(الصفحة 116)
فا لنقيض لوجود زيد هو عدمـه في مدّة وجوده الكائن مقامـه لولاه ، وإلاّ فا لعدم قبل وجوده أو بعد وجوده ليس نقيضاً لـه مع اجتماعـه مع وجوده في دار التحقّق .
وهكذا في السابق واللاّحق بحسب الرتبـة ، فإنّ النقيض للمعلول هو عدمـه في رتبـة وجوده ، لا العدم في رتبـة العلّـة المجامع معـه في التحقّق ، وإلاّ لزم ارتفاع النقيضين في مرتبـة سلب أحدهما مقدّمـة للآخر ، ولما كان الوجود عين الرفع لعدمـه النقيض ، كما لايخفى ، ولما كان متنافياً معـه في التحقّق ذاتاً .
وهكذا الكلام في المتضادّين ، فإنّ المضادّة إنّما هو بين الوجودين في رتبـة واحدة ، فا لضدّ للوجود هو الوجود البدلي الثابت في رتبتـه لولاه ، فإذا ثبت ذلك في المتناقضين والمتضادّين يثبت اتّحاد الرتبـة في المقام ، فإنّـه إذا كان نقيض أحد الضدّين في رتبـة وجوده الذي هو في رتبـة وجود الضدّ الآخر ، فا للاّزم كونـه في رتبـة وجود الضدّ الآخر ، وهو المطلوب(1) . انتهى ملخّص كلامـه(قدس سره) .
ولكن لايخفى بطلان جميع المقدّمات الثلاثـة .
أمّا ما ذكره في المتناقضين:
فلأنّ النقيض للوجود في زمان مخصوص ليس عدمـه في ذلك الزمان بأن يكون الظرف قيداً للعدم والرفع حتّى يوجب ذلك كون العدم مقيّداً بذلك الوقت ، فيكون في مرتبـة الوجود فيـه ، بل نقيض الوجود في زمان مخصوص هو عدم هذا المقيّد على أن يكون القيد قيداً للمرفوع لا للرفع ، كيف ومعنى تقييد العدم يرجع إلى الموجبـة المعدولـة ، فتصير القضيـة كاذبةً ، فإنّ قولنا : ليس الوجود المقيّد بهذا الزمان متحقّقاً ، قضيّـة صادقـة ، بخلاف قولنا : الوجود في هذا الزمان ليس في هذا الزمان ، على أن يكون الظرف قيداً للسلب الراجع إلى حمل السلب المقيّد على الوجود كذلك ، كما هو واضح ، فلابدّ من أن
- 1 ـ حاشيـة كفايـة الاُصول، القوچاني: 112.
(الصفحة 117)
يكون على نحو السا لبـة المحصّلـة ، ومعـه لايثبت اتّحاد الرتبـة أصلاً ، كما لايخفى .
وأمّا ما ذكره في المتضادّين:
فكون التضادّ بين الوجودين في زمان واحد في محلّ واحد مسلّم ، ولكن لايثبت بذلك اتّحاد رتبتهما ، كيف والحكم باتّحاد الرتبـة وعدمـه من الأحكام العقليـة المتوقّفـة على إحراز ملاك التقدّم وصاحبيـه ، ومجرّد التقارن في الخارج لايقتضي اتّحاد رتبتهما بحسب العقل ، كيف والمعلول مقارن لوجود العلّـة في الخارج مع اختلافهما بحسب الرتبـة ، كما هو واضح .
وبا لجملـة ، فا لتقدّم والتأخّر والتقارن بحسب الخارج لا ربط لشيء منها با لرتب العقليـة أصلاً .
