(الصفحة 117)
يكون على نحو السا لبـة المحصّلـة ، ومعـه لايثبت اتّحاد الرتبـة أصلاً ، كما لايخفى .
وأمّا ما ذكره في المتضادّين:
فكون التضادّ بين الوجودين في زمان واحد في محلّ واحد مسلّم ، ولكن لايثبت بذلك اتّحاد رتبتهما ، كيف والحكم باتّحاد الرتبـة وعدمـه من الأحكام العقليـة المتوقّفـة على إحراز ملاك التقدّم وصاحبيـه ، ومجرّد التقارن في الخارج لايقتضي اتّحاد رتبتهما بحسب العقل ، كيف والمعلول مقارن لوجود العلّـة في الخارج مع اختلافهما بحسب الرتبـة ، كما هو واضح .
وبا لجملـة ، فا لتقدّم والتأخّر والتقارن بحسب الخارج لا ربط لشيء منها با لرتب العقليـة أصلاً .
ثمّ إنّـه لو سلّم اتّحاد رتبـة المتناقضين والمتضادّين فذلك لايستلزم اتّحاد رتبـة نقيض الشيء مع الضدّ بقياس المساواة ، فإنّـه فيما إذا كان الملاك في الثا لث موجوداً ، وقد عرفت أنّ حكم العقل باتّحاد الرتبـة متوقّف على إحراز ملاكـه ، ككونهما معلولين لعلّـة واحدة مثلاً ، أمّا مجرّد كون نقيض الشيء متّحداً معـه في الرتبـة وهو مع ضدّه أيضاً كذلك ، فلايستلزم كون النقيض مع الضدّ الآخر متّحداً في الرتبـة مع عدم ملاك لـه ، كما لايخفى .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أ نّـه لم يقم دليل تامّ على اتّحاد رتبـة الضدّ مع نقيض ضدّه الآخر ، ولنا أن نقول : بقيام الدليل على العدم ; لأنّ العدم ليس بشيء حتّى يحكم عليـه بحكم إيجابي ، وهو اتّحاد رتبتـه مع الوجود ، كما أ نّـه ليس في رتبـة متقدّمـة ولا متأخّرة ، لأنّ كلّ ذلك من الأحكام الايجابيـة المبتنيـة على ثبوت الموضوع لقاعدة الفرعيـة المسلّمـة عند العقل والعقلاء ، فعدم الضدّ لايكون متأخّراً عن الضدّ ولا متقدّماً عليـه ولا مقارناً معـه .
(الصفحة 118)
ولايخفى أنّ حكمنا بنفي التأخّر وقسيميـه إنّما هو على نحو السا لبـة المحصّلـة الصادقـة مع انتفاء الموضوع ، كقولنا : شريك الباري ممتنع ، ونظائره ، وإ لى هذه ـ أي القضيـة السا لبـة المحصّلـة ـ يرجع كلّ ما ورد في الكتب العقليـة ممّا يوهم بظاهره أنّ العدم لـه تقرّر ، ويكون من الاُمور النفس الأمريـة ، مثل قولهم : عدم العلّـة علّـة للعدم ، وكذا عدم المانع مصحّح لفاعليـة الفاعل ، أو قابليـة القابل ، وأشباههما ، فإنّـه لاينبغي الاغترار بظاهر هذه الجملات بعد كون الأمر في محلّـه واضحاً ضروريّاً ، فإنّ التعبير بأمثال هذه العبارات إنّما وقع على سبيل المسامحـة قياساً إلى الوجود وتشبيهاً بـه ، والغرض منـه تسهيل الأمر على المتعلّمين اتّكالاً على ما أوضحوه في محلّـه ، كما لايخفى .
وبا لجملـة ، فا لعدم ليس لـه تقرّر وواقعيّـة حتّى يؤثّر في شيء أو يتأثّر من شيء ، ومعـه فلايبقى مجال للنزاع في مقدّميـة عدم الضدّ لوجود الضدّ الآخر وعدمها أصلاً ، كما لايخفى .
