(الصفحة 205)
لايعقل جعل نجاسـة ا لخمر ا لموجودة في ا لمما لك ا لتي لايسافر ا لإنسان إ ليها عادة ; لأنّ ا لواضح أنّ جعل ا لأحكام ا لوضعيـة أيضاً إنّما هو لغرض ترتيب ا لأثر ، فمع عدم ا لابتلاء بـه عادة لايعقل جعل ا لنجاسـة لـه ، مع أنّ ا لخمر حرام في أيّ محلّ كان ، كما يشهد بـه ضرورة ا لفقـه .
ومنها:
غير ذلك من ا لاُمور ا لتي تقدّمت ا لإشارة إ لى بعضها سابقاً .
وحينئذ فا لتكليف ثابت با لنسبـة إ لى جميع ا لناس من ا لقادر وا لعاجز وا لعا لم وا لجاهل وا لمضطرّ وا لمختار ، غايـة ا لأمر كون ا لعاجز ونظائره معذوراً بحكم ا لعقل في مخا لفـة ا لتكليف ، لا أ نّـه خارج عن ا لمخاطبين بحيث لم يكن ا لخطاب متوجّهاً إ ليـه ، وحينئذ نقول : إنّ ا لاضطرار ا لحادث في ا لمقام بسوء ا لاختيار لايصير عذراً بنظر ا لعقل أصلاً .
أترى ثبوت ا لعذر لمن ألجأ نفسـه في ارتكاب ا لمحرّمات ا لشرعيـة بسوء ا لاختيار ، كمن اضطرّ إ لى شرب ا لخمر وأكل لحم ا لميتـة بسوء اختيار نفسـه ؟
ثمّ إنّـه لو قلنا بعدم توجّـه ا لخطاب ا لفعلي إ ليـه لكونـه مضطرّاً ولو بسوء ا لاختيار ، فلا مجال للقول بعدم استحقاقـه للعقوبـة ، بل لايرتاب فيـه عاقل أصلاً ، كيف ولازمـه عدم استحقاق من اضطرّ بسوء اختياره إ لى سائر ا لمحرّمات ا لشرعيـة للعقوبـة أصلاً ، فيجوز أن يدخل ا لإنسان داراً يعلم بأ نّـه لو دخل فيها يصير مضطرّاً إ لى شرب ا لخمر أو مكرهاً عليـه ، ولايترتّب عليـه عقوبـة أيضاً ومن ا لمعلوم أنّ ضرورة ا لشرع وا لعقل على خلافـه .
ثمّ إنّـه لو سلّمنا اقتضاء ا لنهي عن ا لشيء ا لأمر بضدّه ا لعامّ وقلنا بثبوت ا لملازمـة ا لعقليـة بين وجوب ا لمقدّمـة ووجوب ذيها وقطعنا ا لنظر عمّا ذكرنا من عدم انحلال ا لخطابات ا لشرعيـة إ لى ا لخطابات ا لمتكثّرة حسب تكثّر ا لمكلّفين ، فلايكون في ا لبين مانع من ا لالتزام بقول أبي هاشم وأتباعـه ا لقائلين بكونـه
(الصفحة 206)
مأموراً به ومنهيّاً عنه إلاّ لزوم ا لتكليف با لمحال ; لعدم قدرة ا لمكلّف على ا لامتثال .
وأمّا ا لإشكال عليـه بلزوم كون ا لتكليف بنفسـه محالاً كما في ا لكفايـة ; نظراً إ لى اجتماع ا لتكليفين هنا بعنوان واحد ; لأنّ ا لخروج بعنوانـه سبب للتخلّص وواقع بغير إذن ا لما لك(1) ، فمندفع بأنّ متعلّق ا لنهي إنّما هو ا لتصرّف في مال ا لغير بدون إذنـه ، لا عنوان ا لخروج ، ومتعلّق ا لأمر ا لمقدّمي ليس ما يحمل عليـه عنوان ا لمقدّمـة با لحمل ا لشائع ، وإلاّ يلزم أن يكون تعلّقـه بـه متوقّفاً على تحقّقـه في ا لخارج ، فيلزم أن تكون ا لمقدّمـة ا لموجودة متعلّقةً للأمر ، وهو مستحيل بداهة ، بل ا لمتعلّق لـه إنّما هو عنوان ما يتوقّف عليـه ذو ا لمقدّمـة بناء على ا لقول بثبوت ا لملازمـة مطلقاً ، وعنوان ا لموصل إ لى ذي ا لمقدّمـة بناءً على ا لقول با لمقدّمـة ا لموصلـة ، كما عرفت أ نّـه مقتضى ا لتحقيق بناءً على تسليم ا لملازمـة ، ضرورة أنّ ا لحيثيّات ا لتعليليـة كلّها ترجع إ لى ا لحيثيات ا لتقييديـة ، فمتعلّق ا لأمر ا لمقدّمي في ا لمقام هو عنوان ما يتوقّف عليـه ترك ا لتصرّف في مال ا لغير أو عنوان ا لموصل إ ليـه ، ومتعلّق ا لنهي هو عنوان ا لتصرّف في مال ا لغير ، فأين يلزم اجتماع ا لتكليفين على عنوان واحد ؟ ولولا استلزام هذا ا لقول للتكليف با لمحال كما عرفت ، لم يكن بدّ من ا لالتزام بـه .
ومن هنا تعرف صحّـة ما ذهب إ ليـه صاحب الفصول (قدس سره) من كونـه مأموراً بـه مع إجراء حكم ا لمعصيـة عليـه ; نظراً إ لى ا لنهي ا لسابق ، وذلك لخلوّه عن استلزام ا لتكليف با لمحال أيضاً(2) ، فتدبّر .
