(الصفحة 207)
كونها مندرجةً تحت قاعدة «ا لامتناع بالاختيار لاينافي ا لاختيار» فا لحقّ ما عليـه صاحب ا لكفايـة من عدم كونـه مأموراً بـه ولامنهيّاً عنـه ، وعلى عدم كونها صغرى لها(1) ، فا لحقّ ما عليـه ا لشيخ من كونـه مأموراً بـه فقط(2) ثمّ اختار عدم ا لاندراج ، وتمسّك في ذلك بأربعـة أوجـه(3) .
ولكن لايخفى أنّ هذه ا لقاعدة بعيدة عن ا لمقام بمراحل ، بل لايكون بينهما ربط أصلاً ; لما ذكره في ا لكفايـة في بيان موردها ، فراجعها(4) .
التنبيـه الثالث: حكم الصلاة في الدار المغصوبـة
قد عرفت أنّ ا لصلاة في ا لدار ا لمغصوبـة لا مانع فيها من حيث اجتماع ا لتكليفين ، وأمّا حكمها ا لوصفي فنحن وإن اخترنا ا لبطلان بناءً على ا لاجتماع في ا لمقدّمـة ا لسادسـة ا لمعدّة لبيان ثمرة ا لقولين ، نظراً إ لى أنّ ا لمبعّد لايمكن أن يكون مقرّباً ، إلاّ أ نّك عرفت في مسأ لـة إمكان اجتماع ا لمحبوبيّـة وا لمبغوضيّـة وا لصلاح وا لفساد أ نّـه لا مانع من ذلك أصلاً ; لأنّ ا لمقرّب إنّما هو حيثيـة ا لصلاتيـة ، وا لمبعّد إنّما هو حيثيّـة ا لغصبيـة ، فا لحقّ صحّـة ا لصلاة بناءً على ا لقول بالاجتماع ، وأمّا بناءً على ا لامتناع : فقد عرفت تفصيل ا لقول فيـه في تلك ا لمقدّمـة ، فراجع .
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 204.
- 2 ـ مطارح الأنظار: 153 / السطر 33.
- 3 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 447 ـ 451.
- 4 ـ كفايـة الاُصول: 209 ـ 210.
(الصفحة 208)
الفصل الثالث
في اقتضاء النهي عن الشيء فساده وعدمه
ولابدّ من تقديم اُمور :
الأمر الأوّل: حول عنوان المسألـة
ربّما يعبّر عن محلّ النزاع تارة بأنّ النهي عن الشيء هل يقتضي فساده أم لا ؟ واُخرى بأنّ النهي عن الشيء هل يدلّ على فساده أم لا ؟ ولايخفى إمكان المناقشـة في كلٍّ منهما ; لأنّ التعبير بالاقتضاء الذي معناه بحسب العرف واللغـة هو التأثير والسببيّـة لايناسب المقام ، كما لايخفى .
وأمّا التعبير با لدلالـة : فلايناسب القول با لفساد من جهـة ملازمـة الحرمـة معـه لا من جهـة كون النهي إرشاداً إليـه فالأولى التعبير بأنّ النهي هل يكشف عن فساد المنهي عنـه عبادة كان أو معاملـة أم لا .
الأمر الثاني: في اُصوليّـة هـذه المسألـة
قد عرفت الفرق بين هذه المسأ لـة وبين مسأ لـة اجتماع الأمر والنهي في
(الصفحة 209)
بعض مقدّمات تلك المسأ لـة ، والظاهر كون المسأ لـة اُصوليّةً ; لأنّ نتيجتها تقع في طريق الاستنباط كما هو واضح .
هل المسألـة عقليّـة أو لفظيّـة؟
قد يقال : بأنّ المسأ لـة عقليـة صرفـة ، وقد يقال : لفظيـة محضـة ، والظاهر عدم كونها ممحّضاً في أحدهما ; لأنّ المدّعى في المسأ لـة صحّـة العبادة وبطلانها ، سواء كان طريق الإثبات في ذلك اللّفظ بأن يكون النهي إرشاداً إلى الفساد وعدمـه ، أو العقل ; للملازمـة بين المبغوضيّـة والفساد وعدمها .
مضافاً إلى اختلاف الاستدلالات من هذه الجهـة ، فبعضها ظاهر في الدلالـة بحسب العرف ، وبعضها في الدلالـة بحسب العقل .
ودعوى أنّ المسأ لـة عقليـة محضـة ـ كما في الدّرر ـ لأنّ القائل با لبطلان يتمسّك بعدم إمكان صيرورة المبغوض عبادة(1) ، مدفوعـة : بعدم اختصاص استدلالهم بذلك ، بل ربّما يتمسّكون با لدلالـة العرفيـة ، كما في الفصول(2) ، فراجع .
الأمر الثالث: تفسير وصفي الصحّـة والفساد
ذكر في الكفايـة في معنى الصحّـة والفساد ما حاصلـه : أ نّهما وصفان إضافيّان ، ومعنى الأوّل هي التماميـة ، والثاني هو النقص ، والصحّـة في العبادة والمعاملـة بمعنى واحد ، وهو التماميـة ، والاختلاف في الآثار المرغوبـة منهما
- 1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 185.