مقالـة المحقّق الأصفهاني في المقام
وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره بعض المحقّقين من محشّي الكفايـة ، فإنّـه(قدس سره) بعد ذكر التقدّم با لعلّيـة والتقدّم الطبعي وبيان الفرق بينهما وأنّ ما فيـه التقدّم في الثاني هو الوجود ، وفي الأوّل وجوب الوجود ، وذكر أنّ منشأ التقدّم الطبعي تارة كون المتقدّم من علل قوام المتأخّر ، كا لجزء والكلّ ، واُخرى كون المتقدّم مؤثّراً ، فيتقوّم بوجوده الأثر ، كا لمقتضي بالإضافـة إلى المقتضى ، وثا لثـة كون المتقدّم مصحّحاً لفاعليّـة الفاعل ، كا لوضع والمحاذاة با لنسبـة إلى إحراق النار ، أو متمّماً لقابليـة القابل ، كخلوّ المحلّ عن الرطوبـة وخلوّ الموضوع عن السواد عند عروض البياض ، وبعد الاستشكال في الدور الذي ذكره في
(الصفحة 119)
ا لكفايـة(1) بأنّ عدم اتّصاف الجسم با لسواد لايحتاج إلى فاعل وقابل كي يحتاج إ لى مصحّح فاعليّـة الفاعل ومتمّم قابليـة القابل كي يتوهّم توقّف عدم الضدّ على وجود الضدّ أيضاً وبعد بيان أنّ الصلاة والإزا لـة لهما التأخّر والتقدّم با لطبع ، فإنّـه لا وجود للإزا لـة إلاّ والصلاة غير موجودة ، فكذا العكس .
قال:
وأمّا ما يقال من أنّ العدم لا ذات لـه فكيف يعقل أن يكون شرطاً ; لأنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت لـه ، فمدفوع بأنّ القابليات والاستعدادات والإضافات وأعدام الملكات كلّها لا مطابق لها في الخارج ، بل شؤون وحيثيّات انتزاعيـة لاُمور موجودة ، فعدم البياض في الموضوع الذي هو من أعدام الملكات كقابليـة الموضوع من الحيثيات الانتزاعيـة منـه ، فكون الموضوع بحيث لابياض لـه هو بحيث يكون قابلاً لعروض السواد ، فمتمّم القابليـة كنفس القابليـة حيثيّـة انتزاعيـة وثبوت شيء لشيء لايقتضي أزيد من ثبوت المثبت لـه بنحو يناسب ثبوت الثابت(2) . انتهى موضع الحاجـة من كلامـه ، زيد في علوّ مقامـه .
والعجب منـه(قدس سره)
مع كونـه من مهرة الفنّ أ نّـه كيف يمكن تشبيـه أعدام الملكات با لقابليات والاستعدادات والإضافات ، مع أ نّها من مراتب الوجـود وإن لم تكن بحيث يمكن الإشارة إليها والأعدام مطلقاً مقابل للوجود لا حظّ لها منـه أصلاً ، كما هو واضح .
وقضيّـة كون الموضوع بحيث لابياض لـه قضيّـة سا لبـة محصّلـة لا موجبـة معدولـة حتّى تشابهت قضيّـة كون الموضوع قابلاً ، كما هو واضح .
وبا لجملـة ، فالأعدام مطلقاً خارجـة عن حمى الوجود وحيطـة الشيئيّـة ،
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 161.
- 2 ـ نهايـة الدرايـة 2: 180 ـ 183.
(الصفحة 120)
فلايترتّب عليها شيء من الآثار الوجوديـة من قبيل الشرطيـة واتّحاد الرتبـة ونظائرهما .
فتلخّص من جميع ذلك،
بطلان المقدّمـة الاُولى من المقدّمات الثلاثـة المبتنيـة عليها القول بالاقتضاء في الضدّ الخاصّ .
وأمّا المقدّمـة الثانيـة ـ التي هي عبارة عن الملازمـة في مقدّمـة الواجب ـ فقد عرفت سابقاً بطلانها بما لا مزيد عليـه .
