(الصفحة 108)
وأخذه با ليد وجعلـه محاذياً للفم وإ لقائـه فيـه ، وبعد تحقّق جميع هذه المقدّمات يتوقّف على إعمال الآلات المعدّة لبلعـه الذي عبارة عن الشرب .
وبالجملـة:
فجميع الأفعال الاختياريـة إنّما يتوقّف بعد تعلّق الإرادة بها على بعض الاُمور الجزئيـة التي يؤثّر في حصولها ، فلا فرق بينها وبين الأفعال التوليديـة أصلاً ، فإنّ الإرادة لا مدخليـة لها في التأثير في حصول الفعل ، كيف وهي من الاُمور التجرّديـة التي يمتنع أن تؤثّر في المادّيات بحيث كانت مفيضةً لها ، كما لايخفى .
ثمّ إنّـه ذكر في الدّرر أنّ العناوين المحرّمـة على ضربين:
أحدهما:
أن يكون العنوان بما هو مبغوضاً من دون تقييده بالاختيار .
ثانيهما:
أن يكون الفعل الصادر عن إرادة واختيار مبغوضاً بحيث لو صدر من غير اختياره لم يكن منافياً لغرض المولى ، فعلى الأوّل علّـة الحرام هي المقدّمات الخارجيـة من دون مدخليـة الإرادة ، بل هي علّـة لوجود علّـة الحرام ، وعلى الثاني تكون الإرادة من أجزاء العلّـة التامّـة .
ثمّ ذكر أنّ المراجعـة إلى الوجدان تقضي بتحقّق الملازمـة بين كراهـة الشيء وكراهـة العلّـة التامّـة لـه ، وفي القسم الثاني لمّا كانت العلّـة التامّـة مركّبـة من الأجزاء الخارجيـة ومن الإرادة ، ولايصحّ استناد الترك إلاّ إلى عدم الإرادة ; لأنّـه أسبق رتبةً من سائر المقدّمات ، فلايتّصف الأجزاء الخارجية با لحرمة أصلاً(1) . انتهى موضع الحاجـة من ملخّص كلامـه .
وأنت خبير:
بأ نّـه لو كان المبغوض عبارةً عن الفعل الصادر عن إرادة واختيار ، فالإرادة لها مدخليـة في نفس الحرام ، لا أن تكون من أجزاء العلّـة
- 1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 130 ـ 132.
(الصفحة 109)
ا لتامّـة ، فإنّ المحرّم هو الفعل الإراديّ بما أ نّـه إراديّ ، فلابدّ من ملاحظـة مقدّمات هذا العنوان المقيّد ، وليست الإرادة من جملتها ، فلا فرق بين هذا القسم والقسم الأوّل أصلاً ، فلابدّ أن تكون إحدى المقدّمات على سبيل التخيير محرّمةً إلاّ مع وجود باقي الأجزاء ، وانحصار الاختيار في واحدة منها ، فتحرم شخصاً كا لقسم الأوّل .
وا لتحقيق أ نّـه لو قلنا با لملازمـة في مقدّمـة الواجب ، فا لتحريم ـ الذي عبارة عن الزجر عن المحرّم ـ إنّما يختصّ با لمقدّمـة الأخيرة التي يترتّب عليها ذوها من دون فصل في جميع الأفعال ; إذ قد عرفت أ نّـه لايوجد في الأفعال الخارجيـة فعل توسّطت الإرادة بينـه وبين مقدّماتـه بأن تكون هي المؤثّر في تحقّقـه .
هذا ، مضافاً إلى ما عرفت فيما تقدّم من أنّ الإرادة أيضاً قابلـة لتعلّق التكليف بها ; لكونها من الاُمور الاختياريّـة ، ولكن هذا كلّـه إنّما هو على تقدير القول با لملازمـة في مقدّمات الواجب ، ولكن قد عرفت سابقاً أنّ مقتضى التحقيق خلافـه .
هذا تمام الكلام في مبحث المقدّمـة .
(الصفحة 110)الفصل الخامس
في اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه
وتنقيح البحث فيـه يستدعي تقديم اُمور :
الأمر الأوّل: هل هذه المسألـة اُصوليّـة أم لا؟
ذكر في التقريرات (ا لمحقّق النائيني) أ نّـه لا إشكال في كون المسأ لـة من المسائل الاُصوليّـة ; لأنّ نتيجتها تقع في طريق الاستنباط ، وكذا في عدم كونها من المباحث اللفظيـة ; لوضوح أنّ المراد من الأمر في العنوان الأعمّ من اللفظي واللبّي المستكشف من الإجماع ونحوه ، وذكر أيضاً أنّ المراد من الاقتضاء في العنوان الأعمّ من كونـه على نحو العينيّـة أو التضمّن أو الالتزام با لمعنى الأخصّ أو الأعمّ ، لأنّ لكلٍّ وجهاً بل قائلاً(1) .