- 2 ـ الفصول الغرويّـة: 140 / السطر 30.
(الصفحة 210)
ا لتي با لقياس عليها تتّصف با لتماميـة ، وهكذا الاختلاف بين الفقيـه والمتكلّم في تفسير صحّـة العبادة إنّما يكون لأجل الاختلاف فيما هو المهمّ لكلٍّ منهما من الأثر بعد الاتّفاق على أ نّها بمعنى التماميـة ، كما هي معناها لغةً وعرفاً(1) .
أقول:
من الواضح أنّ الصحّـة والفساد لايساوقان التماميـة والنقص بحسب اللغـة والعرف ; لما نرى با لوجدان من اختلاف موارد استعما لهما ، فلايقال على الإنسان الفاقد للبصر مثلاً : إنّـه فاسد ، ولا على الفاكهـة التي طرأ عليها بعض العوارض فأخرجها عمّا يقتضيـه بحسب نوعها : إنّها ناقصـة ، ولا على البيت الخا ليـة من السقف أو الجدار مثلاً : إنّـه فاسد ، بل يقال : ناقص ، ولا على المعجون المشتمل على جميع أجزائـه الغير المترتّب عليـه الأثر المقصود منـه ; لطروّ بعض العوارض عليـه : إنّـه ناقص ، بل يقال لـه : إنّـه فاسد .
وبا لجملـة ، فاختلاف موارد استعما لهما ممّا لاينبغي الارتياب فيـه .
والحقّ الذي يطابقـه الوجدان:
أنّ معنى التماميـة يرجع إلى اشتمال الشيء المركّب على جميع ما اعتبر فيـه من الأجزاء والشرائط ، والنقص عبارة عن فقدانـه لبعض تلك الأجزاء أو الشرائط ، والتقابل بينهما تقابل العدم والملكـة .
وأمّا الصحّـة فهي عبارة عن كون الشيء في وجوده الخارجي مطابقاً لما يقتضيـه طبعـه الأوّلي بحسب نوعـه والفساد عبارة عن خروجـه عن مقتضى طبعـه الأوّلي لطروّ بعض الأسباب الموجبـة لذلك ، وهو كا لصحّـة أمر وجودي ، والتقابل بينهما تقابل الضدّين .
نعم ، لا ننكر أنّ الصحّـة قد استعملت في العبادات والمعاملات بمعنى التماميـة ; إذ العبادة الصحيحـة مثلاً هو ما كان جامعاً لجميع الأجزاء والشرائط
(الصفحة 211)
ا لمعتبرة فيـه ، وكذا المعاملـة ، والفساد قد استعملت فيهما بمعنى النقص ، كما هو واضح ، ولكن هذا الاستعمال إمّا أن يكون اصطلاحاً خاصّاً من الفقهاء ، وإمّا أن يكون مجازيّاً ، وقرينتـه المشابهـة ; لأنّ الصلاة الفاقدة لبعض أجزائها مثلاً كأ نّها قد خرجت عن مقتضى طبعها الأوّلي .
نعم على التقدير الثاني قد بلغ الآن إلى حدّ الحقيقـة ; لعدم احتياجـه إلى القرينـة أصلاً ، كما هو واضح .
ثمّ لايخفى أنّ التماميـة والنقص وصفان إضافيان ، فيمكن أن يكون المركّب تامّاً من حيث أجزائـه مثلاً ، وناقصاً من حيث شرائطـه ، والصحّـة والفساد في العبادات والمعاملات وإن عرفت أ نّهما يساوقان التماميـة والنقص إلاّ أنّ أثرهما ـ وهو الإضافـة ـ لايسري إلى الصحّـة والفساد ; لأنّـه لايقال على الصلاة الجامعـة لجميع أجزائها الفاقدة لبعض شرائطها مثلاً : إنّها صحيحـة من حيث الأجزاء ، وفاسدة من حيث الشرائط ، بل أمرها يدور بين الصحّـة بقول مطلق ، والفساد كذلك ، كما لايخفى .
وهكذا المعاملات ، فإنّ أمرها أيضاً دائر بين الصحّـة فقط ، والفساد كذلك .
ثمّ إنّ الصحّـة والفساد وصفان واقعيّان لايختلفان بحسب الأنظار واقعاً ، بل مرجع الاختلاف إلى تخطئـة كلٍّ من الناظرين نظر صاحبـه بمعنى أنّ المصيب إنّما هو نظر واحد فقط ، غايـة الأمر أنّ كلاّ يدّعي إصابـة نظره ، وذلك لايقتضي اختلافهما بحسب الأنظار واقعاً .
فما في الكفايـة:
من اختلافهما بحسب الأنظار ; لكون الأمر في الشريعـة على أقسام ، وقد وقع الخلاف في إجزاء غير الأمر الواقعي عنـه(1) .
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 220 ـ 221.