(الصفحة 42)
ترتّب المصلحـة على ضيافـة زيد مثلاً قد لايتوقّف على نزولـه في منزل المضيف ولكن يمكن أن يكون أمره معلّقاً عليـه .
وبا لجملـة فجعل هذا هو الملاك في شرائط الوجوب منقوض طرداً وعكساً ، كما عرفت ، ومنـه يظهر بطلان ما ذكره ملاكاً لشرائط الواجب ، كما لايخفى .
فالمناط فيهما هو ما ذكرناه:
من أنّ شرائط الوجوب عبارة عن القيود التي لايكون لها دخل في تحقّق المراد بمعنى عدم مدخليّتـه في تعلّق الإرادة بـه ، كما أنّ شرائط الواجب هي التي لها مدخليـة في حصول الغرض الباعث على تعلّق الإرادة .
في توقّف فعليّـة الوجوب على شرطـه
ثمّ إنّـه يقع الكلام بعد هذا في أ نّـه هل يكون الواجب المشروط متعلّقاً للإرادة عند حصول شرطـه بمعنى أ نّـه لا إرادة قبل تحقّقـه ، أو أنّ الإرادة تتعلّق بـه فعلاً ولكن على تقدير حصول أمر خاص ؟ ويكون الفرق حينئذ بينـه وبين الواجب المعلّق هو أنّ الوجوب المطلق يتعلّق بأمر خاص في الواجب المعلّق ، والوجوب الخاصّ يتعلّق بأمر مطلق في الواجب المشروط .
ربّما ينسب إلى المشهور الأوّل(1) ، واختار بعض الأعاظم ـ على ما في ا لتقريرات المنسوبـة إليـه ـ الثاني(2) .
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 121، بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 338 / السطر الأخير.
- 2 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 338 / السطر 19.
(الصفحة 43)
ولابدّ قبل الخوض في ذلك من بيان حقيقـة الحكم .
فنقول:
هل الحكم عبارة عن نفس الإرادة التشريعيـة الكامنـة في نفس الحاكم مطلقاً أو بشرط أن يظهرها المريد بأحد المظهرات من القول أو الفعل أو أ نّـه منتزع من البعث أو الزجر اللَّذين هما مفاد هيئـة الأمر والنهي ؟ وجوه ، والظاهر هو الثا لث ; لأنّ مجرّد تعلّق الإرادة التشريعيـة بشيء لايعدّ من باب تعلّق الحكم بـه وإن كانت ربّما يجب متابعتها ، فإنّ وجوب المتابعـة ليس متفرّعاً على خصوص حكم المولى ، بل لو اطّلع العبد على تعلّق إرادة المولى بإتيانـه شيئاً ، فا للازم ـ كما يحكم بـه العقل والعقلاء ـ متابعـة إرادتـه ، بل ربّما يجب تحصيل غرضـه وإن لم تنقدح إرادة متعلّقـة بـه في نفس المولى لغفلتـه أو نومـه أو غيرهما .
ألا ترى أ نّـه لو أشرف ولد المولى مثلاً على الغرق في البحر ولم يكن المولى مطّلعاً عليـه حتى يبعث العبد نحو خلاص ولده ، يكون على العبد ذلك وأن ينجي ولده من الهلاك .
وبا لجملـة ، فوجوب الإتيان عقلاً أعمّ من الحكم ، والذي يطابقـه الوجدان هو أنّ منشأ انتزاع الحكم هو نفس البعث والزجر المتوجّهين إلى العبد ، وحينئذ فلا إشكال في عدم تحقّق الحكم قبل حصول الشرط ; لعدم ثبوت البعث قبلـه ، كما هو واضح .
إذا عرفت ما ذكرنا:
فاعلم أنّ بعض الأعاظم بعد اختياره أنّ الحكم عبارة عن نفس الإرادة التشريعيّـة التي يظهرها المريد با لقول أو الفعل(1) ذهب إلى خلاف ما عليـه المشهور ، وأنّ الإرادة في الواجب المشروط موجودة قبل تحقّق
- 1 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 339 / السطر 2.
(الصفحة 44)
ا لشرط مدّعياً أنّ الوجدان دليل عليـه .
قال : فإنّا نجد من أنفسنا إرادة العمل الذي يكون فيـه مصلحـة لنا على تقدير خاص وإن لم يكن ذلك التقدير متحقّقاً با لفعل(1) .
وأنت خبير بأ نّـه لو سلّم انتزاع الحكم عن نفس الإرادة المظهرة ، فلا نسلّم انتزاعـه عن هذا النحو من الإرادة المتحقّقـة في الواجب المشروط ، كما لايخفى .
في إشكالات الواجب المشروط على مسلك المشهور
ثمّ إنّـه ربّما يورد على مذهب المشهور بإيرادات شتّى :
منها:
ما أورده عليـه ذلك البعض المتقدّم ـ على ما في التقريرات المنسوبـة إليـه ـ من أ نّـه لا إشكال في إنشاء الشارع للتكليف المشروط قبل تحقّق شرطـه ، ولاريب في أنّ إنشاء التكليف من المقدّمات التي يتوصّل بها المولى إلى تحصيل المكلّف بـه في الخارج ، والواجب المشروط على المشهور ليس بمراد للمولى قبل تحقّق شرطـه في الخارج ، فكيف يتصوّر أن يتوصّل العاقل إلى تحصيل ما لايريده فعلاً ؟ ! فلابدّ أن يلتزم المشهور في دفع هذا الإشكال بوجود غرض نفسي في نفس إنشاء التكليف المشروط قبل تحقّق شرطـه ، وهو كما ترى .
