(الصفحة 293)
وبين القيام ، لا أ نّـه لـه نسبـة إلى عدم ا لقيام ، فهذه القضايا متضمّنـة لسلب الحمل ، لا أ نّها يكون ا لسلب فيها محمولاً .
ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو في الحمليّات الغير الموجبـة المأوّلـة ، وأمّا السوا لب الغير المأوّلـة : فا لسلب فيها إنّما يتعلّق با لهوهويـة ، بمعنى أنّ السوا لب على قسمين أيضاً : قسم يتعلّق السلب با لهوهويـة ، كزيد ليس بموجود ، وقسم يكون السلب وارداً على النسبـة ، كقولـه : زيد ليس لـه القيام ، فقولنا بخلوّها عن النسبـة إنّما يكون النظر فيـه إلى السوا لب التي لو كانت موجبات تكون فيها النسبـة ، ضرورة أنّ غيرها لايتوهّم فيها النسبـة بعد منعها في الموجبات منها ، كما لايخفى .
الثانيـة : مناط الصدق والكذب في القضايا
ثمّ إنّ ممّا ذكرنا ظهر أنّ المناط في كون القضيّـة محتملةً للصدق والكذب ليس كون نسبتها تامّةً في مقابل النسبة الناقصة ، كما هو المعروف ; لما عرفت من خلوّ أكثر القضايا عن النسبـة حتّى تكون تامّةً أو غيرها ، بل المناط فيـه هي الحكايـة التصديقيّـة المقابلـة للحكايـة التصوّريـة ، فإنّ الحاكي عن الواقع قد يحكي عنـه تصوّراً بمعنى أ نّـه يوقع في ذهن المخاطب تصوّر الواقع ، مثل : قولـه : زيد الذي هو قائم ، وقد يحكي عنـه تصديقاً ، بمعنى أ نّـه يؤثّر با لنسبـة إلى المخاطب التصديق بها نفياً أو إثباتاً ، مثل قولـه : زيد قائم ، أو : زيد لـه القيام ، فا لملاك في احتمال القضيّـة للصدق والكذب هو هذه الحكايـة التصديقيـة لا النسبـة التامّـة ; لما عرفت ، والدالّ على تلك الحكايـة إنّما هو تركيب الجُمل الخبريـة وهيئتها الموضوعـة بإزاء ذلك .
كما أنّ ممّا ذكرنا ظهر أيضاً أنّ الملاك في كون القضيـة صادقةً ليس هو أن
(الصفحة 294)
يكون لنسبتها واقع تطابقـه ، كما هو المعروف ; لما عرفت من خلوّ أكثر القضايا عن النسبـة بحسب الواقع ، فلايكون لها بحسبـه نسبـة حتّى طابقتها ، بل المناط هو تطابقها مع نفس الواقع ونفس الأمر ، بمعنى أنّ الواقع لو كان زيد مثلاً موجوداً ، لكانت الحكايـة عنـه بقولـه : زيد موجود ، حكايـة صادقـة ; لأنّ الواقع مشتمل على الهوهويـة والاتّحاد بينهما ، وإن لم يكن كذلك ، لكانت كاذبةً ; لعدم تحقّقها في الواقع .
ثمّ لايخفى جريان هذا المعنى في السوا لب أيضاً ; فإنّها وإن لم يكن لها واقع بل قد يصدق مع عدم الموضوع أيضاً ، إلاّ أنّ واقعها هو خلوّ صفحـة الواقع عن الهوهويـة أو النسبـة بين موضوعها ومحمولها ، فصدق قولـه : زيد ليس بقائم ، إنّما هو بخلوّ الواقع عن الاتّحاد بينهما ، كما أنّ صدق قولـه : زيد ليس لـه البياض ، إنّما هو بخلوّه عن النسبـة والربط بينهما .
الثا لثـة : في القضايا المفتقرة إلى وجود الموضوع
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ القضيّـة الموجبـة قد تكون محصّلةً ، وقد تكون معدولةً ، والمراد با لثاني هو أن يحمل المحمول السلبي على الموضوع ، مثل قولـه : زيد لا قائم .
