(الصفحة 171)
غيره(1) فيتمّ لو تصرّف في عنوان النزاع ، وإلاّ فظاهره يأبى عن ذلك .
نعم لابأس بجعلها من المبادئ الأحكاميـة ، وكذا لا إشكال في كون المسأ لـة عقليةً محضة ، ولا ارتباط لها بباب الألفاظ أصلاً ، وكذا في ثبوت المناط في أقسام الوجوب والتحريم النفسي والتعييني والعيني والغيري والتخييري والكفائي .
الأمر الثالث: عدم اعتبار قيد المندوحـة
إنّـه ربّما يؤخذ في عنوان النزاع قيد المندوحـة ; نظراً إلى أنّ بدونها لا إشكال ولا خلاف في امتناع الاجتماع ، ولكن الحقّ ما في الكفايـة من أنّ وجود المندوحـة وعدمها لايرتبط بما هو المهم في محل البحث والمقصود في مورد النزاع ، فإنّ العمدة في المقام هو إمكان الاجتماع واستحا لتـه من هذه الحيثيّـة(2) .
وبعبارة اُخرى : مورد النزاع إنّما هو استكشاف حال نفس التكليف من حيث الإمكان والاستحا لـة لاحال ا لمكلّف بـه من حيث ا لمقدوريـة وعدمها ، وهذاواضح جدّاً .
الأمر الرابع: جريان النزاع حتّى مع تعلّق الأوامر والنواهي بالأفراد
ربّما يتوهّم ابتناء النزاع في هذه المسأ لـة على مسأ لـة كون متعلّق التكا ليف هل هي الطبائع أو الأفراد تارةً بمعنى أنّ النزاع إنّما يجري على خصوص القول الأوّل في تلك المسأ لـة ، وأمّا بناء على القول الثاني فلابدّ من القول
- 1 ـ كفاية الاُصول ر: 185.
- 2 ـ نفس المصدر: 187
(الصفحة 172)
بالامتناع في مسأ لتنا هذه ، واُخرى بمعنى أنّ القول با لجواز مبني على القول با لطبائع ، والامتناع على القول بالأفراد .
هذا ، ولكن تحقيق الكلام مبني على استكشاف مرادهم في تلك المسأ لـة من الفرد ، فنقول : إن كان مرادهم من الفرد هو الموجود الشخصي الواحد ، فهذا ممّا يستحيل تعلّق التكليف لـه ; للزوم تحصيل الحاصل ، كما هو واضح .
وإن كان هو عنوان الفرد المعروض للكلّيـة بمعنى أنّ متعلّق الطلب هو عنوان فرد الطبيعـة ، فلا إشكال في جريان النزاع في المقام على كلا القولين في تلك المسأ لـة ; لأنّ القائل بالاجتماع يقول بتعلّق الأمر والنهي بعنوان الفرد ، كقولـه بتعلّقهما با لطبيـة بناءً على القول الآخر في تلك المسأ لـة ، وكذا لو كان مرادهم من الفرد هو الوجود الخاصّ بنحو العموم والكلّيـة في مقابل الطبيعـة التي هي بمعنى الوجود السعي .
نعم لو كان مرادهم من الفرد هي الخصوصيات والمقارنات المتّحدة في الخارج مع وجود الطبيعـة بحيث كان مرجع قولهم إلى سرايـة الأمر من الطبيعـة إلى الخصوصيّات المقارنـة لـه في الوجود ، وكذا النهي ، فيصير المقام مبنيّاً على تلك المسأ لـة ; لأنّ خصوصيـة الغصبيـة حينئذ مثلاً تصير مورداً لتعلّق الأمر ، وخصوصيـة الصلاتيّـة مورداً لتعلّق النهي ، فكأ نّـه قال : صلّ في المكان المغصوب ، ولا تغصب في الصلاة ، ولكن يبعد أن يكون مرادهم من الفرد ذلك ، فظهر عدم ابتناء النزاع على تلك المسأ لـة أصلاً ، كما لايخفى .
الأمر الخامس: حول اعتبار وجود المناطين في المجتمع
ذكر في الكفايـة ما حاصلـه : أ نّـه لايكاد يكون من باب الاجتماع إلاّ إذا كان في كلّ واحد من متعلّقي الحكمين مناط حكمـه مطلقاً حتّى في مورد
(الصفحة 173)
ا لتصادق والاجتماع ، وأمّا إذا لم يكن لهما مناط حكمـه كذلك ، فلايكون من هذا الباب(1) . انتهى موضع الحاجـة .
أقول:
إن كان مراده من ذلك أنّ مورد النزاع في المقام هو ما كان متعلّقا الحكمين ذا مناط مطلقاً حتّى في مورد الاجتماع بحيث كان مرجعـه إلى تقييد في عنوان النزاع ، فلايخفى أ نّـه لا ارتباط لذلك بما هو المهم في مقصود البحث ومورد النزاع ; لما عرفت في وجـه عدم تقييد النزاع بقيد المندوحـة من أنّ المهم في هذا المقام جواز الاجتماع واستحا لتـه من هذه الحيثيّـة أي حيثيـة الاجتماع .
ويؤيّد كون مراده ذلك اختلاف التعبير في هذا المقام وفي مسأ لـة المندوحـة حيث إنّـه عبّر هنا بأ نّـه لايكاد يكون من باب الاجتماع ، فإنّ ظاهره تطبيق عنوان النزاع على الموارد الخارجيـة ، كما لايخفى .
