(الصفحة 140)
با لعصيان لو كان لـه معنى معقول .
والحاصل:
إمّا أن يكون الشرط أيّ شيء كان مؤثّراً في سقوط خطاب الأهمّ ، فلايبقى مجال للترتّب ، وإمّا أن لايكون كذلك ، فيلزم طلب الجمع ، كما هو واضح .
حول أمثلـة الترتّب
ثمّ لايخفى أنّ الفروع التي أوردها في التقريرات للإلزام بصحّـة الخطاب الترتّبي(1) ، مضافاً إلى أنّ غايـة ما يدلّ عليها هو إمكان أن يكون بعض الخطابات مترتّباً على البعض الآخر وفي طولـه ، وهو ممّا لاينكره أحد حتّى القائلين بامتناع الترتّب ; لوروده في الشرع كثيراً ، نظير الأمر با لتوبـة ، المترتّب على تحقّق العصيان والذنب ، وغير ذلك من الموارد الكثيرة ، بل الذي يقول بـه القائل بالامتناع هو عدم تأثير الترتّب في دفع غائلـة طلب الجمع بين الضدّين المستحيل با لبداهـة ، ولايظهر من الفروع ذلك نقول : إنّ معنى النقض بشيء هو أن يكون المنقوض بـه مسلّماً بين المتخاصمين بحيث لا مجال لهما لإنكاره ، وحينئذ فنقول : إنّ مسأ لـة الإقامـة التي أوردها فيها لا تكون مورداً للنقض ; لأنّ الذي ورد في الشرع هو وجوب الصوم والإتمام على تقدير قصد الإقامـة عشرة أيّام ، لا معلّقاً على نفس الإقامـة ، وحينئذ فلو كان ذلك القصد محرّماً ، لتعلّق النذر أو العهد أو اليمين بعدمـه ، فما دام لم يتحقّق لايكون وجوب الصوم والإتمام متحقّقاً ، وبمجرّد تحقّقـه الذي يسقط بسببـه النهي المتعلّق بـه لحصول ا لعصيان بتحقّق الأمر بالإتمام ولكن بعد سقوط النهي كما عرفت .
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 357 ـ 359.
(الصفحة 141)
هذا ، ولو سلّم كون الشرط لوجوب القصر والإتمام هو نفس الإقامـة مثلاً ، فمن المعلوم أنّ تحقّقـه موقوف على تحقّق الإقامـة عشرة أيّام ، وحينئذ فإذا تحقّقت يجيء الأمر بالإتمام وبا لصوم ، فقبل تحقّقها لايكون هنا إلاّ النهي ، وبعد تحقّقها المستلزم لسقوط النهي با لعصيان لايكون هنا إلاّ الأمر با لصوم وبالإتمام ، فأين يلزم الترتّب .
ثمّ لو سلّم الجميع ، فا لكلام إنّما هو فيما لو كان الأمر الثاني مشروطاً بما يتأخّر عن الأمر الأوّل من عصيان ونحوه ، مع أنّ مورد النقض يكون الأمر با لصوم أو الإتمام مترتّباً على نفس الإقامـة بناءً عليـه ، ومن المعلوم أنّ الإقامـة لايكون متأخّراً عن النهي المتعلّق بها حتّى يلزم الترتّب ، فا لمقام يكون طلباً للجمع حينئذ مع عدم الترتّب والطوليـة ، كما لايخفى .
ولنختم بذلك الكلام في الترتّب ، وقد عرفت في صدر المبحث ما هو مقتضى التحقيق ، فتأمّل جيّداً .
(الصفحة 142)الفصل السادس
في جواز الأمر مع العلم بانتفاء شرطـه
ربّما يحتمل في عنوان النزاع احتمالات :
أحدها:
أن يكون المراد با لجواز الإمكان الوقوعي ، والضمير في شرطـه راجعاً إلى نفس الأمر ، فمرجع النزاع حينئذ إلى إمكان تحقّق المعلول من دون تماميـة علّتـه .
