(الصفحة 143)
ا لنزاع في إمكان تحقّق المعلول بدون علّـة بالإمكان الوقوعي أو الذاتي ، فلا مجال لكون العلم دخيلاً فيـه أصلاً ، كما هو واضح ، فينحصر أن يكون المراد هو الاحتمال الثا لث ، ومرجعـه إلى النزاع بين العدليـة والأشاعرة ، فإنّهم اختلفوا في جواز التكليف با لمحال ، فذهب الطائفـة الاُولى إلى عدم الجواز خلافاً للطائفـة الثانيـة القائلين با لجواز ، ولعلّ قولهم با لجواز مبني على ما ذكروه في مبحث الطلب والإرادة وكونهما مختلفين ، وإلاّ فلايعقل أن تتحقّق الإرادة با لنسبـة إلى مَنْ يعلم عدم صدور الفعل منـه ، كما هو واضح .
وكيف كان فا لذي يقتضيـه التحقيق في مورد النزاع هو أن يقال : إنّ الأوامر على قسمين :
أحدهما:
الأوامر الشخصيـة الجزئيـة المتوجّهـة إلى أشخاص المأمورين .
ثانيهما:
الأوامر الكليّـة المتوجّهـة إلى المكلّفين بنحو العموم .
أمّا ما يكون من قبيل الأوّل : فعدم إمكان تحقّقـه في صورة العلم بانتفاء شرط تحقّق المأمور بـه واضح ضروري ، وذلك لأنّ غايـة البعث إنّما هو الانبعاث وحركـة المكلّف نحو المطلوب ، فإذا فرض العلم بعدم إمكان تحقّق الانبعاث ـ كما في المقام ـ فيستحيل تحقّق البعث والتحريك من الآمر ; إذ مع العلم بعدم ترتّب الغايـة عليـه كيف يمكن أن ينقدح في نفسـه إرادة البعث مع أنّ من مبادئ الإرادة التصديق بفائدة المراد ، ولعمري أنّ هذا واضح جدّاً .
وأمّا ما يكون من قبيل القسم الثاني الذي إليـه ترجع الخطابات الشرعيـة الواردة بنحو العموم المتوجّهـة إلى الناس كذلك أيضاً ، فلايخفى أ نّـه لايضرّ بذلك كون بعض المكلّفين غير قادرين على الإتيان با لمأمور بـه ، فإنّ توجيـه الأمر بهذا النحو لايشترط فيـه إلاّ كون الأمر صا لحاً لانبعاث المكلّفين بحسب النوع ، وأمّا مجرّد العلم بعدم تحقّق الانبعاث با لنسبـة إلى بعض المكلّفين فلايضرّ بتوجيـه
(الصفحة 144)
ا لأمر بهذا النحو .
نعم لو كان المكلّفون بحسب النوع غير منبعثين ، لاستحال تعلّق الأمر بهذا النحو أيضاً ، وقد عرفت تفصيل الكلام في الفرق بين قسمي الأمر والخطاب في صدر مبحث الترتّب ، فراجع .
(الصفحة 145)الفصل السابع
في أنّ متعلّق الطلب هل هي الطبيعة أو الأفراد ؟
وقبل الخوض في تحقيق المقام لابدّ من تحرير محلّ النزاع ، فنقول : ظاهر العنوان محتمل لاحتمالات :
أحدها:
أن يكون المراد با لطبيعـة هي الماهيّـة وبالأفراد هو الوجود بحيث كان مرجع النزاع في هذا المقام إلى النزاع المعروف المشهور في الفلسفـة ، وهو أنّ الأصيل هل هي الماهيّـة أو الوجود ؟ فا لقائلون بأصا لـة الماهيّـة يقولون بتعلّق الطلب بها لكونها أصيلاً ، والقائلون بأصا لـة الوجود يقولون بتعلّق الطلب بـه لكونـه أصيلاً .
هذا ، ولكن لايخفى أنّ النزاع على هذا الوجـه بعيد عن محلّ الكلام بين الاُصوليين .
ثانيها:
أن يكون النزاع راجعاً ومبنيّاً على القول بأنّ الطبيعي هل يكون موجوداً في الخارج أو أنّ وجوده بمعنى وجود أفراده ؟ وكون النزاع على هذا
(الصفحة 146)
ا لوجـه وإن كان ربّما يظهر من بعض الاستدلالات كما نقلـه في الفصول(1) إلاّ أنّ ا لظاهر أ نّـه أيضاً بعيد عن محلّ الخلاف بين الاُصوليين ، كما هو واضح .