وهذان القسمان يجريان في السوا لب أيضاً ; فإنّها أيضاً قد تكون محصّلةً ، وقد تكون معدولةً ، والمعدولة مطلقاً قد تكون معدولةَ الموضوع ، وقد تكون معدولةَ المحمول ، وقد تكون معدولةَ الطرفين ، وللقضيّة الموجبة قسم ثا لث يسمّى با لموجبـة السا لبـة المحمول ، وهو : أن يحمل القضيّـة السلبيـة على الموضوع ، مثل قولـه : زيد هو الذي ليس بقائم .
ولايخفى أنّ القضايا الموجبـة على أقسامها الثلاثـة تحتاج إلى وجود
(الصفحة 295)
الموضوع ; فإنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت لـه ، بخلاف القضايا السا لبـة ; فإنّها تصدق مع عدم الموضوع أيضاً ، كما هو واضح .
الرابعـة : اعتبارات موضوع العامّ المخصّص
إذا عرفت ذلك كلّـه ، فاعلم أنّ التخصيص وإن لم يوجب تقييد حكم العامّ بحيث يوجب أن يكون الحكم المنشأ متعلّقاً بغير مورد الخاصّ ، إلاّ أ نّـه يوجب تضييق الموضوع في الإرادة الجدّيـة ، وتخصيصـه بغير مورده ، فقولـه : أكرم العلماء ، بعد تخصيصـه بلا تكرم الفسّاق منهم ، يكون المراد بـه هو إكرام العلماء الغير الفسّاق ، وحينئذ نقول : إنّ أخذ هذا الأمر العدمي في الموضوع يمكن أن يكون نظير القضيـة الموجبـة المعدولـة المحمول بحيث يكون الأمر السلبي محمولاً عليـه ووصفاً لـه ، فيصير الموضوع حينئذ هو إكرام العلماء الموصوفين بغير الفسق ، ويمكن أن يكون نظير القضيّـة الموجبـة السا لبـة المحمول ، فيكون القيد كا لمحمول فيها قضيّـة سا لبـة ، فيصير الموضوع حينئذ هو إكرام العلماء الذين لايكونون فاسقين .
وأمّا احتمال أن يكون أخذ القيد العدمي في المقام نظير القضيّـة السا لبـة المحصّلـة الصادقـة مع عدم الموضوع بحيث يكون الموضوع في المقام هو : العا لم ليس بفاسق ، بحيث لاينافي عدم الموضوع ، فمندفع بأنّ هذا النحو من الموضوع لايعقل أن يكون موضوعاً للأحكام الشرعيـة ، فإنّـه لايعقل إيجاب إكرام العا لم ليس بفاسق الصادق مع عدم العلم أيضاً كما هو واضح .
نعم يمكن أن يؤخذ موضوعـه مفروض الوجود بأن يقال : العا لم الموجود ليس بفاسق ، مثل أن يقال : زيد الموجود ليس بقائم ، فإنّ مع فرض وجود الموضوع ينحصر فرض صدق القضيـة في عدم ثبوت المحمول لـه في الواقع ،
(الصفحة 296)
وحينئذ نقول : لامجال لجريان الاستصحاب في المرأة التي شكّ في كونها قرشيـة لإثبات عدم كونها كذلك ، فيترتّب عليها حكم المرأة الغير القرشيـة ، وهو رؤيتها الدم إلى خمسين .
أمّا على الاحتمال الأوّل
ـ الذي يكون مرجعـه إلى أنّ الموضوع هي المرأة المتّصفـة بوصف الغير القرشيـة ـ فواضح ; لأنّ ثبوت الوصف إنّما يتوقّف على تحقّق الموصوف وثبوتـه ، وهذه المرأة المتولّدة في الحال لم تكن متحقّقةً في الأزل فضلاً عن أن تكون متّصفةً بوصف ، فليس للاستصحاب حا لة سابقة أصلاً .
وكذا على الاحتمال الثاني
الذي مرجعـه إلى جعل نظير القضيّـة السا لبـة وصفاً للموضوع ، فإنّ اتّصافـه بـه مشروط بوجوده ، والمعلوم خلافـه في الأزل ، فضلاً عن اتّصافـه بـه ، فلا مجال للاستصحاب أصلاً .
