(الصفحة 280)
كذلك لايجوز فيما إذا شكّ في الجزء الآخر(1) ، ممّا لايصحّ أصلاً ; لأنّ التخصيص ليس كا لتقييد في تضييق دائرة الموضوع ، فإنّ الموضوع في المثال هو جميع أفراد العا لم بلا قيد إلاّ أنّ التخصيص يكشف عن عدم تعلّق الإرادة الجدّيـة بجميع ما هو مراد استعمالاً ، وقد عرفت أنّ المراد با لعامّ قبل ورود التخصيص وبعده هو جميع الأفراد ، وإلاّ يلزم المجازيـة .
وبا لجملـة ، فا لموضوع في باب العلم هو الأفراد لا الطبيعـة ، كما في باب المطلق ، والتخصيص لايوجب التضييق ، بخلاف التقييد .
حول جواز التمسّك بالعامّ في الشبهـة المصداقيّـة
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أ نّـه قد يقال بجواز التمسّك با لعامّ في الشبهـة المصداقيـة للمخصّص .
وقد استدلّ لـه بوجوه أجودها ما ذكره في الكفايـة من أنّ الخاصّ إنّما يزاحم العامّ فيما كان فعلاً حجّـة ، ومن المعلوم أ نّـه حجّـة با لنسبـة إلى مَنْ علم أ نّـه من مصاديقـه ، وأمّا با لنسبـة إلى الفرد المشتبـه فلايكون حجّةً ، فلايعارض العامّ فيـه ، ولايزاحمـه ، فإنّـه يكون من قبيل مزاحمـة الحجّـة بغير الحجّـة(2) .
ولايخفى فساده .
بيان ذلك:
أنّ مناط حجّية الدليل إنّما هوباجتماع هذه المراتب الثلاثـة فيه :
الاُولى:
كونـه ظاهراً بحسب معناه اللغوي أو العرفي في المعنى المقصود للمتكلّم .
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 525.
- 2 ـ كفايـة الاُصول: 258 ـ 259.
(الصفحة 281)
الثانيـة:
أصا لـة الحقيقـة التي تقتضي كون الظاهر مراداً لـه .
الثالثـة:
أصا لـة تطابق الإرادة الجدّيـة مع الإرادة الاستعما ليـة بمعنى كون المتكلّم مريداً لمعناه الحقيقي جدّاً بحيث لايكون هازلاً ، ومع كون الدليل فاقداً لشيء من هذه المراتب لايصحّ الاحتجاج بـه على العبد ، كما هو واضح .
وحينئذ فنقول:
إنّ هنا دليلين : أحدهما : قولـه : أكرم العلماء ، ثانيهما : قولـه : لا تكرم الفسّاق منهم ، فلو كان الدليل منحصراً في الأوّل ، لكانت المراتب الثلاثـة مجتمعةً فيـه ، وحاكمةً بوجوب إكرام جميع العلماء جدّاً ، إلاّ أنّ جريانها في الدليل الثاني يقتضي كون الإرادة الجدّيـة متعلّقةً با لزجر عن إكرام الفسّاق من العلماء ، فيرفع اليد بسببـه عن الأصل العقلائي الجاري في الأوّل مع قطع النظر عن الثاني ، فيقتصر في جريانـه على المورد الخارج عن الدليل المخصّص واقعاً ، فيظهر أنّ هنا إرادتين جدّيتين : إحداهما تعلّقت بوجوب إكرام العا لم الغير الفاسق الواقعي ، والاُخرى با لزجر عن إكرام الفاسق الواقعي ، فإذا شكّ في فرد أ نّـه هل يكون عا لماً فاسقاً أو غير فاسق ؟ فمرجع الشكّ إلى أ نّـه هل يكون داخلاً في المراد بالإرادة الجدّيـة الأوّليـة أو داخلاً في المراد بالإرادة الجدّيـة الثانويـة ؟ فكما أ نّـه لايجوز التمسّك با لخاصّ والرجوع إليـه ـ كما هو المفروض ـ للشك في تعلّق الإرادة بـه كذلك لايجوز التمسّك با لعامّ أيضاً ; للشكّ في تعلّق الإرادة الجدّيـة بـه ; إذ لا فرق بينهما من هذه الجهـة ، ومجرّد كونـه داخلاً في العموم بحسب الظاهر لايقتضي حجّيتـه با لنسبـة إليـه بعدما عرفت من توقّفها على تعلّق الإرادة الجدّيـة بـه أيضاً ، وهي مقصورة على العا لم الغير الفاسق .