ثالثها:
أن يكون النزاع راجعاً إلى النزاع في موادّ المشتقّات ، فا لقائلون بكونها موضوعةً لنفس الطبائع با لوضع العامّ والموضوع لـه العامّ يقولون بتعلّق الطلب با لطبيعـة ; لأنّها مدلولـة للمادّة ، كما أنّ القائلين بكونها موضوعةً بنحو الوضع العامّ والموضوع لـه الخاصّ يقولون بتعلّق الطلب بالأفراد ; لأنّها موضوع لها للمادّة ، والمفروض أنّ الهيئـة لا تدلّ إلاّ على البعث بما تتضمّنـه المادّة .
رابعها:
أن يكون مرجع النزاع ـ بعد الاتّفاق على أنّ موادّ المشتقّات موضوعـة للماهيـة لابشرط كما نقلـه السكّاكي(2)ـ إلى أنّ المادّة بعد تعلّق الطلب بها هل تشرب معنى الوجود لأنّ الطلب إنّما يتعلّق بها من هذه الحيثيّـة ، أو أنّ الطلب إنّما يتعلّق بنفس مدلولها الذي هي الماهيّـة لابشرط ؟
وا لنزاع على الوجهين الأخيرين يرجع إلى النزاع في الأمر اللغوي ، كما أ نّـه على الوجهين الأوّلين يكون عقليّاً ، وقد عرفت أ نّـه على الوجهين الأوّلين بعيد عن محلّ الخلاف بين الاُصوليّين ، كما أ نّـه على الأخيرين يلزم اختصاص النزاع بما إذا كان الطلب بصيغـة الأمر با لنسبـة إلى مادّتها فقط ، وأمّا لو كان الطلب بغير صيغـة الأمر أو كان الطلب بها ولكن كانت المادّة مقيّدةً بأمر آخر ، كقولـه : صلّ مع الطهارة ، فلايجري ، بناءً عليهما ، مع أنّ الظاهر دخول جميع الأقسام والصور في محلّ النزاع .
والتحقيق أن يقال:
إنّ مورد النزاع إنّما هو أنّ متعلّق الطلب هل هي
- 1 ـ الفصول الغرويّـة: 125 / السطر 36 ـ 40.
- 2 ـ اُنظر قوانين الاُصول 1 : 121 / السطر 23.
(الصفحة 147)
ا لماهيّـة من حيث هي هي ، أو أ نّـه هي الماهيّـة بلحاظ وجودها في الخارج ؟ إذ لايعقل أن يتعلّق الطلب با لفرد ; للزوم تحصيل الحاصل .
وحينئذ فنقول:
إنّ الظاهر هو الأوّل ، وذلك لأنّـه بعد كون المصلحـة الباعثـة على الطلب قائمةً بنفس الماهيّة من دون مدخلية لشيء آخر أصلاً ، كما هو المفروض ، ومن المعلوم أنّ اللّفظ لايحكي إلاّ عن مدلولـه الذي هي نفس الماهيّـة في المقام ، فسرايـة الطلب منها إلى غيرها مستلزم لكون بعض المطلوب ممّا ليس لـه دخل في حصول الغرض أصلاً ، ولكون اللّفظ حاكياً عمّا ليس بموضوع لـه ، واتّحاد الماهيّـة مع وجوداتها في الخارج لايستلزم أن يكون اللّفظ الموضوع بإزائها دالاّ عليها أيضاً ، كيف وباب الألفاظ لا ربط لـه بباب الحقائق ، كما هو واضح .
وتوهّم:
أنّ الماهيّـة من حيث هي هي ليست إلاّ هي لا موجودة ولا معدومـة ولا مطلوبـة ولا غير مطلوبـة ، فكيف يمكن أن يتعلّق الطلب بها من هذه الحيثيـة .
مدفوع:
بأنّ معنى هذا الكلام عدم كون الموجوديـة والمعدوميـة ونظائرهما مأخوذةً في الماهيّـة بحيث كانت تمامَ ذاتها أو جزءَ ذاتها ، وهذا لايستلزم استحا لـة تعلّق الطلب بها من حيث نفسها ، كيف ولا ارتباط بين المقامين أصلاً ، كما هو واضح .
وقد يتوهّم أيضاً:
أنّ الماهيّـة من دون لحاظ وجودها في الخارج ليست منشأً لأثر ; إذ الآثار إنّما يترتّب على الوجود على ما هو مقتضى التحقيق ، فكيف يجوز أن تجعل في حيّز الطلب .
ولكنّـه مدفوع أيضاً:
بأنّ الماهيّـة من هذه الحيثيـة ـ أي مع لحاظ وجودها في الخارج ـ ظرف لسقوط الطلب ، فا لمصحّح لتعلّقـه بها إنّما هو هذه الحيثيـة