(الصفحة 181)
أمّا الكلام في الجهـة الاُولى فنقول:
لا إشكال في ثبوت المضادّة والمنافرة بين مناطي الوجوب والتحريم كثبوت المضادّة بين أنفسهما ، بل الأوّل أولى ; لإمكان المناقشـة في التضادّ بين الأحكام ، كما سيجيء إن شاء اللّـه تعا لى .
ومن الواضح أنّ مناط الحكم وملاكـه إنّما يقوم با لموجود الخارجي ، ضرورة أنّ شرب الخمر المتحقّق في الواقع يكون ذا مفسدة لا عنوان شرب الخمر ، وحينئذ فيُسأل عن القائل بالامتناع ـ المستند في ذلك إلى ثبوت التضادّ بين الأحكام وأنّ متعلّق التكا ليف هو فعل المكلّف وما هو في الخارج يصدر عنـه وأنّ تعدّد العنوان لايوجب تعدّد المعنون وأنّ الموجود بوجود واحد لـه ماهيّـة واحدة ـ عن أ نّـه هل حامل المصلحـة والمفسدة في الوجود الخارجي هي الحيثيّـة الواقعيـة الواحدة أو الحيثيتين ؟ فإن قال بالأوّل ، فيردّه وضوح التضادّ بين المناطين ، وإن قال با لثاني ـ كما أ نّـه لابدّ من ذلك ـ فيرد عليـه سؤال الفرق بين المناط وبين نفس الحكم ، فإذا جاز قيام المصلحـة بحيثيّـة وقيام المفسدة بحيثيـة اُخرى ، فلِمَ لايجوز كون الأمر متعلّقاً با لحيثيـة الاُولى والنهي با لحيثيـة الثانيـة .
وبا لجملـة ، فلايجتمع القول بالامتناع نظراً إلى أ نّـه تكليف محال مع القول بكون المجمع مشتملاً على كلا المناطين ، فبعدما كان المفروض هو القول بالامتناع وتقديم جانب النهي لايبقى مجال للقول با لصحّـة أصلاً ولو قلنا بكفايـة الملاك في صحّـة العبادة وعدم احتياجها إلى تعلّق الأمر بها ، ضرورة أ نّـه بناءً على ما ذكرنا لايكون المجمع إلاّ مشتملاً على مناط التحريم فقط .
وأمّا الكلام في الجهـة الثانيـة، فنقول:
لو سلّم كون المجمع واجداً للمناطين بناءً على القول بالامتناع ، فهل يكفي مناط الوجوب في صحّـة العبادة بعد فرض سقوط مناط التحريم عن التأثير ؟ وبعد فرض كفايـة المناط في صحّـة العبادة وعدم الافتقار إلى تعلّق الأمر بها أم لا ؟ قد يقال ـ كما في تقريرات المحقّق
(الصفحة 182)
النائيني ـ با لعدم ; نظراً إلى أنّ تصحيح العبادة با لملاك إنّما يكون بعد الفراغ عن ثبوت حكمها وتشريعـه مطلقاً ، غايـة الأمر أ نّـه وقع التزاحم بين ذلك الحكم وبين حكم آخر في مقام الامتثال .
وخلاصـة كلامـه في هذا الباب:
أنّ التزاحم قد يكون بين الحكمين ، وقد يكون بين المقتضيين ، مثل مورد الاجتماع ، بناء على القول بالامتناع ، وبينهما بون بعيد ; فإنّ تزاحم الحكمين إنّما يكون في مقام الفعليّـة وتحقّق الموضوع بعد الفراغ عن تشريعهما على طبق موضوعاتهما المقدّر وجودها ، وفي هذا القسم من التزاحم يكون لعلم المكلّف وجهلـه دخلٌ حيث إنّ الحكم المجهول لايصلح أن يكون مزاحماً لغيره ، فإنّـه لايكون شاغلاً لنفسـه ، فبأن لايكون شاغلاً عن غيره أولى .
