(الصفحة 366)
أحد التكليفين على الآخر ، كما هو واضح .
هذا ، مضافاً إلى أنّ لزوم الدور ـ على تقدير تسليمـه ـ لايقدح با لجمع العرفي لو تحقّق هنا .
والتحقيق أن يقال:
إنّ العرف والعقلاء لايرون التنافي بين المطلق والمقيّد في مثل المقام ، ولايحملون الأوّل على الثاني أصلاً ، بل يعملون بمقتضى ظاهر الدليلين من تعدّد التكليف ، كما فيما إذا ذكر السبب في كلّ منهما مع اختلافـه .
تنبيـه: لا فرق بين الأحكام الوضعيّـة والتكليفيّـة في حمل المطلق
لايخفى أنّ جميع ما ذكرنا في المقام يجري فيما إذا كان الدليلان واردين لإفادة الحكم الوضعي من الجزئيـة والشرطيـة والمانعيّـة ، فإنّ موارد حمل المطلق على المقيّد فيها هي بعينها موارد الحمل في الأحكام التكليفيـة ، كما هو واضح ، كما أنّ جميع ما ذكرنا في الأحكام التكليفيّـة الوجوبيـة يجري في التكا ليف المستحبّـة ، ولكنّ بناءهم فيها على حمل الأمر با لمقيّد على تأكّد الاستحباب .
ولعلّ السرّ فيـه هو : كون الغا لب في هذا الباب هو تفاوت الأفراد بحسب المراتب ، وأمّا احتمال كون ذلك بملاحظـة التسامح في أدلّـة السنن ـ كما في الكفايـة ـ فمدفوع : بأنّ التسامح فيها إنّما هو بعد فرض تماميّـة دلالـة دليلها ، ولو قيل با لحمل على المقيّد لايبقى هنا دلالـة في الإطلاق أصلاً ، كما لايخفى .
ولنختم بذلك الكلام في مباحث الألفاظ ومن اللّـه نستمدّ وبـه الاعتصام وكان ختامـه في اليوم الرابع عشر من شهر شعبان من شهور سنـة 1373
(الصفحة 367)
المقصد السادس
في أحكام القطع
(الصفحة 368)
(الصفحة 369)
بسم اللّـه الرحمن الرحيم، وبـه نستعين
الحمد للّـه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير
خلقـه محمّد أشرف النبيّين، وعلى آلـه الطيّبين،
ولعنـة اللّـه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
مقدّمـة
وبعد ، فلايخفى أنّ مباحث القطع لايكون خارجاً عن مسائل علم الاُصول كما قيل(1) ; لعدم الفرق بينـه وبين الأمارات المعتبرة شرعاً ، التي يكون البحث عنها داخلاً في علم الاُصول قطعاً .
وماذكره الشيخ(قدس سره)
في «الرسالـة»:
من أنّ إطلاق الحجّـة على القطع ليس كإطلاق الحجّـة على الأمارات المعتبرة شرعاً ; لأنّ الحجّـة عبارة عن الوسط الذي بـه يحتجّ على ثبوت الأكبر للأصغر ، ويصير واسطـة للقطع بثبوتـه لـه ، كا لتغيّر لإثبات حدوث العا لم ، وهذا المعنى متحقّق في الظنّ ، فيقال : «هذا مظنون الخمريـة ، وكلّ مظنون الخمريـة يجب الاجتناب عنـه» ، بخلاف القطع ; لأنّا إذا قطعنا بخمريـة شيء يقال : «هذا خمر ، وكلّ خمر حرام» ، ولايقال : «هذا معلوم
(الصفحة 370)
ا لخمريـة ، وكلّ معلوم الخمريـة يجب الاجتناب عنـه» ; لأنّ أحكام الخمر إنّما تثبت للخمر ، لا لما علم أنّـه خمر(1) .
فيرد عليـه:
المنع في مورد الظنّ أيضاً ، فإنّ وجوب الاجتناب مثلاً إنّما هو حكم لنفس الخمر ، لا للخمر المظنون ، كما هو واضح . فإن كان المراد با لحجّـة ما ذكره فإطلاقها على الأمارات أيضاً ممنوع ، وإن كان المراد بها هي ما يحتجّ بـه المولى على العبد ، ويصحّ لـه الاحتجاج بـه عليـه فهو متحقّق في كليهما ، كما لايخفى . ومجرّد كون حجّيـة القطع غير مجعولـة ـ بخلاف الظنّ ـ لايوجب خروجها عن مسائل علم الاُصول .
إذا عرفت ذلك فاعلم:
أنّـه ذكر الشيخ(قدس سره) في «ا لرسا لـة» : أنّ المكلّف إذا التفت إلى حكم شرعي فيحصل لـه إمّا الشكّ فيـه أوا لقطع أوا لظنّ(2) ، وظاهره ـ باعتبار أخذ الشكّ والظنّ في التقسيم ـ أنّ المراد با لحكم الشرعي هو الحكم الشرعي الواقعي .
ولذا عدل عن هذا التقسيم في «ا لكفايـة» ; نظراً إلى عدم اختصاص أحكام القطع بما إذا كان متعلّقاً بالأحكام الواقعيـة ، وعمّم متعلّق القطع(3) .
ولكنّـه يرد عليـه : أنّ جعل حكم العقل باتباع الظنّ ـ لو حصل ، وقد تمّت مقدّمات الانسداد على تقدير الحكومـة ـ في مقابل القطع ممّا لا وجـه لـه ; لأنّ المراد با لقطع الحاصل إن كان هو القطع التفصيلي فا للازم أن يكون البحث عن القطع الإجما لي في باب أحكام القطع استطرادياً ، وإن كان المراد الأعمّ منـه ومن الإجما لي فلا وجـه لجعل الظنّ المذكور مقابلاً لـه ; لأنّ حكم العقل باتباع الظنّ
- 1 ـ فرائد الاُصول 1: 4.
- 2 ـ نفس المصدر 1: 2.
- 3 ـ كفايـة الاُصول: 296.