(الصفحة 20)هل المسألـة عقليـة أو لفظيـة؟
ثمّ إنّـه بعـد الفراغ عن كونها مسأ لـة اُصوليـة يقع الكلام في أ نّها اُصوليـة عقليـة أو لفظيـة ؟
وا لتحقيق أن يقال بابتناء ذلك على كون الدلالـة الالتزاميـة من الدلالات اللفظيـة ، نظير المطابقـة والتضمّن ، وعدمـه ، كما هو الحقّ ، فإن قلنا بالأوّل ، تكون مسأ لةً اُصولية لفظية ، ولعلّـه الوجـه في ذكر المسأ لة في مباحث الألفاظ .
وإن قلنا با لثاني ، تكون عقليةً ويمكن أن يقال بكون المقام مسأ لة اُصولية عقليـة وإن قلنا بكون الدلالـة الالتزاميـة من الدلالات اللفظيـة .
توضيحـه : أنّ عدّ الدلالـة الالتزاميـة من الدلالات اللفظيـة إنّما هو فيما إذا كان الملزوم هو المدلول المطابقي للّفظ ، فهو يدلّ أوّلاً عليـه ، وبتوسيطـه يدلّ على المعنى اللازم لمدلولـه المطابقي ، وهنا ليس كذلك ; لأنّ النزاع في ثبوت الملازمـة بين الإرادة المتعلّقـة با لبعث إلى ذي المقدّمـة وبين الإرادة المتعلّقـة با لبعث إلى المقدّمـة ، فا لتلازم على فرض ثبوتـه إنّما هو بين الإرادتين ، ومن المعلوم أ نّـه لاتكون إحداهما مدلولاً مطابقيّاً للّفظ حتى يدلّ اللّفظ بتوسيطـه على الآخر ، بل مفاد اللّفظ هو البعث المتعلّق بذي المقدّمـة ، وهو وإن كان كاشفاً عن ثبوت الإرادة القبليـة إلاّ أنّ ذلك ليس من باب الدلالـة اللفظيـة عليـه ، بل من باب أنّ الفعل الاختياري كاشف عن ثبوت الإرادة المتعلّقـة بـه قبلـه .
وبالجملـة:
فلم يكن أحد المتلازمين مدلولاً مطابقياً للّفظ أصلاً ، بل كلاهما خارجان عن معناه الموضوع لـه ، وحينئذ فليس إلى ادّعاء الدلالـة اللفظيـة في المقام سبيل أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
(الصفحة 21)
الأمر الثالث
في تقسيمات المقدّمـة
ثمّ إنّـه ربّما تقسّم المقدّمـة بتقسيمات لابدّ من ذكرها وبيان أنّ أيّ قسم منها داخل في محلّ البحث ومورد النزاع .
تقسيم المقدّمـة إلى الخارجيّـة والداخليّـة
فنقول : من التقسيمات تقسيمها إلى الخارجيـة والداخليـة ، والمراد بالأوّل هي الاُمور الخارجـة عن حقيقـة المأمور بـه التي لايكاد يمكن تحقّقـه بدون واحد منها ، وبا لثاني هي الاُمور التي يتركّب منها المأمور بـه ، ولها مدخليـة في حقيقتـه .
لا إشكال في كون المقدّمات الخارجيـة داخلـة في مورد البحث ، وإنّما الكلام في المقدّمات الداخليـة ، وأ نّها هل تكون داخلةً في محلّ النزاع أم لا ؟
قد يقال باختصاص البحث بخصوص المقدّمات الخارجيـة ; لأنّ الأجزاء لاتكون سابقةً على الكلّ ومقدّمةً عليـه ; لأنّ الكلّ ليس إلاّ نفس الأجزاء بالأسر(1) .
وقد ذكر بعض الأعاظم في دفع الإشكال أنّ المقدّمـة عبارة عن نفس الأجزاء بالأسر ، والمركّب عبارة عن تلك الأجزاء بشرط الانضمام والاجتماع ، فتحصل المغايرة بينهما(2) .
- 1 ـ اُنظر هداية المسترشدين: 216 / السطر 6.
- 2 ـ كفايـة الاُصول: 115.
(الصفحة 22)
هذا ، ولايخفى أنّ هذا الكلام لايدفع بـه الإشكال ; لأنّ مجرّد المغايرة الاعتباريـة بينهما الراجعـة إلى أنّ في الواقع لايكون إلاّ أمر واحد وشيء فارد لايصحّح عنوان المقدّميـة المتوقّف على أن يكون هنا شيء متقدّم في الوجود على ذيها وسابق عليها ; إذ لايعقل أن يتقدّم شيء واحد على نفسـه ، وهذا واضح .
وتحقيق المقام أن يقال:
إنّ المركّبات على قسمين :
الأوّل:
المركّبات الحقيقيـة .
الثاني:
المركّبات غير الحقيقيـة .
وا لمراد بالأوّل هي المركّبات من الجنس والفصل والمادّة والصورة .
ولايخفى أنّ هذا القسم خارج عن محلّ البحث بالاتّفاق ; لأنّ الجنس والفصل من الأجزاء التحليليـة العقليـة ولا وجود لها في الخارج ، والصورة والمادّة وإن كانتا موجودتين في الخارج إلاّ أ نّـه لا امتياز بينهما وبين المركّب منهما ليتوقّف عليهما ، وهذا واضح .