ثمّ إنّـه لو سلّم اتّحاد رتبـة المتناقضين والمتضادّين فذلك لايستلزم اتّحاد رتبـة نقيض الشيء مع الضدّ بقياس المساواة ، فإنّـه فيما إذا كان الملاك في الثا لث موجوداً ، وقد عرفت أنّ حكم العقل باتّحاد الرتبـة متوقّف على إحراز ملاكـه ، ككونهما معلولين لعلّـة واحدة مثلاً ، أمّا مجرّد كون نقيض الشيء متّحداً معـه في الرتبـة وهو مع ضدّه أيضاً كذلك ، فلايستلزم كون النقيض مع الضدّ الآخر متّحداً في الرتبـة مع عدم ملاك لـه ، كما لايخفى .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أ نّـه لم يقم دليل تامّ على اتّحاد رتبـة الضدّ مع نقيض ضدّه الآخر ، ولنا أن نقول : بقيام الدليل على العدم ; لأنّ العدم ليس بشيء حتّى يحكم عليـه بحكم إيجابي ، وهو اتّحاد رتبتـه مع الوجود ، كما أ نّـه ليس في رتبـة متقدّمـة ولا متأخّرة ، لأنّ كلّ ذلك من الأحكام الايجابيـة المبتنيـة على ثبوت الموضوع لقاعدة الفرعيـة المسلّمـة عند العقل والعقلاء ، فعدم الضدّ لايكون متأخّراً عن الضدّ ولا متقدّماً عليـه ولا مقارناً معـه .
(الصفحة 118)
ولايخفى أنّ حكمنا بنفي التأخّر وقسيميـه إنّما هو على نحو السا لبـة المحصّلـة الصادقـة مع انتفاء الموضوع ، كقولنا : شريك الباري ممتنع ، ونظائره ، وإ لى هذه ـ أي القضيـة السا لبـة المحصّلـة ـ يرجع كلّ ما ورد في الكتب العقليـة ممّا يوهم بظاهره أنّ العدم لـه تقرّر ، ويكون من الاُمور النفس الأمريـة ، مثل قولهم : عدم العلّـة علّـة للعدم ، وكذا عدم المانع مصحّح لفاعليـة الفاعل ، أو قابليـة القابل ، وأشباههما ، فإنّـه لاينبغي الاغترار بظاهر هذه الجملات بعد كون الأمر في محلّـه واضحاً ضروريّاً ، فإنّ التعبير بأمثال هذه العبارات إنّما وقع على سبيل المسامحـة قياساً إلى الوجود وتشبيهاً بـه ، والغرض منـه تسهيل الأمر على المتعلّمين اتّكالاً على ما أوضحوه في محلّـه ، كما لايخفى .
وبا لجملـة ، فا لعدم ليس لـه تقرّر وواقعيّـة حتّى يؤثّر في شيء أو يتأثّر من شيء ، ومعـه فلايبقى مجال للنزاع في مقدّميـة عدم الضدّ لوجود الضدّ الآخر وعدمها أصلاً ، كما لايخفى .
مقالـة المحقّق الأصفهاني في المقام
وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره بعض المحقّقين من محشّي الكفايـة ، فإنّـه(قدس سره) بعد ذكر التقدّم با لعلّيـة والتقدّم الطبعي وبيان الفرق بينهما وأنّ ما فيـه التقدّم في الثاني هو الوجود ، وفي الأوّل وجوب الوجود ، وذكر أنّ منشأ التقدّم الطبعي تارة كون المتقدّم من علل قوام المتأخّر ، كا لجزء والكلّ ، واُخرى كون المتقدّم مؤثّراً ، فيتقوّم بوجوده الأثر ، كا لمقتضي بالإضافـة إلى المقتضى ، وثا لثـة كون المتقدّم مصحّحاً لفاعليّـة الفاعل ، كا لوضع والمحاذاة با لنسبـة إلى إحراق النار ، أو متمّماً لقابليـة القابل ، كخلوّ المحلّ عن الرطوبـة وخلوّ الموضوع عن السواد عند عروض البياض ، وبعد الاستشكال في الدور الذي ذكره في
(الصفحة 119)
ا لكفايـة(1) بأنّ عدم اتّصاف الجسم با لسواد لايحتاج إلى فاعل وقابل كي يحتاج إ لى مصحّح فاعليّـة الفاعل ومتمّم قابليـة القابل كي يتوهّم توقّف عدم الضدّ على وجود الضدّ أيضاً وبعد بيان أنّ الصلاة والإزا لـة لهما التأخّر والتقدّم با لطبع ، فإنّـه لا وجود للإزا لـة إلاّ والصلاة غير موجودة ، فكذا العكس .