وأمّا المقدّمـة الثا لثـة الراجعـة إلى اقتضاء الأمر با لشيء للنهي عن الضدّ العامّ الذي بمعنى النقيض ، فربّما قيل فيها بالاقتضاء بنحو العينيّـة ، وإنّ الأمر با لصلاة مثلاً عين النهي عن تركها ، فلا فرق بين أن يقول : صلّ ، وبين أن يقول : لا تترك الصلاة ، فإنّهما يكونان بمنزلـة الإنسان والبشر لفظين مترادفين(1) .
هذا ، ولكن لايخفى فساده ، فإنّ هيئـة الأمر موضوعـة للبعث ، وهيئـة النهي موضوعـة للزجر ، ولا معنى لاتّحادهما مفهوماً وإن كان الثاني متعلّقاً إلى ترك المبعوث إليـه .
وبا لجملـة ، فمعنى الاتّحاد المفهومي يرجع إلى اتّحاد المعنى الموضوع لـه ، مع أنّ هيئـة الأمر موضوعـة للبعث ، والنهي للزّجر ، ومتعلّقـه في الأوّل هو الفعل ، وفي الثاني هو الترك ، ولا وضع لمجموع الهيئـة المتعلّقـة با لمادّة .
ودعوى أنّ المراد اتّحاد البعث عن الشيء والزجر عن تركـه معنىً ومفهوماً ، يدفعـه وضوح فساده .
وممّا ذكرنا يظهر:
بطلان القول با لجزئيـة ; فإنّ معنى الأمر هو البعث ، وهو أمر بسيط لا تركّب فيـه أصلاً ، وأمّا دعوى اللزوم با لمعنى الأخص فيظهر من
- 1 ـ مطارح الأنظار: 17 / السطر الأخير.
(الصفحة 121)
ا لتقريرات (ا لمحقّق النائيني(قدس سره)) أ نّـه لابأس بـه نظراً إلى أنّ نفس تصوّر الوجوب والحتم يوجب تصوّر المنع من الترك والانتقال إليـه(1) ، وأنت خبير بأنّ مجرّد عدم انفكاك التصوّرين لايوجب ثبوت المنع الشرعي الذي هو المقصود في المقام ، فإنّ النزاع إنّما هو في أنّ الآمر إذا أمر بشيء هل يكون أمره بـه موجباً لنهيـه عن ضدّه بمعنى أن يكون هنا شيئان : أحدهما : الأمر با لشيء ، والآخر : النهي عن نقيضـه ، وذلك لايثبت بمجرّد الانتقال من تصوّر الوجوب إلى تصوّر المنع من الترك ، كما هو واضح .
وإن أراد الدلالـة على المنع با لدلالـة الالتزاميـة من دون افتقار إلى النهي الصادر من المولى بعد الأمر ، فيرد عليـه : اقتضاء الدلالـة المذكورة لتعدّد الحكمين الموجب لتعدّد استحقاق المثوبـة والعقوبـة ، وهو كما ترى منـه .
نعم ربّما يجعل الكلام في الإرادة لا في الأمر والنهي ، ويقال بعدم انفكاك الإرادة المتعلّقـة با لشيء عن الإرادة المتعلّقـة بعدم تركـه ، ولكن هذا يصحّ في الإرادات التكوينيّـة ، وأمّا في الإرادات التشريعيّـة فلايتمّ بناءً على ما حقّقناه في بحث مقدّمـة الواجب من أنّ كلّ إرادة تحتاج إلى مبادئها من دون فرق بين الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة وبين الإرادة المتعلّقـة بذيها .
نعم لو قلنا بترتّب الإرادة الثانيـة على الإرادة الاُولى قهراً من دون توقّفها على شيء من مبادئ الإرادة ، فلـه وجـه كما لايخفى .
ثمّ لايذهب عليك أنّ ما ذكرنا:
من ابتناء القول بالاقتضاء من طريق التوقّف والمقدّميـة على ثلاث مقدّمات إنّما هو على القول با لملازمـة مطلقاً ، وأمّا لو قيل بوجوب خصوص المقدّمـة الموصلـة : فا لظاهر ابتناء ذلك القول على مقدّمـة
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 303.