وأمّا تزاحم المقتضيين فإنّما يكون في مقام الجعل والتشريع حيث يتزاحم المقتضيان في نفس الآمر وإرادتـه ، ويقع الكسر والانكسار بينهما في ذلك المقام ، ويكون لعلم الآمر وجهلـه دخل في تزاحم المقتضيين حيث لو يعلم الآمر بثبوتهما لايعقل أن يقع التزاحم بينهما ، وعلم المكلّف وجهلـه أجنبي عن ذلك ; فإنّ عا لم الجعل والتشريع إنّما يكون بيد الآمر ، والمأمور أجنبي عنـه ، كما أنّ عا لم الامتثال إنّما يكون بيد المكلّف ، والآمر أجنبي عنـه .
وا لحاصل أ نّـه بناءً على الامتناع تندرج المسأ لـة في صغرى التعارض ; للزوم تعلّق الأمر حينئذ بعين ما تعلّق بـه النهي ، واستلزامـه اجتماع الضدّين في واحد شخصي عدداً وهويّةً ، وعليـه لابدّ من إعمال قواعد التعارض ، ومع ترجيح جانب النهي لم يبق مجال للقول با لصحّـة أصلاً ; لما عرفت من أنّ في هذا الباب لا دخل لعلم المكلّف وجهلـه أصلاً .
وتوهّم أنّ الصحّـة عند الجهل إنّما هي لوجود الملاك والمقتضي ، مدفوع :
(الصفحة 183)
بأنّ الملاك المغلوب بما هو أقوى منـه والمكسور بغيره في عا لم الجعل والتشريع لايصلح أن يكون موجباً للصحّـة ، فإنّ الموجب لها هو الملاك التامّ الذي لايكون مكسوراً بما هو أقوى منـه في عا لم التشريع(1) انتهى ملخّص كلامـه .
ولكن لايخفى:
أنّ المراد بوقوع الكسر والانكسار بين الملاكين ليس صيرورة الملاك المسكور والمغلوب معدوماً في مقابل الملاك الغا لب بحيث يكون الفعل مع تلك الغلبـة مشتملاً على ملاك الغا لب فقط ، بل المراد كونـه جامعاً لكلا الملاكين ، غايـة الأمر أنّ أقوائيـة ملاك الغا لب صار مانعاً من تشريع الحكم على طبق الملاك المغلوب ، وحينئذ فيرد عليـه سؤال الفرق بين صورتي التزاحم ، أي : التزاحم بين الحكمين والتزاحم بين المقتضيين ، فإن قال في الجواب : بأنّ في الثاني يرجع التقييد إلى مقام الثبوت والواقع بمعنى أ نّـه يكون المأمور بـه مثلاً حينئذ في المقام بناءً على الامتناع وترجيح جانب النهي هي الصلاة المقيّدة بما عدا الفرد المجامع للغصب ، بخلاف الأوّل ; فإنّ سقوط الأمر با لمهم مثلاً إنّما هو لعدم إمكان امتثا لهما بعد الفراغ عن تشريعهما مطلقاً ، فيرد عليـه : أنّ السقوط لابدّ أن يرجع إلى التقييد ، فإن قال : إنّ التقييد في تزاحم المقتضيين إنّما هو في مقام جعل الحكم الإنشائي ، بخلاف تزاحم الحكمين ، فإنّ التقييد إنّما هو في مقام فعليـة الحكم ، فيقال عليـه : إنّـه لا نسلّم رجوع التقييد في تزاحم المقتضيين إلى مقام جعل الحكم الإنشائي .
ودعوى : أنّ إطلاق الحكم فيـه يستلزم اللغويـة ، مدفوعـة : بمنع لزومها بعد ظهور ثمرتـه في صورة الجهل .
وكيف كان فبعد كون ملاك الأمر تامّاً بمعنى كونـه صا لحاً لتعلّق الأمر بـه لو
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 431 ـ 433.
(الصفحة 184)
لم يمنع عنـه مانع لايبقى مجال للإشكال في صحّـة الصلاة بناءً على هذا القول الفاسد لو قيل باشتما لها على الملاك وبكفايـة الملاك في صحّـة العبادة .
ولكنّك عرفت أنّ المقدّمـة الاُولى ممنوعـة .
ومن هنا انقدح:
أ نّـه لايمكن أن يستكشف من مجرّد حكم المشهور با لصحّـة في موارد العذر أ نّهم قائلون با لجواز ; نظراً إلى أ نّـه بناء على الامتناع تكون الصلاة فاسدةً مطلقاً ، فإنّك عرفت أنّ الحكم با لصحّـة لاينافي القول بالامتناع ، فتأمّل جيّداً .