وإن كان مراده من ذلك بيان الفارق بين المقام الذي هو من قبيل التزاحم وبين باب التعارض ، ودفع توهّم التناقض بين الكلمات حيث إنّهم ذكروا في باب التعارض أنّ من أقسامـه التعارض با لعموم والخصوص من وجـه ولم يذكروا في وجـه العلاج في ذلك المقام أنّ من جملـة وجوهـه الجمع بنحو يقولـه القائل بالاجتماع في ذلك المقام ، بل ذكروا أنّ علاجـه الأخذ بالأظهر إن كان ، وإلاّ التوقّف ، أو الرجوع إلى المرجّحات السنديـة على الخلاف ، وبيان الدفع على ما يظهر منـه أنّ مسأ لتنا هذه مبنيّ على إحراز المناط في مورد الاجتماع با لنسبـة إلى الحكمين ، بخلاف باب التعارض ، فإنّـه مبني على وحدة الملاك والمناط في الواقع ، ولكن لايعلم أنّ الملاك الموجود هَل هو ملاك الأمر أو النهي ، فإن كان مراده ـ أي صاحب الكفايـة ـ دفع هذا التوهّم ، فيرد عليـه : منع كون باب
(الصفحة 174)
ا لتعارض مبنيّاً على إحراز وحدة الملاك والمناط ، فإنّ التعارض والاختلاف موضوع عرفي وقع في الروايات الواردة في علاج المتعارضين المستدلّ بها في ذلك الباب ، فكلّ ما صدق عليـه هذا العنوان بنظر العرف يترتّب عليـه أحكامـه المذكورة في تلك الروايات ، سواء كان المناطان موجودين في مورد الاجتماع أم لا ، فإنّـه لا ارتباط لـه بباب المناط أصلاً .
وبا لجملـة ، فباب التعارض من الأبواب العرفيـة التي لا مجال للعقل ولا طريق لـه إليـه أصلاً ، فكلّ مورد حكم العرف بصدق هذا الموضوع يترتّب عليـه أحكامـه ، بخلاف مسأ لتنا هذه ، فإنّها مسأ لـة عقليـة محضـة لا طريق للعرف إليها أصلاً .
نعم في تطبيق هذه المسأ لـة على الموارد الخارجيـة نحتاج إلى إحراز المناطين في مورد الاجتماع ، بخلاف باب التعارض ، فإنّـه غير مرتبط بباب المناط أصلاً ، بل لابدّ من الرجوع إلى العرف في تشخيص الموضوع .
وبا لجملـة ، فا لفرق بين المقام وبين باب التعارض بهذا الوجـه الذي ذكره في الكفايـة(1) ممّا لم يعرف لـه وجـه أصلاً .
الأمر السادس: في ثمرة بحث الاجتماع
وفيـه جهات من البحث :
الجهـة الاُولى: ثمرة النزاع على القول بجواز الاجتماع
إنّهم ذكروا في ثمرة النزاع أ نّـه بناء على القول بجواز الاجتماع لا إشكال
(الصفحة 175)
في صحّـة الصلاة في الدار المغصوبـة وحصول الامتثال بها وإن كان معصيةً ; للنهي أيضاً .
لكنّ التحقيق يقتضي خلافـه ، وأنّ القائل با لجواز لايمكن لـه القول با لصحّـة أصلاً .
وينبغي أوّلاً حكايـة ما ذكره المحقّق النائيني
ـ على ما في تقريراتـه ـ في وجـه القول بجواز الاجتماع من المقدّمات التي لو تمّت يترتّب عليها صحّـة الصلاة في الدار المغصوبـة ، ثمّ بيان ما يمكن أن يورد عليـه من الإيرادات ، وهذه المقدّمات وإن كانت طويلةً ; لما عرفت من كونها مصنوعةً لإثبات القول با لجواز ، إلاّ أ نّا نذكرها بطريق الاختصار ، ونحيل التفصيل إلى مقامـه ، فنقول :
منها:
بساطـة المقولات ، وأنّ ما بـه الاشتراك فيها عين ما بـه الامتياز .
ومنها:
تغاير المقولات بحسب الحقيقـة والهويّـة واعتبارها بشرط لابا لنسبـة إلى أنفسها ، فاجتماعها لايعقل أن يكون على نحو الاتّحاد بحيث يكون ما بحذاء أحدهما في الخارج عين ما بحذاء الآخر .
ومنها:
كون الحركـة في كلّ مقولـة عين تلك المقولـة ، ولا تكون الحركـة جنساً للمقولات حتّى يلزم التركيب فيها ، ولا هي أيضاً من الأعراض المستقلّـة حتّى يلزم قيام عرض بعرض .
وبعد هذه المقدّمات يظهر:
تعدّد متعلّق الأمر والنهي ; إذ الصلاة إنّما تكون من مقولـة الوضع سواء قلنا : إنّ المأمور بـه في مثل الركوع والسجود هو الهيئـة كما هو مختار الجواهر(1) أو الفعل كما هو المختار ، فيكون الانحناء إلى الركوع أوضاعاً متلاصقـة متّصلـة ، والغصب إنّما يكون من مقولـة الأين ; إذ ليس الغصب
- 1 ـ جواهر الكلام 10: 69 و 123 ـ 124.