ومن هنا يعرف فساد ما ذكره:
من أنّ الخاصّ لايعارض العامّ ; لأنّـه من قبيل مزاحمـة الحجّـة بغير الحجّـة ، فإنّك عرفت أنّ العامّ أيضاً لايكون حجّةً حتّى يكون من ذاك القبيل ; لقصوره عن شمولـه بما هو حجّـة ; لأنّ حجّيتـه مقصورة
(الصفحة 282)
على غير مورد الخاصّ ، فعدم شمول العامّ لـه ; لقصور فيـه ، لا لمزاحمتـه با لخاصّ حتى يستشكل عليـه بما ذكر .
وبا لجملـة ، فبناء العقلاء لايكون على العمل با لدليل فيما إذا شكّ في كونـه متعلّقاً للإرادة الجدّيـة ، ولذا لايعملون با لخاصّ في الفرد المشتبـه ، ولابا لعامّ في الفرد الذي شكّ كونـه عا لماً .
هذا هو غايـة ما يمكن أن يقال في تقريب مراد الكفايـة .
هذا ، ولايرد نظير هذا الكلام في العامّ المخصّص با لمنفصل المردّد بين الأقلّ والأكثر بحسب المفهوم الذي قلنا بجواز الرجوع في المورد المشكوك إلى العامّ ، وذلك لأنّ دليل الخاصّ فاقد للمرتبـة الاُولى التي هي عبارة عن الظهور ; لأنّ معناه اللغوي مردّد بينهما ، فحجّيتـه مقصورة على القدر المتيقّن ، وهو مرتكب الكبيرة في المثال ، فيرفع اليد عن العامّ با لنسبـة إلى خصوص المتّصف بهذه الصفـة ، ويبقى حجّـة في غير مورده ، فلا إشكال في جواز الرجوع إليـه .
ثمّ إنّـه لايخفى عدم الفرق فيما ذكرنا بين كون المخصّص لفظياً أو لبيّاً ; إذ لا فرق بين أن يقول المولى : لا تكرم الفسّاق من العلماء ، وبين أن يحكم العقل بذلك ; إذ حكم العقل عبارة عن الكبريات الكلّيـة ، فالإرادة الجدّيـة أيضاً على طبقها ، فيجري الكلام المتقدّم بعينـه .
وجـه آخر لعدم جواز التمسّك بالعامّ في الشبهـة المصداقيّـة
ثمّ إنّـه حكي عن مقالات المحقّق العراقي وجـه آخر لعدم جواز التمسّك با لعامّ في الشبهـة المصداقيـة للمخصّص ، وهو : أنّ حجّيـة الظهور منحصرة في الدلالـة التصديقيـة للكلام الملقى من المتكلّم ، ولا تتحقّق تلك الدلالـة إلاّ بعد كون المتكلّم بصدد إبراز مرامـه بكلامـه وإفهام غرضـه بـه ، ويتوقّف ذلك على
(الصفحة 283)
تصوّره وثبوتـه عنده ، ومع الشكّ ـ كما هو المفروض في المقام ـ لايتعلّق بـه غرضـه حتّى يفيده بكلامـه ، فإذا كان شاكّاً في كون زيد عا لماً كيف يتعلّق غرضـه بإكرامـه ؟ ! ومع عدمـه لايكون المقصود با للّفظ إفهامـه ، ومعـه لايكون الظهور حجّةً أصلاً با لنسبة إلى المورد الذي لم يتعلّق الغرض بإفهامـه ، ونسب هذا الوجـه إلى الشيخ الأنصاري(قدس سره)(1) .