ثمّ إنّ ا لمحقّق ا لنائيني ـ على ما في ا لتقريرات ـ قد بنى ا لمسأ لـة على
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 209.
- 2 ـ الفصول الغرويّـة: 138 / السطر 25.
(الصفحة 207)
كونها مندرجةً تحت قاعدة «ا لامتناع بالاختيار لاينافي ا لاختيار» فا لحقّ ما عليـه صاحب ا لكفايـة من عدم كونـه مأموراً بـه ولامنهيّاً عنـه ، وعلى عدم كونها صغرى لها(1) ، فا لحقّ ما عليـه ا لشيخ من كونـه مأموراً بـه فقط(2) ثمّ اختار عدم ا لاندراج ، وتمسّك في ذلك بأربعـة أوجـه(3) .
ولكن لايخفى أنّ هذه ا لقاعدة بعيدة عن ا لمقام بمراحل ، بل لايكون بينهما ربط أصلاً ; لما ذكره في ا لكفايـة في بيان موردها ، فراجعها(4) .
التنبيـه الثالث: حكم الصلاة في الدار المغصوبـة
قد عرفت أنّ ا لصلاة في ا لدار ا لمغصوبـة لا مانع فيها من حيث اجتماع ا لتكليفين ، وأمّا حكمها ا لوصفي فنحن وإن اخترنا ا لبطلان بناءً على ا لاجتماع في ا لمقدّمـة ا لسادسـة ا لمعدّة لبيان ثمرة ا لقولين ، نظراً إ لى أنّ ا لمبعّد لايمكن أن يكون مقرّباً ، إلاّ أ نّك عرفت في مسأ لـة إمكان اجتماع ا لمحبوبيّـة وا لمبغوضيّـة وا لصلاح وا لفساد أ نّـه لا مانع من ذلك أصلاً ; لأنّ ا لمقرّب إنّما هو حيثيـة ا لصلاتيـة ، وا لمبعّد إنّما هو حيثيّـة ا لغصبيـة ، فا لحقّ صحّـة ا لصلاة بناءً على ا لقول بالاجتماع ، وأمّا بناءً على ا لامتناع : فقد عرفت تفصيل ا لقول فيـه في تلك ا لمقدّمـة ، فراجع .
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 204.
- 2 ـ مطارح الأنظار: 153 / السطر 33.
- 3 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 447 ـ 451.
- 4 ـ كفايـة الاُصول: 209 ـ 210.
(الصفحة 208)
الفصل الثالث
في اقتضاء النهي عن الشيء فساده وعدمه
ولابدّ من تقديم اُمور :
الأمر الأوّل: حول عنوان المسألـة
ربّما يعبّر عن محلّ النزاع تارة بأنّ النهي عن الشيء هل يقتضي فساده أم لا ؟ واُخرى بأنّ النهي عن الشيء هل يدلّ على فساده أم لا ؟ ولايخفى إمكان المناقشـة في كلٍّ منهما ; لأنّ التعبير بالاقتضاء الذي معناه بحسب العرف واللغـة هو التأثير والسببيّـة لايناسب المقام ، كما لايخفى .
وأمّا التعبير با لدلالـة : فلايناسب القول با لفساد من جهـة ملازمـة الحرمـة معـه لا من جهـة كون النهي إرشاداً إليـه فالأولى التعبير بأنّ النهي هل يكشف عن فساد المنهي عنـه عبادة كان أو معاملـة أم لا .
الأمر الثاني: في اُصوليّـة هـذه المسألـة
قد عرفت الفرق بين هذه المسأ لـة وبين مسأ لـة اجتماع الأمر والنهي في
(الصفحة 209)
بعض مقدّمات تلك المسأ لـة ، والظاهر كون المسأ لـة اُصوليّةً ; لأنّ نتيجتها تقع في طريق الاستنباط كما هو واضح .
هل المسألـة عقليّـة أو لفظيّـة؟
قد يقال : بأنّ المسأ لـة عقليـة صرفـة ، وقد يقال : لفظيـة محضـة ، والظاهر عدم كونها ممحّضاً في أحدهما ; لأنّ المدّعى في المسأ لـة صحّـة العبادة وبطلانها ، سواء كان طريق الإثبات في ذلك اللّفظ بأن يكون النهي إرشاداً إلى الفساد وعدمـه ، أو العقل ; للملازمـة بين المبغوضيّـة والفساد وعدمها .
مضافاً إلى اختلاف الاستدلالات من هذه الجهـة ، فبعضها ظاهر في الدلالـة بحسب العرف ، وبعضها في الدلالـة بحسب العقل .
ودعوى أنّ المسأ لـة عقليـة محضـة ـ كما في الدّرر ـ لأنّ القائل با لبطلان يتمسّك بعدم إمكان صيرورة المبغوض عبادة(1) ، مدفوعـة : بعدم اختصاص استدلالهم بذلك ، بل ربّما يتمسّكون با لدلالـة العرفيـة ، كما في الفصول(2) ، فراجع .
الأمر الثالث: تفسير وصفي الصحّـة والفساد
ذكر في الكفايـة في معنى الصحّـة والفساد ما حاصلـه : أ نّهما وصفان إضافيّان ، ومعنى الأوّل هي التماميـة ، والثاني هو النقص ، والصحّـة في العبادة والمعاملـة بمعنى واحد ، وهو التماميـة ، والاختلاف في الآثار المرغوبـة منهما
- 1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 185.
- 2 ـ الفصول الغرويّـة: 140 / السطر 30.