(الصفحة 159)
وأمّا الواحد المردّد : فقد عرفت في مبحث الوجوب التخييري أ نّـه لايعقل تعلّق البعث با لشيء المردّد ، ومن المعلوم أ نّـه لا فرق بين المبعوث والمبعوث إليـه من هذه الجهـة ; إذ كما أنّ البعث لـه إضافـة إلى المبعوث إليـه كذلك لـه إضافـة إلى المبعوث الذي هو المكلّف .
وما عن بعض الأعاظم من ثبوت الفرق بينهما(1) لا نعرف لـه وجهاً أصلاً ، كما لايخفى .
وأمّا تعلّقـه بكلّ واحد من المكلّفين : فقد يقال ـ كما عن بعض أعاظم المعاصرين ـ بأ نّـه هي كيفيّـة تعلّق الوجوب في الواجب الكفائي ، والفرق بينـه وبين الواجب العيني حينئذ مع اشتراكـه معـه في ذلك إنّما هو في الإطلاق والتقييد ، بمعنى أنّ متعلّق الطلب في العيني إنّما هي الطبيعـة المتقيّدة بقيد المباشرة ، بخلاف متعلّقـه في الواجب الكفائي فإنّـه هي الطبيعـة المطلقـة المعرّاة عن قيد المباشرة .
قال : والدليل على ذلك أ نّـه لو شك في الواجب أ نّـه عيني أو كفائي ، يبنى على الثاني ، وليس ذلك إلاّ لكون المطلوب فيـه مطلقاً بخلاف الأوّل(2) .
وفي تقريرات المحقّق النائيني أنّ التحقيق في تصوير الواجب الكفائي أ نّـه عبارة عمّا كان الغرض منـه مترتّباً على صدور الفعل من صرف وجود المكلّف ، بخلاف العيني الذي لايحصل الغرض إلاّ بصدوره من مطلق وجود المكلّف الساري في الجميع(3) . انتهى .
- 1 ـ نهايـة الاُصول: 228.
- 2 ـ نفس المصدر: 229 ـ 230.
- 3 ـ أجود التقريرات 1: 187.
(الصفحة 160)أقسام الواجب الكفائي
وا لتحقيق في المقام أن يقال : إنّ الواجب الكفائي على أقسام :
منها:
ما لايكون للطبيعـة المأمور بها إلاّ فرد واحد بمعنى أ نّـه لايعقل تحقّقها بعد وجود فرد واحد منها ، كقتل سابّ النبي ودفن الميّت وأمثا لهما .
ومنها:
ما يكون لها أفراد متعدّدة ووجودات متكثّرة بمعنى أ نّـه يمكن أن تتحقّق الطبيعـة بعد تحقّق فرد واحد منها كا لصلاة على الميّت ونحوها .
وعلى التقدير الثاني قد يكون المأمور بـه هو الفرد الواحد منها ، وقد يكون هو صرف وجودها الصادق على الأفراد المتعدّدة ، وعلى التقديرين قد يكون الفرد الآخر أو صرف وجودها الآخر مبغوضاً للمولى ، وقد يكون لا محبوباً ولا مبغوضاً ، وعلى التقادير قد يكون المكلّف هو صرف وجوده وقد يكون هو الجميع .
إذا عرفت ذلك، فنقول:
أمّا إذا لم يكن للطبيعـة المأمور بها إلاّ فرد واحد ووجود فارد ، فلا معنى لأن يكون التكليف فيـه متعلّقاً بكلّ واحد من المكلّفين أو بصرف وجوده ; إذ من الواضح أنّ البعث إنّما هو لغرض الانبعاث ، ولايعقل أن ينبعث المكلّفين إلى عمل لايمكن تحقّقـه إلاّ من واحد منهم ، وهل يعقل أن يأمر المولى عبيده بشرب الماء الموجود في الإناء الذي لايمكن تحقّقـه إلاّ من واحد من عبيده ؟ هكذا لو كان التكليف متعلّقاً بصرف وجود المكلّف ; لأنّـه يصدق على الجميع أيضاً ، فلابدّ إمّا أن يقال بكون الخطاب في أمثال المثال مشروطاً بعدم إتيان الآخر بـه ، وإمّا أن يقال با لنحو الذي ذكرنا في الواجب التخييري ، غايـة الأمر أنّ التخيير هاهنا با لنسبـة إلى المكلّف وهناك با لنسبـة إلى المكلّف بـه ، وإمّا أن يقال بأنّ المكلّف إنّما هو واحد من الأناسي المنطبق على جميعهم .
(الصفحة 161)
ومن هنا يظهر:
حال ما إذا كانت للطبيعـة أفراد متعدّدة ، ولكن كان فرد واحد منها متعلّقاً للأمر ، سواء كان الزائد عليـه مبغوضاً أو غير مبغوض ، فإنّـه لايعقل أن يكون التكليف بـه متوجّهاً إلى جميع المكلّفين أو إلى صرف وجود المكلّف با لتقريب المتقدّم .
وأمّا إذا كان المأمور بـه هو صرف وجود الطبيعـة ، فيمكن أن يكون التكليف متعلّقاً بصرف وجود المكلّف .
فتحصّل ممّا ذكرنا:
أنّ ما في تقريرات المحقّق النائيني من كون التكليف متوجّهاً إلى صرف وجود المكلّف من دون التفريق بين الأقسام المذكورة لايتمّ أصلاً ، كما لايخفى .
(الصفحة 162)
(الصفحة 163)
المقصد الثاني
في النواهي
وفيـه فصول: