصور ، وحينئذ فلايصحّ التعبير بالاستحقاق بعدما عرفت من استحا لـة الانفكاك ، كما لايخفى لو كان الثواب عبارة عمّا تدلّ عليـه ظواهر
- 1 ـ مجموعـة مصنّفات شيخ الإشراق 2: 229 ـ 235، الحكمـة المتعاليـة 9: 4 ـ 5
و293 ـ 296.