الأمرالسابع: شمول النزاع للعنوانين بينهما عموم وخصوص مطلقاً
لا إشكال في دخول العامّين من وجـه في الجملـة في مورد النزاع ومحلّ البحث ، كما أ نّـه لا إشكال في خروج المتبائنين عنـه ; لعدم شمول ظاهر عنوان النزاع لـه ، مضافاً إلى وضوح إمكان تعلّق الأمر بشيء والنهي بمبائنـه ، وكذلك لا إشكال أيضاً في خروج المتساويين عن محلّ النزاع وإن كان ظاهر العنوان التعميم ; ضرورة استحا لـة تعلّق الأمر والنهي بهما ، إنّما الإشكال والكلام في دخول العامّين مطلقاً ، فقد يقال با لخروج ، كما عن المحقّقين : القمّي والنائيني(1)وجماعـة اُخرى ، وقد يقال با لدخول ، كما عن صاحب الفصول(قدس سره)(2) .
والتحقيق أن يقال:
إنّ العامّين مطلقاً على قسمين : قسم لايكون عنوان العامّ مأخوذاً في عنوان الخاصّ ومفهومـه ، بل مفهومهما متغايران ، غايـة الأمر أنّ
- 1 ـ قوانين الاُصول 1 : 153 ـ 154 ، فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 410 .
- 2 ـ الفصول الغرويّـة: 125 / السطر 8 ـ 10.
(الصفحة 185)
المفهومين متصادقان في الخارج تصادقاً كلّيّاً من جانب الخصوص وجزئيّاً من جانب العموم ، وقسم يكون مفهوم العامّ مأخوذاً في عنوان الخاصّ ، وهو الذي يعبّر عنـه با لمطلق والمقيّد ، كا لصلاة المأخوذة في عنوان الصلاة في الدار الغصبيـة ، وظاهر العبارة المحكيـة عن صاحب الفصول بل صريحها دخول القسم الأوّل فقط في مورد النزاع ، والحقّ دخول القسمين معاً .
أمّا القسم الأوّل:
فلأنّـه بعد فرض كون العنوانين متغايرين لايبقى فرق بينـه وبين العامّين من وجـه ; ضرورة أ نّـه لو كان مجرّد التصادق الموجود الخارجي مانعاً عن تعلّق الأمر والنهي با لمفهومين المتصادقين ، فهذه العلّـة مشتركـة بينـه وبين العامّين من وجـه ولو لم يكن ذلك مانعاً باعتبار أنّ متعلّق الحكم إنّما هو نفس العناوين والمفاهيم ، فبعد فرض ثبوت التغاير بين العنوانين في المقام لايبقى مجال لتوهّم الفرق أصلاً ، كما هو واضح .
وأمّا القسم الثاني:
فقد يقال بخروجـه عن محلّ البحث ; نظراً إلى سرايـة حكم المطلق إلى المقيّد ; فإنّ المطلق المأخوذ متعلّقاً للحكم ليس ما يكون قيد الإطلاق جزءاً لـه ومأخوذاً فيـه ، بل المراد هي الطبيعـة المجرّدة اللاّبشرط ، وحينئذ فيسري حكمها إلى المقيّد .
والحاصل:
أنّ الحكم المتعلّق با لمقيّد وإن لم يكن سارياً من متعلّقـه إلى المطلق إلاّ أنّ حكم المطلق يسري إلى المقيّد ; إذ ليس المطلق منافياً لـه ، والسرايـة من طرف واحد تكفي في ثبوت استحا لـة الاجتماع ، كما لايخفى .
ولكن لايذهب عليك أنّ اتّحاد المطلق والمقيّد إنّما يكون بحسب الخارج ، وأمّا بحسب المفهوم فهما متغايران ، ضرورة تغاير مفهوم طبيعـة الصلاة مع مفهوم الصلاة في الدار الغصبيـة ، وحينئذ فلايبقى مجال للإشكال في دخولـه في محلّ النزاع ; لأنّ الضابط فيـه هو كلّ عنوانين متغايرين المتصادقين على وجود