(الصفحة 174)
ا لتعارض مبنيّاً على إحراز وحدة الملاك والمناط ، فإنّ التعارض والاختلاف موضوع عرفي وقع في الروايات الواردة في علاج المتعارضين المستدلّ بها في ذلك الباب ، فكلّ ما صدق عليـه هذا العنوان بنظر العرف يترتّب عليـه أحكامـه المذكورة في تلك الروايات ، سواء كان المناطان موجودين في مورد الاجتماع أم لا ، فإنّـه لا ارتباط لـه بباب المناط أصلاً .
وبا لجملـة ، فباب التعارض من الأبواب العرفيـة التي لا مجال للعقل ولا طريق لـه إليـه أصلاً ، فكلّ مورد حكم العرف بصدق هذا الموضوع يترتّب عليـه أحكامـه ، بخلاف مسأ لتنا هذه ، فإنّها مسأ لـة عقليـة محضـة لا طريق للعرف إليها أصلاً .
نعم في تطبيق هذه المسأ لـة على الموارد الخارجيـة نحتاج إلى إحراز المناطين في مورد الاجتماع ، بخلاف باب التعارض ، فإنّـه غير مرتبط بباب المناط أصلاً ، بل لابدّ من الرجوع إلى العرف في تشخيص الموضوع .
وبا لجملـة ، فا لفرق بين المقام وبين باب التعارض بهذا الوجـه الذي ذكره في الكفايـة(1) ممّا لم يعرف لـه وجـه أصلاً .
الأمر السادس: في ثمرة بحث الاجتماع
وفيـه جهات من البحث :
الجهـة الاُولى: ثمرة النزاع على القول بجواز الاجتماع
إنّهم ذكروا في ثمرة النزاع أ نّـه بناء على القول بجواز الاجتماع لا إشكال
(الصفحة 175)
في صحّـة الصلاة في الدار المغصوبـة وحصول الامتثال بها وإن كان معصيةً ; للنهي أيضاً .
لكنّ التحقيق يقتضي خلافـه ، وأنّ القائل با لجواز لايمكن لـه القول با لصحّـة أصلاً .
وينبغي أوّلاً حكايـة ما ذكره المحقّق النائيني
ـ على ما في تقريراتـه ـ في وجـه القول بجواز الاجتماع من المقدّمات التي لو تمّت يترتّب عليها صحّـة الصلاة في الدار المغصوبـة ، ثمّ بيان ما يمكن أن يورد عليـه من الإيرادات ، وهذه المقدّمات وإن كانت طويلةً ; لما عرفت من كونها مصنوعةً لإثبات القول با لجواز ، إلاّ أ نّا نذكرها بطريق الاختصار ، ونحيل التفصيل إلى مقامـه ، فنقول :
منها:
بساطـة المقولات ، وأنّ ما بـه الاشتراك فيها عين ما بـه الامتياز .
ومنها:
تغاير المقولات بحسب الحقيقـة والهويّـة واعتبارها بشرط لابا لنسبـة إلى أنفسها ، فاجتماعها لايعقل أن يكون على نحو الاتّحاد بحيث يكون ما بحذاء أحدهما في الخارج عين ما بحذاء الآخر .
ومنها:
كون الحركـة في كلّ مقولـة عين تلك المقولـة ، ولا تكون الحركـة جنساً للمقولات حتّى يلزم التركيب فيها ، ولا هي أيضاً من الأعراض المستقلّـة حتّى يلزم قيام عرض بعرض .
وبعد هذه المقدّمات يظهر:
تعدّد متعلّق الأمر والنهي ; إذ الصلاة إنّما تكون من مقولـة الوضع سواء قلنا : إنّ المأمور بـه في مثل الركوع والسجود هو الهيئـة كما هو مختار الجواهر(1) أو الفعل كما هو المختار ، فيكون الانحناء إلى الركوع أوضاعاً متلاصقـة متّصلـة ، والغصب إنّما يكون من مقولـة الأين ; إذ ليس الغصب
- 1 ـ جواهر الكلام 10: 69 و 123 ـ 124.
(الصفحة 176)
إلاّ عبارة عن شاغليـة الشخص للمكان ، فتوهّم اجتماع الصلاة والغصب في الحركـة مع وحدتها مندفع بأ نّـه إن كان المراد من وحدة الحركـة وحدتها با لعدد بحيث تعدّ حركـة واحدة ، فهذا ممّا لاينفع ، وإن كان المراد منها وحدة الحركـة الصلاتيـة والحركـة الغصبيـة با لهويـة والحقيقـة ، فهذا ممّا لايعقل ; لاستدعاء ذلك اتّحاد المقولتين ; لما عرفت من أنّ الحركـة في كلّ مقولـة عين تلك المقولـة .
وبا لجملـة ، الحركـة لايعقل أن تكون بمنزلـة الجنس للصلاة والغصب ، وبحيث يشتركان فيها ويمتازان بأمر آخر ; للزوم التركيب في الأعراض ، وليست عرضاً آخر غير المقولات ; للزوم قيام العرض با لعرض ، وهو محال ، فلابدّ من أن تكون الحركـة في كلّ مقولـة عين تلك المقولـة ، وحينئذ يظهر أ نّـه كما أنّ الصلاة مغايرة با لحقيقـة للغصب ، فكذا الحركـة الصلاتيـة مغايرة للحركـة الغصبيـة ، ويكون في المجمع حركتان : حركـة صلاتيـة ، وحركـة غصبيـة ، وليس المراد من الحركـة رفع اليد ووضعـه وحركـة الرأس والرجل ووضعهما ، فإنّ ذلك لا دخل لـه في المقام حتّى يبحث عن أ نّها واحدة أو متعدّدة ، بل المراد من الحركـة : الحركـة الصلاتيـة والحركـة الغصبيـة ، وهما متعدّدتان ، فلا محا لـة ، فأين يلزم تعلّق الأمر والنهي بعين ما تعلّق بـه الآخر .