وأنت خبير بأ نّـه ـ مضافاً إلى أنّ كلام الشيخ لايستفاد منـه هذا الوجـه ، بل مفاده يرجع إلى ما ذكرنا ممّا عرفت ـ نقول : هذا الوجـه لايتمّ أصلاً ، وذلك لأنّ مقصود المتكلّم إنّما هو بيان الكبريات الكلّيـة ، والجهل بصغرياتها خارجاً لايضرّ بتعلّق الغرض بها ثمّ إفادتها با للّفظ ; لأنّ من الواضح أنّ إلقاء الحكم الكلّي لو كان متوقّفاً على ثبوت صغراه عنده والعلم بحا لها يلزم أن لايتحقّق في الخارج أصلاً ; لقلّـة العلم با لصغريات تفصيلاً مع أنّ كثرتـه ممّا لايكاد ينكر .
وسرّه ما عرفت من أنّ تعلّق الغرض با لكبريات لايستلزم العلم با لصغريات أصلاً .
ألا ترى أ نّـه لو كان بعض الصغريات مشكوكاً عند المتكلّم دون المخاطب ، هل يرضى أحد بخروج ذلك البعض وعدم شمول الحكم الكلّي لـه ؟ مثلاً لو أمر المولى عبده بإنقاذ أولاده من الغرق وشكّ في بعضهم أ نّـه من أولاده أو لا ; لظلمـة أو لغيرها مع كون حا لـه معلوماً عند العبد وأ نّـه منهم ، فهل يقول أحد من العقلاء بعدم وجوب إنقاذه على العبد وإن كان يعلم بأ نّـه ولد المولى ؟ معتذراً بجهل المولى حا لـه ، بل يحكم با لوجوب العقلاء كافّـة ولو فيما علم المولى بأ نّـه ليس ولده ، وهذا واضح .
- 1 ـ مقالات الاُصول 1: 443.
(الصفحة 284)تفصيل المحقّق النائيني في المخصّص اللبّي
ثمّ إنّـه فصّل المحقّق النائيني(قدس سره) ـ على ما في التقريرات ـ في المخصّص اللبّي بين ما إذا كان الذي لم يتعلّق بـه إرادة المولى من العناوين الغير الصا لحـة لأن تكون قيداً للموضوع وكان إحرازها من وظيفـة الآمر بأن كان من قبيل الملاكات وبين ما إذا كان ذلك من العناوين التي لا تصلح إلاّ أن تكون قيداً للموضوع ولم يكن إحراز انطباقها على مصاديقها من وظيفـة الآمر والمتكلّم ، بل من وظيفـة المأمور والمخاطب ، فقال با لجواز في الأوّل دون الثاني .
مثال الثاني:
قولـه(عليه السلام) :
«انظروا إلى رجل قد روى حديثنا...»(1) ، فإنّـه عامّ يشمل العادل وغيره ، إلاّ أ نّـه قام الإجماع على اعتبار العدا لـة ، فتكون قيداً للموضوع ، ولايجوز الرجوع إلى العموم عند الشكّ في عدا لـة مجتهد ، كما إذا كان اعتبار العدا لـة بدليل لفظي .
ومثال الأوّل:
قولـه(عليه السلام) :
«اللّهمَّ العن بني أُميّـة قاطبـة»(2) حيث يعلم أنّ ا لحكم لايشمل المؤمن منهم ; لأنّ اللعن لايصيب المؤمن ، فا لمؤمن خرج عن العامّ ; لانتفاء ملاكـه ، ولايكون قيداً للموضوع ; فإنّ مثل حكم اللعن لايصلح أن يعمّ المؤمن حتّى يكون خروجـه من باب التخصيص ، ويكون إحراز أنّ في بني أُميـة مؤمناً إنّما هو من وظيفـة المتكلّم حيث لايصحّ لـه إلقاء العموم إلاّ بعد إحراز ذلك ، فلو فرض أ نّـه علمنا بكون خا لد بن سعيد مثلاً مؤمناً ، كان ذلك موجباً لعدم
- 1 ـ الكافي 1: 67 / 10، وسائل الشيعـة 27: 136، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 1.
- 2 ـ كامل الزيارات: 332، الباب 71، مصباح المتهجد: 716.