وا لمراد با لقسم الثاني هو المركّب من الأشياء المتخا لفـة الحقائق والاُمور المتبائنـة ، وهو على قسمين :
الأوّل:
المركّبات الصناعيـة ، وهي المركّب من الاُمور المتعدّدة بحيث يكون لذلك المركّب عنوان واحد من دون توقّف على أن تكون وحدتها معتبرةً باعتبار معتبر ، وهذا كا لمسجد والدار والبيت والسرير وأمثا لها .
والثاني:
المركّبات الاعتباريـة ، وهي المركّب من الاُمور المتعدّدة الملحوظـة بنظر الوحدة لأجل مدخليتها بتمامها في حصول غرض واحد ، وترتّب مصلحـة واحدة عليها ، وهذا كأكثر المركّبات .
وهذان القسمان قد وقعا محلّ الخلاف في أ نّـه هل يكونان داخلين في مورد النزاع أم لا .
(الصفحة 23)
إذا عرفت ما ذكرنا، فنقول:
إذا أراد الفاعل بناء مسجد مثلاً ، فلا إشكال في أ نّـه يتصوّره وما يترتّب عليـه من الفوائد ثمّ يشتاق إليـه ثمّ يُريده ، وربّما لايتوجّـه إلى أجزاء المسجد في مقام تعلّق الإرادة ببنائـه أصلاً ، بل تكون كلّها مغفولاً عنها .
ثمّ إذا شرع في العمل ورأى أنّ تحقّق المسجد يتوقّف على اُمور متعدّدة ، فلا محا لـة يريد كلّ واحد منها ; لتوقّف حصول الغرض الأقصى عليـه .
غايـة الأمر أنّ الإرادة المتعلّقـة بها ليست لأجل نفسها ، بل لحصول غيرها ، لا أن تكون تلك الإرادة مترشّحةً عن الإرادة المتعلّقة ببناء المسجد ومسبّبةً عنها ، كما عرفت في صدر المبحث ، وقد حقّق في محلّـه أنّ تعيّن الإرادة وتشخّصها إنّما هو با لمراد بمعنى أ نّـه لايمكن تحقّقها بدون المراد ، كما يشهد بـه الوجدان ، ويدلّ عليـه البرهان(1) . وكذلك لايمكن تعلّق إرادة واحدة بمرادات متعدّدة ، بل كلّ مراد يحتاج إلى إرادة مستقلّـة ، وحينئذ فالإرادة المتعلّقـة ببناء المسجد ليست هي الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمات ، وإلاّ لزم تعدّد المراد مع إرادة واحدة .
وبالجملـة:
فا لمسجد عنوان واحد قد تتعلّق بـه الإرادة لما يترتّب عليـه من الفوائد ، وفي هذه الإرادة لامدخليـة للأجزاء أصلاً بمعنى أ نّـه لو سُئل المريد عن الاشتياق با لمقدّمات لأجاب بنفيـه ، وعدم كونها مرادةً أصلاً ، ثمّ بعد علمـه بتوقّفـه عليها يريدها بالإرادة الغيريـة ; إذ من المعلوم أنّ كلّ واحد من المقدّمات يغاير المراد الأوّلي ، فكما أنّ كلّ واحد من المقدّمات الخارجيـة يصير مرادةً بالإرادة الغيريـة فكذلك المقدّمات الداخليـة بلا فرق بينهما أصلاً .
- 1 ـ الحكمـة المتعاليـة 6: 323.
(الصفحة 24)
وما يظهر من بعض الكلمات من أنّ المقدّمـة هي الأجزاء بالأسر(1) إن اُريد با لمجموعيـة عموم الأجزاء با لعموم الاستغراقي الراجع إلى أنّ المقدّمـة هي كلّ واحد من الأجزاء مستقلاّ ، فنحن لانمنعـه ، ولكن هذا لايوجب الفرق بينها وبين المقدّمات الخارجيـة أصلاً ، كما هو واضح .
وإن اُريد بها عموم الأجزاء با لعموم المجموعي الراجع إلى أنّ المجموع مقدّمـة ، فيرد عليـه : أنّ الوجدان شاهد على خلافـه ; لعدم تحقّق ملاك المقدّميـة ـ وهو التوقّف ـ إلاّ في كلّ واحد من الأجزاء .
هذا ، مضافاً إلى أنّ الأجزاء بالأسر هو المركّب لا المقدّمات .
ثمّ بما ذكرنا ظهر أمران :
الأوّل:
تحقّق ملاك المقدّميـة في الأجزاء .
الثاني:
كونها داخلةً في محلّ النزاع ; لعدم لزوم اجتماع المثلين بعد فرض أنّ متعلّق الإرادة النفسيـة هي عنوان المسجد مثلاً ، ومتعلّق الإرادة الغيريـة هي كلّ واحد من الأجزاء .
ثمّ إنّا جعلنا المثال في إرادة الفاعل وفي القسم الأوّل من المركّبات ، وعليك مقايسـة إرادة الآمر بإرادة الفاعل والقسم الثاني بالأوّل .
دفعُ وَهم: في أنحاء الوحدة الاعتباريّـة
ثمّ إنّـه ذكر المحقّق العراقي ـ على ما في التقريرات المنسوبـة إليـه ـ أنّ الوحدة الاعتباريـة يمكن أن تكون في الرتبـة السابقـة على الأمر بأن يعتبر عدّة اُمور متبائنـة شيئاً واحداً بلحاظ مدخليتها في حصول غرض واحد ، ويمكن أن