قال:
وأمّا ما يقال من أنّ العدم لا ذات لـه فكيف يعقل أن يكون شرطاً ; لأنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت لـه ، فمدفوع بأنّ القابليات والاستعدادات والإضافات وأعدام الملكات كلّها لا مطابق لها في الخارج ، بل شؤون وحيثيّات انتزاعيـة لاُمور موجودة ، فعدم البياض في الموضوع الذي هو من أعدام الملكات كقابليـة الموضوع من الحيثيات الانتزاعيـة منـه ، فكون الموضوع بحيث لابياض لـه هو بحيث يكون قابلاً لعروض السواد ، فمتمّم القابليـة كنفس القابليـة حيثيّـة انتزاعيـة وثبوت شيء لشيء لايقتضي أزيد من ثبوت المثبت لـه بنحو يناسب ثبوت الثابت(2) . انتهى موضع الحاجـة من كلامـه ، زيد في علوّ مقامـه .
والعجب منـه(قدس سره)
مع كونـه من مهرة الفنّ أ نّـه كيف يمكن تشبيـه أعدام الملكات با لقابليات والاستعدادات والإضافات ، مع أ نّها من مراتب الوجـود وإن لم تكن بحيث يمكن الإشارة إليها والأعدام مطلقاً مقابل للوجود لا حظّ لها منـه أصلاً ، كما هو واضح .
وقضيّـة كون الموضوع بحيث لابياض لـه قضيّـة سا لبـة محصّلـة لا موجبـة معدولـة حتّى تشابهت قضيّـة كون الموضوع قابلاً ، كما هو واضح .
وبا لجملـة ، فالأعدام مطلقاً خارجـة عن حمى الوجود وحيطـة الشيئيّـة ،
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 161.
- 2 ـ نهايـة الدرايـة 2: 180 ـ 183.
(الصفحة 120)
فلايترتّب عليها شيء من الآثار الوجوديـة من قبيل الشرطيـة واتّحاد الرتبـة ونظائرهما .
فتلخّص من جميع ذلك،
بطلان المقدّمـة الاُولى من المقدّمات الثلاثـة المبتنيـة عليها القول بالاقتضاء في الضدّ الخاصّ .
وأمّا المقدّمـة الثانيـة ـ التي هي عبارة عن الملازمـة في مقدّمـة الواجب ـ فقد عرفت سابقاً بطلانها بما لا مزيد عليـه .
وأمّا المقدّمـة الثا لثـة الراجعـة إلى اقتضاء الأمر با لشيء للنهي عن الضدّ العامّ الذي بمعنى النقيض ، فربّما قيل فيها بالاقتضاء بنحو العينيّـة ، وإنّ الأمر با لصلاة مثلاً عين النهي عن تركها ، فلا فرق بين أن يقول : صلّ ، وبين أن يقول : لا تترك الصلاة ، فإنّهما يكونان بمنزلـة الإنسان والبشر لفظين مترادفين(1) .
هذا ، ولكن لايخفى فساده ، فإنّ هيئـة الأمر موضوعـة للبعث ، وهيئـة النهي موضوعـة للزجر ، ولا معنى لاتّحادهما مفهوماً وإن كان الثاني متعلّقاً إلى ترك المبعوث إليـه .
وبا لجملـة ، فمعنى الاتّحاد المفهومي يرجع إلى اتّحاد المعنى الموضوع لـه ، مع أنّ هيئـة الأمر موضوعـة للبعث ، والنهي للزّجر ، ومتعلّقـه في الأوّل هو الفعل ، وفي الثاني هو الترك ، ولا وضع لمجموع الهيئـة المتعلّقـة با لمادّة .
ودعوى أنّ المراد اتّحاد البعث عن الشيء والزجر عن تركـه معنىً ومفهوماً ، يدفعـه وضوح فساده .
وممّا ذكرنا يظهر:
بطلان القول با لجزئيـة ; فإنّ معنى الأمر هو البعث ، وهو أمر بسيط لا تركّب فيـه أصلاً ، وأمّا دعوى اللزوم با لمعنى الأخص فيظهر من
- 1 ـ مطارح الأنظار: 17 / السطر الأخير.