الثاني:
أن يكون الضمير أيضاً راجعاً إلى نفس الأمر ولكن كان المراد با لجواز الإمكان الذاتي ، فمرجع النزاع حينئذ إلى أنّ تحقّق الأمر مع عدم تحقّق علّتـه هل هو من الممكنات الذاتيـة التي لاينافي عروض الامتناع لها والوجوب من ناحيـة وجود العلّـة وعدمها .
الثالث:
أن يكون الضمير راجعاً إلى المأمور بـه أو المأمور ، فيرجع النزاع إلى جواز الأمر مع العلم بكون المكلّف غير قادر على إتيان المأمور بـه إمّا لفقد شرطـه أو لعلّـة فيـه .
هذا ، ولكن النزاع على الوجهين الأوّلين ـ مضافاً إلى كونـه بعيداً عن محلّ الخلاف بين الأعلام ـ ينافي ظاهر العنوان من حيث أخذ العلم فيـه ، فإنّـه لو كان
(الصفحة 143)
ا لنزاع في إمكان تحقّق المعلول بدون علّـة بالإمكان الوقوعي أو الذاتي ، فلا مجال لكون العلم دخيلاً فيـه أصلاً ، كما هو واضح ، فينحصر أن يكون المراد هو الاحتمال الثا لث ، ومرجعـه إلى النزاع بين العدليـة والأشاعرة ، فإنّهم اختلفوا في جواز التكليف با لمحال ، فذهب الطائفـة الاُولى إلى عدم الجواز خلافاً للطائفـة الثانيـة القائلين با لجواز ، ولعلّ قولهم با لجواز مبني على ما ذكروه في مبحث الطلب والإرادة وكونهما مختلفين ، وإلاّ فلايعقل أن تتحقّق الإرادة با لنسبـة إلى مَنْ يعلم عدم صدور الفعل منـه ، كما هو واضح .
وكيف كان فا لذي يقتضيـه التحقيق في مورد النزاع هو أن يقال : إنّ الأوامر على قسمين :
أحدهما:
الأوامر الشخصيـة الجزئيـة المتوجّهـة إلى أشخاص المأمورين .
ثانيهما:
الأوامر الكليّـة المتوجّهـة إلى المكلّفين بنحو العموم .
أمّا ما يكون من قبيل الأوّل : فعدم إمكان تحقّقـه في صورة العلم بانتفاء شرط تحقّق المأمور بـه واضح ضروري ، وذلك لأنّ غايـة البعث إنّما هو الانبعاث وحركـة المكلّف نحو المطلوب ، فإذا فرض العلم بعدم إمكان تحقّق الانبعاث ـ كما في المقام ـ فيستحيل تحقّق البعث والتحريك من الآمر ; إذ مع العلم بعدم ترتّب الغايـة عليـه كيف يمكن أن ينقدح في نفسـه إرادة البعث مع أنّ من مبادئ الإرادة التصديق بفائدة المراد ، ولعمري أنّ هذا واضح جدّاً .
وأمّا ما يكون من قبيل القسم الثاني الذي إليـه ترجع الخطابات الشرعيـة الواردة بنحو العموم المتوجّهـة إلى الناس كذلك أيضاً ، فلايخفى أ نّـه لايضرّ بذلك كون بعض المكلّفين غير قادرين على الإتيان با لمأمور بـه ، فإنّ توجيـه الأمر بهذا النحو لايشترط فيـه إلاّ كون الأمر صا لحاً لانبعاث المكلّفين بحسب النوع ، وأمّا مجرّد العلم بعدم تحقّق الانبعاث با لنسبـة إلى بعض المكلّفين فلايضرّ بتوجيـه
(الصفحة 144)
ا لأمر بهذا النحو .
نعم لو كان المكلّفون بحسب النوع غير منبعثين ، لاستحال تعلّق الأمر بهذا النحو أيضاً ، وقد عرفت تفصيل الكلام في الفرق بين قسمي الأمر والخطاب في صدر مبحث الترتّب ، فراجع .