أقول:
أمّا كون المسأ لـة من المسائل الاُصوليّـة : فقد ذكرنا في مسأ لـة دلالـة الأمر على الوجوب أو الاستحباب أنّ نظائر هذه المسأ لـة من المسائل
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 301.
(الصفحة 111)
ا للغويـة ، لأنّـه لا فرق بين النزاع في مدلول لفظ «ا لصعيد» الوارد في آيـة التيمّم(1) أ نّـه هل هو التراب الخا لص أو مطلق وجـه الأرض مثلاً ، وبين النزاع في مدلول الأمر مثلاً من حيث دلالتـه على الوجوب ، وكذا من حيث دلالتـه على النهي عن الضدّ ، كما لايخفى .
بل نقول : إنّ كثيراً من المسائل اللغويـة تكون من المسائل الاُصوليـة ، وذكر بعضها في الاُصول إنّما هو لشدّة الاحتياج بـه ، كما لايخفى .
وأمّا كونها من المباحث العقليـة : فلايخفى أنّ الجمع بينها وبين تفسير الاقتضاء بما يعمّ العينيّـة والجزئيّـة اللّتين هما من الدلالات اللفظيـة عندهم وإن كان يمكن المناقشـة في الثاني كا لجمع بين المتضادّين .
الأمر الثاني: معنى الاقتضاء في عنوان المسألـة
ثمّ تفسير الاقتضاء ـ الذي هو عبارة عن التأثير والسببيـة ـ بما يعمّهما تفسير بارد ، ولا مناسبـة بين معناه الحقيقي وبين هذا المعنى أصلاً .
فالأولى في التعبير عن عنوان النزاع ـ بعد إسقاط القول با لعينيـة وبا لجزئيـة لكونهما ممّا لا إشكال في بطلانهما ـ أن يقال : هل الأمر با لشيء يلازم النهي عن ضدّه أم لا ؟ غايـة الأمر أنّ عمدة النزاع في الملازمـة ينشأ من توقّف الشيء على ترك ضدّه بأن يكون ترك الضدّ مقدّمةً لفعل الضدّ الآخر ، فتصير المسأ لة من صغريات مبحث المقدّمـة ، كما لايخفى .
ثمّ إنّ المراد با لضدّ أعمّ من الضدّ الخاصّ ، فيشمل الضدّ العامّ الذي بمعنى النقيض أيضاً .
- 1 ـ النساء (4): 43، المائدة (5): 6.
(الصفحة 112)
إذا عرفت ذلك ، فنقول : هل الأمر با لشيء يستلزم النهي عن الضدّ مطلقاً ، أو لايستلزم كذلك ، أو يستلزم با لنسبـة إلى الضدّ العامّ دون الخاصّ ؟ وجوه بل أقوال .
الأمر الثالث: المهمّ من الأقوال في المسألـة
وحيث إنّ العمدة في استدلال القائلين بالاقتضاء في الضدّ الخاصّ إنّما هو إثبات المقدّميـة بين ترك الضدّ ووجود الضدّ الآخر ، فلابأس بالإشارة إلى ما هو الحقّ في هذا الباب .
وليعلم أوّلاً أنّ إثبات الاقتضاء في الضدّ الخاصّ لايتوقّف على مجرّد إثبات المقدّميـة ، بل بعد ثبوت ذلك يتوقّف على القول با لملازمـة في مقدّمـة الواجب وإثبات كونها واجبةً بعد وجوب ذيها ، ثمّ بعد ذلك على إثبات أنّ وجوب الترك ملازم لحرمـة الفعل ، وهذا يرجع إلى إثبات الاقتضاء با لنسبـة إلى الضدّ العامّ أيضاً .
الاستدلال على الاقتضاء في الضدّ الخاصّ من طريق المقدّميّـة
فتحصّل أنّ القول بالاقتضاء في الضدّ الخاصّ يتوقّف على اُمور :
الأوّل:
كون ترك أحد الضدّين مقدّمةً لوجود الآخر .
الثاني:
القول با لملازمـة .
الثالث:
القول بالاقتضاء في الضدّ العامّ أيضاً .
ولايخفى أنّ هذه المقدّمات الثلاث كلّها محلّ منع ، أمّا الثانيـة : فقد عرفت ما هو الحقّ فيها في مسأ لـة مقدّمـة الواجب ، فراجع ، وأمّا الأخير : فسيجيء ، والعمدة هي الاُولى .