(الصفحة 162)
(الصفحة 163)
المقصد الثاني
في النواهي
وفيـه فصول:
(الصفحة 164)
(الصفحة 165)الفصل الأوّل
في صيغـة النهي
اعلم أنّ هيئـة «لا تفعل» إنّما وُضعت في اللغـة للزجر عن وجود الطبيعـة التي تعرض لها تلك الهيئـة ، كما أنّ هيئـة «افعل» موضوعـة للبعث إلى وجودها ، فا لفرق بين الأمر والنهي بعد الاشتراك في تعلّقهما با لوجود إنّما هو في كون الأوّل موضوعاً ومفيداً للبعث ، والثاني دالاّ على الزجر ، وحينئذ فلايبقى للنزاع المعروف ـ وهو : أنّ المطلوب في باب النواهي هل هو الكفّ أو نفس أن لا تفعل ـ مجال أصلاً ; إذ ذلك النزاع متفرّع على اشتراكهما في الدلالـة على الطلب ، غايـة الأمر ثبوت الاختلاف في باب النواهي في أنّ متعلّق الطلب هل هو الأمر الوجودي أي الكفّ أو الأمر العدمي ، أي نفس أن لا تفعل ، وقد عرفت أنّ النهي لايدلّ على الطلب حتّى ينازع في تعيين المطلوب وأ نّـه أمر وجودي أو عدمي ، بل إنّما هو موضوع للزجر ، ومتعلّقـه إنّما هو وجود الطبيعـة لا غير ، كما هو واضح .
ثمّ على تقدير دلالـة النهي على الطلب فلا مجال لاحتمال كون المطلوب هو العدم ، وذلك لأنّ العدم ليس بشيء حتّى يمكن تعلّق الطلب بـه ، وهذا واضح جدّاً .
(الصفحة 166)
ومنـه انقدح فساد ما في الكفايـة من كون المطلوب في باب النواهي هو العدم لا الكفّ(1) ; إذ ليس وجـه استحا لـة تعلّق الطلب بـه كونـه خارجاً عن تحت القدرة والاختيار حتّى يرد بما ذكر فيها ، بل الوجـه فيها أ نّـه ليس بشيء ولا حقيقـة لـه حتّى صار لسببها مطلوباً ومراداً .
في منشأ الفرق بين مُرادَي الأمر والنهي
ثمّ إنّـه لا إشكال عند العقلاء في ثبوت الفرق بين الأوامر والنواهي بكفايـة الإتيان بفرد من الطبيعـة المأمور بها في تحقّق امتثال الأمر المتعلّق بـه وسقوطـه ; لحصول الغرض ، وهو تحقّقها بإيجاد فرد منها في الخارج ، وأ نّـه لايحصل الغرض بتمامـه إلاّ بترك جميع أفراد الطبيعـة المنهي عنها في باب النواهي ، إنّما الإشكال في وجـه الفرق ، فقد يقال بأنّ الحاكم بـه إنّما هو العقل ; نظراً إلى أنّ وجود الطبيعـة إنّما هو بوجود فرد واحد ، وعدمها لايكاد يتحقّق إلاّ بعد انعدام جميع الأفراد(2) .
هذا، ولكن لايخفى:
أنّ هذا الكلام بمعزل عن التحقيق ; فإنّ معنى تحقّق الطبيعـة بوجود فرد ما كون كلّ واحد من الأفراد هو تمام تلك الطبيعـة ، ولاينقص عنها أصلاً ; إذ لو كانت الطبيعـة متحصّصـة بحصص عديدة حسب تعدّد الأفراد ، لكان وجودها في الخارج متوقّفاً على وجود جميع الأفراد ; لكي يتحصّل جميع الحصص ، فوجودها بوجود فرد واحد مساوق لكون كلّ فرد تمام طبيعتـه ، فزيد تمام الإنسان ، وكذا عمرو ، وبكر ، فإذا كان وجود زيد كافياً في وجود حقيقـة
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 182.
- 2 ـ نفس المصدر: 182 ـ 183.