وأمّا على الاحتمال الأخير
الذي كان مرجعـه إلى أنّ أخذ القيد العدمي لا على سبيل الوصف ، ولكن كان موضوعـه مفروض الوجود ، فا لظاهر أيضاً عدم جريان الاستصحاب ; لأنّ المفيد في المسأ لـة إنّما هو استصحاب عدم قرشيـة مرأة خاصـة ، والمعلوم أنّ الموضوع كان منتفياً في الأزل ; لأنّ المصحّح للإشارة إليها بأنّ هذه المرأة لم تكن قرشيّةً إنّما هو الوجود ; إذ لايعقل الإشارة إلى الأعدام حسّيةً كانت أو عقليّةً .
وما تقدّم في تقريب القول با لجريان من إمكان أن يقال : هذه المرأة ، مشيراً إلى ماهيتها ، إلى آخره ، فهو غير صحيح ; لأنّ الماهيّـة قبل وجودها لا تكون شيئاً حتّى يمكن أن تقع مشاراً إليها .
إن قلت:
نجعل الحا لـة السابقـة : المرأة الغير القرشيـة على نحو القضايا السا لبـة التي تكون أعمّ من وجود الموضوع [و] نستصحبها إلى زمان وجودها ، فيصير الموضوع موجوداً ، فيترتّب عليـه الحكم .
(الصفحة 297)
قلت:
استصحاب تلك الحا لـة وجرّها إلى زمان وجود المرأة وإن كان صحيحاً من حيث وجود الحا لـة السابقـة إلاّ أنّ تطبيق تلك الحا لـة التي تكون أعمّ من وجود الموضوع على الحا لـة اللاّحقـة المشروطـة بوجود الموضوع يكون بحكم العقل ، فهو يكون حينئذ مثبتاً ; لأنّ الأثر الشرعي مترتّب على الخاصّ ، وإثباتـه إنّما هو بحكم العقل ، فا لحقّ عدم جريان هذا الاستصحاب ونظائره ، كاستصحاب عدم قابليّـة التذكيـة ، وأمّا استصحاب غير العدم الأزلي : فالأقوى جريانـه فيما إذا كانت لـه حا لـة سابقـة متيقّنـة في بعض الموارد لا مطلقاً .
وتفصيلـه:
أ نّـه لو قال : أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم ، أو كان المخصّص منفصلاً ، ثمّ شكّ في أنّ زيداً العا لم هل يكون فاسقاً أو لا ، فتارة يكون زيد في السابق عا لماً غير فاسق يقيناً ، فلاشبهـة في جريان الاستصحاب با لنسبـة إلى العا لم المقيّد بذلك القيد ، فيترتّب عليـه حكم العامّ لتنقيح موضوعـه بالاستصحاب ، فيدخل في الكبرى الكلّيـة ، واُخرى يكون في السابق غير فاسق يقيناً ولكن لم يكن عا لماً ، فالآن شكّ في بقاء عدا لتـه مع العلم باتّصافـه با لعا لميـة في الحال ، والظاهر عدم جريان الاستصحاب حينئذ ; لأنّ القاعدة الكلّيـة في صحّـة جريان الاستصحاب الموضوعي أن يكون المستصحب بنفسـه صغرىً لإحدى الكبريات الشرعيـة بلاواسطـة ، وفي المقام ليس كذلك ; لأنّ استصحاب كون زيد غير فاسق إنّما يجدي في إثبات كونـه غير فاسق ، ولكنّـه لايكون موضوعاً للحكم الشرعي ، ضرورة أ نّـه تعلّق با لعا لم الغير الفاسق ، وإثباتـه بضميمـة الوجدان ، ضرورة أنّ زيداً لو كان في الحا لـة اللاّحقـة غير فاسق يكون عا لماً غير فاسق إنّما هو بحكم العقل ، فيصير الأصل مثبتاً ، فلايجري ، كما أ نّـه لايجري فيما إذا كان عا لماً فاسقاً في الزمان السابق ثمّ صار عادلاً في اللاّحق
|