ولكن من التزم بما ذهبنا إليـه لايرد عليـه هذا الإشكال ; لفعليـة الإرادة قبل تحقّق الشرط ، فا لمولى يتوصّل بإنشائـه إلى ما يريده فعلاً وإن كان على تقدير(2) . انتهى .
وأنت خبير بأنّـه لم يكن للمشهور الالتزام بما ذكره أصلاً،
فإنّ الإنشاءات
- 1 ـ نفس المصدر 1: 342 / السطر 3.
- 2 ـ نفس المصدر 1: 346 ـ 347.
(الصفحة 45)
وإن كانت للتوصّل إلى تحصيل المراد إلاّ أ نّـه حيث يكون المكلّفون مختلفين من حيث تحقّق الشرط با لنسبـة إليهم وعدمـه لابأس بإنشاء الوجوب على النحو المذكور وإن لم يكن الشرط حاصلاً با لنسبـة إلى بعض المكلّفين ، كما أنّ الإنشاءات الواقعـة في الشريعـة إنّما هي على نحو القوانين الكلّيـة ، فلايمكن أن تكون متوقّفةً على تحقّق شرائطها ، كما هو واضح لايخفى .
هذا ، مضافاً إلى أنّ هذا الإيراد لايدفع بما التزمـه في الواجب المشروط ، فتدبّر .
منها:
ـ وهي عمدتها ـ أ نّـه لو كانت الإرادة المتعلّقـة با لواجب المشروط حاصلةً عند تحقّق الشرط لا قبلـه ، يلزم أن لا تكون المقدّمات الوجودية لتحقّق الواجب المشروط واجبةً با لوجوب الغيري قبل تحقّق الشرط ; لعدم كون ذي المقدّمـة واجباً قبلـه حتّى يسري الوجوب منها إلى مقدّمتـه ، وهذا بخلاف ما لو قيل بتحقّق الإرادة قبل حصول الشرط ، كما التزم بـه بعض الأعاظم(قدس سره) على ما عرفت ، فإنّ تعلّق الإرادة الغيريـة با لمقدّمات لوجود الإرادة النفسيـة المتعلّقـة بذي المقدّمـة با لفعل .
والتحقيق في دفع الإيراد عن المشهور أن يقال:
إنّ ما اشتهر في الألسن وتكرّر في أكثر الكلمات من أنّ الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة ناشئـة ومترشّحـة من الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة ، وكذا الوجوب المتعلّق بالاُولى سار من الوجوب المتعلّق با لثانيـة ليس على ما ينبغي ، بل محلّ نظر ومنع ، كما عرفت في صدر مبحث المقدّمـة ; فإنّـه لا معنى لكون الإرادة علّةً موجدة لإرادة اُخرى ، فإنّ كلّ إرادة فلها مباد ومقدّمات مخصوصـة ، فكما أنّ الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة ناشئـة من المبادئ الخاصـة بها فكذلك الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة لها مقدّمات ومباد مخصوصـة بها ، غايـة الأمر أنّ تعلّق الإرادة بها لحصول مطلوبـه الأوّلي
(الصفحة 46)
ا لذي تعلّقت بـه الإرادة الأوّليـة .
وبا لجملـة فلا إشكال في أنّ كلّ إرادة معلولـة للنفس وموجدة بفعّا ليتها ، ولايعقل أن تكون علّتـه الإرادة المتعلّقـة بشيء آخر ، كما حقّق في محلّـه ، وهكذا الوجوب المتعلّق بشيء لايعقل أن يسري إلى شيء آخر أصلاً .
وحينئذ فنقول:
إنّ الملازمـة بين الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة وبين الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة على تقدير ثبوتها إنّما هي لتوقّف حصول غرض المولى على تحقّقها في الخارج ، لا لتحقّق الإرادة بذي المقدّمـة ، فإن تعلّقها بها أيضاً للتوصّل إلى تحصيل غرضـه ، فإذا فرض في مقام عدم تعلّق الإرادة الفعليـة بذي المقدّمـة ـ كما في المقام ـ فلايمنع عن تعلّق الإرادة الفعليـة با لمقدّمـة ; لبقاء ملاك تعلّق الإرادة بها ، وهي توقّف حصول غرض المولى عليها على حا لها .
وبا لجملـة ، فلو فرض في مقام اطّلاع العبد على أنّ المولى يريد شيئاً على تقدير خاص ، وفرض العلم بتحقّق ذلك التقدير المستلزم للعلم بإرادتـه قطعاً ، وفرض أيضاً توقّف حصول ذلك الشيء على أمر لايمكن تحصيلـه بعد تحقّق شرط الوجوب ، فمن الواضح أنّ العقل يحكم بوجوب الإتيان بمقدّمـة ذلك الشيء وإن لم تكن الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة موجودةً با لفعل .
وا لحاصل أ نّـه حيث يكون الدائر على ألسنتهم أنّ الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة ناشئـة من الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة ، ورأوا أنّ المشهور لايلتزمون بوجود الإرادة قبل تحقّق الشرط في الواجب المشروط ، فلذا أوردوا على المشهور بأ نّـه لايبقى وجـه لوجوب المقدّمـة قبل تحقّق الشرط(1) .
- 1 ـ هدايـة المسترشدين: 217 / السطر 1، بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 346 / السطر 22.