هذا كلّـه ، مضافاً إلى أنّ الإضافـة الحاصلـة بين المكان والمكين ونسبتـه إليـه لايعقل أن تختلف بين أن يكون المكين من مقولـة الجوهر أو من مقولـة الأعراض ، وكما لايعقل التركيب الاتّحادي بين الجوهر والإضافـة في قولك : زيد في الدار ، كذلك لايعقل التركيب الاتّحادي بين الضرب والإضافـة في قولك : ضرب زيد في الدار ، أو الصلاة والإضافـة في قولك : صلاة زيد في الدار ، وكما
(الصفحة 177)
لايكون زيد غصباً كذلك لا تكون الصلاة غصباً(1) . انتهى كلامـه في غايـة ا لتلخيص .
وقد عرفت:
أنّ هذا الكلام لو تمّ لترتّب عليـه صحّـة الصلاة في ا لدارا لمغصوبـة ; لأنّـه بعد كون الحركـة الصلاتيـة مغايرة للحركـة الغصبيـة لايكون المبغوض والمبعّد عن ساحـة المولى بعينـه محبوباً ومقرّباً للعبد نحو المولى حتّى يقال باستحا لـة كون المبعّد مقرّباً ، فإنّ المبغوض هي الحركـة الغصبيـة ، والمحبوب هي الحركـة الصلاتيـة .
وبا لجملـة ، بعد فرض تعدّد الحركـة لايبقى مجال للإشكال في صحّـة الصلاة ; لعدم الارتباط بين الحركتين ، فا لحركـة الصلاتيـة تؤثّر في القرب ، والغصبيـة تؤثّر في البعد .
هذا، ولكن يرد على ما ذكره أوّلاً:
أنّ الصلاة ليست بنفسها من المقولات ; لأنّها مركّب اعتباري ، واجزاؤها عبارة عن الحقائق المختلفـة والهويّات المتشتّتـة ، فلايعقل أن تكون بنفسها مندرجةً تحت مقولة واحدة ، وكذا الغصب ليس مندرجاً تحت مقولـة أصلاً ، فإنّـه عبارة عن الاستيلاء والتسلّط على مال الغير عدواناً ، ومن المعلوم أنّ ذلك أمر اعتباري يعتبره العرف والعقلاء ، وليس من الاُمور الواقعيـة والحقائق ، نظير سلطـة الشخص على مال نفسـه .
هذا ، مضافاً إلى أنّ ما يتّحد مع الصلاة في الدار المغصوبـة ليس هو الغصب ; لما عرفت من أ نّـه عبارة عن التسلّط على مال الغير عدواناً ، وهذا المعنى ممّا لايرتبط با لصلاة أصلاً ، بل الذي يتّحد معها هو التصرّف في مال الغير بغير إذنـه ، الذي محرّم آخر غير الغصب ، وبينهما عموم من وجـه ، كما لايخفى .
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 427 ـ 428.
(الصفحة 178)
ومن المعلوم أنّ التصرّف جامع انتزاعي للأفعال المرتبطـة إلى مال الغير من الكون فيـه وسائر التصرّفات ، وليس التصرّف بنفسـه من المقولات أصلاً ، بل المندرج تحتها إنّما هو مصاديق التصرّف .
فظهر أنّ ما يكون مندرجاً تحت مقولـة من المقولات من مصاديق التصرّف المتّحدة مع الصلاة إنّما هو الكون في المكان المغصوب ، الذي هو من مقولـة الأين ، وإلاّ فا لغصب وكذا التصرّف بعنوانـه ليسا من المقولـة أصلاً كما لايخفى .
وثانياً:
أنّ الركوع ـ وهو الفعل الخاصّ الصادر من المكلّف كما هو الأقوى وفاقاً لـه ـ يمكن أن يكون من مقولـة الأين ; لما ذكره المستدلّ من أنّ الحركـة في كلّ مقولـة عين تلك المقولـة ، فا لرأس المتحيّز في حيّز مخصوص إذا تحرّك منـه إلى مكان آخر ، يكون ذلك حركـة في الأين ، وإن كان بالإضافـة إلى حدوث حا لـة اُخرى وكيفيـة حادثـة با لنسبـة إلى أجزاء الإنسان بعضها مع بعض يكون حركةً في الوضع ، وحينئذ فا لركوع الذي يكون حركـة واحدة أينيّـة صار متعلّقاً للحبّ والبغض ; لعدم كون المقولتين حينئذ متعدّداً حتّى يستحيل تركيب الاتّحادي بينهما ، بل صار كلٌّ من الركوع والكون في مكان مغصوب ، الذي هو مصداق للتصرّف في مال الغير مندرجاً تحت مقولـة الأين ، فصارت الحركـة حركةً واحدة أينيّة .
ثمّ إنّ ما ذكرناه من أنّ مصاديق التصرّف في مال الغير تكون مندرجةً تحت المقولات فإنّما هو مبني على المسامحـة ، ضرورة أنّ المندرج تحتها إنّما هو مصداق ذات التصرّف ، لا مقيّداً بكونـه في مال الغير ، فا لكون في المكان إنّما يكون مندرجاً تحت مقولـة الأين ، لا الكون في المكان المغصوب ، فإنّ غصبيـة المكان خارج عن ذلك أصلاً .
وهذا أيضاً ممّا يورد بـه على المستدلّ ، فإنّـه بعد العدول عن الغصب إلى