(الصفحة 227)
لايدلّ على صحّتـه ; لأنّ وجودها ليس أثراً لـه ، بل هو نفسـه ، والنهي عن السبب وإن دلّ على مقدوريّتـه ، إلاّ أ نّـه لايلازم الصحّـة ، فقول أبي حنيفـة ساقط على جميع التقادير(1) . انتهى .
وأنت خبير:
بأنّ السبب من حيث هو لايكون معاملةً أصلاً ، وإنّما هو عبارة عن إيجاد الملكيّـة ووجودها وإن لم يكن أثراً لـه حتّى يتّصف بلحاظـه با لصحّـة ، إلاّ أنّ المقصود ليس اتّصافـه بها حتّى يورد عليـه بما ذكر ، بل الغرض أنّ النهي حيث يدلّ على مقدوريّـة متعلّقـه ، فلا محا لـة يكون إيجاد الملكيـة مقدوراً لـه ، وهو يوجب صحّـة المعاملـة .
وبا لجملـة غرضـه ليس اتّصاف الإيجاد بها ، بل اتّصاف ما يتّصف بها في جميع المعاملات ، وذلك يستكشف من مقدوريّـة الإيجاد ، فا لحقّ مع أبي حنيفـة في دلالـة النهي على الصحّـة في المعاملات .
وأمّا العبادات : فإن قلنا بكونها موضوعةً للأعم ، فلايخفى أنّ النهي لايدلّ على الصحّـة أصلاً ; لكونها مقدورةً مع عدمها ، وإن قلنا بكونها موضوعةً للصحيح ، فكذلك أيضاً ; نظراً إلى أنّ المراد با لصحيح في ذلك الباب هو الواجد لجميع الأجزاء والشرائط غير ما يأتي منها من قِبَل الأمر ، كقصد القربـة ; لما تقدّم في مبحث الصحيح والأعم من اتّفاق القائلين بكونها موضوعةً للصحيح . على أنّ المراد بـه هي الصحّـة مع قطع النظر عمّا يأتي من قبل الأمر ، ومن المعلوم أ نّها مقدورة مع فسادها ، كما لايخفى .
وأمّا الصحيح مع ملاحظـة جميع الشرائط حتّى الآتي منها من قبل الأمر فلايمكن تعلّق النهي بـه أصلاً ; لأنّـه لايعقل أن تكون مبغوضةً ، فلايبقى مجال في
- 1 ـ نهايـة الدرايـة 2: 407 ـ 408.
(الصفحة 228)
دلالـة النهي على الصحّـة وعدمها ، كما لايخفى .
تنبيـه: حول استتباع النهي عن الجزء أو الشرط أو الوصف للفساد
قد عرفت في مقدّمات المبحث أ نّـه لا فرق في مورد النزاع بين كون متعلّق النهي نفس العبادة أو جزءها أو شرطها ; لأنّ الكلام في اقتضاء النهي فساد العبادة مطلقاً وعدمـه ، وأمّا أنّ فساد الجزء المنهي عنـه يوجب فساد العمل أو لا فهو أمر خارج عن محلّ البحث ، ولكن لابأس با لتكلّم فيـه وإن كان غير مرتبط با لمقام .
فنقول:
ينبغي أن يجعل البحث في الملازمـة بين فساد الجزء مثلاً وفساد الكلّ مع قطع النظر عن الأدلّـة الواردة في خصوص الصلاة أو مطلقاً ، الدالّـة على سرايـة فساده إليـه ، كما أنّ محلّ البحث ما إذا اُحرز كون النهي المتعلّق با لجزء مثلاً نهياً تحريميّاً لا إرشاداً إلى مانعيّتـه ، فإنّـه حينئذ لا إشكال في فساد العبادة ، كما هو واضح ، وحينئذ فنقول :
أمّا الجزء:
فا لنهي ا لتحريمي المتعلّق بـه لايقتضي إلاّ مبغوضيّتـه بنفسـه المانعـة من صيرورتـه جزءاً فعليّاً للعبادة ، لعدم صلاحيّتـه لأن يصير جزء المقرّب ، وأمّا سرايـة المبغوضيـة منـه إلى الكلّ المشتمل عليـه ، فلا دليل عليها أصلاً .
نعم لو اكتفى بذلك الجزء الفاسد يفسد العمل من حيث كونـه فاقداً لبعض أجزائـه ، وأمّا مع عدم الاكتفاء بـه ـ كما هو المفروض في المقام ـ فلا وجـه لكون تمام العمل مبغوضاً وفاسداً ، كما هو واضح .
وأمّا الوصف اللازم:
كا لجهر والإخفات با لنسبـة إلى القراءة على ما مثّل
(الصفحة 229)
بهما في الكفايـة(1) وإن كان في المثال نظر ; نظراً إلى أنّ شيئاً منهما لايكون لازماً للقراءة ولكن اللازم بمعنى عدم إمكان الانفكاك أصلاً لاينبغي أن يكون مورداً للبحث ; إذ لايعقل تعلّق الأمر با لموصوف ، والنهي بوصفـه الذي لايمكن أن ينفكّ عنـه أصلاً ، فكونهما وصفين لازمين يرجع إلى عدم التميّز بينهما وبين موصوفهما في الخارج أصلاً ، ولكن هذا المقدار لايصحّح التعبير بكونـه لازماً ، كما لايخفى .
ا للّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ اللزوم باعتبار كونـه مأخوذاً في الموصوف بمعنى أنّ الجهر لازم للقراءة التي يجهر بها ، لا لمطلق القراءة ، ولكن هذا المعنى يجري في كلّ وصف با لنسبـة إلى موصوفـه ، ولا اختصاص لـه بهما .
وكيف كان فا لنهي إذا تعلّق با لجهر في القراءة لابا لقراءة التي يجهر بها ، فإنّـه خارج عن موضوع المقام ، ودخولـه في مبحث اجتماع الأمر والنهي مبنيّ على شمول النزاع فيـه للمطلق والمقيّد ، ونحن وإن نفينا البُعْد عنـه في مقدّمات ذلك المبحث إلاّ أ نّـه ينبغي الحكم بخروجـه عنـه ; للزوم اجتماع الحكمين على متعلّق واحد ; لأنّ الطبيعـة اللاّ بشرط لايأبى من الاجتماع معها بشرط شيء ، فيلزم الاجتماع في المقيّد ، فلايوجب فساد العمل أصلاً ; لأنّ متعلّق الأمر هو القراءة ، ومتعلّق النهي هو الإجهار بها ، وهما عنوانان مختلفان وإن كانا في الخارج شيئاً واحداً ، إلاّ أنّ مورد تعلّق الأحكام هي العناوين والطبائع ، كما حقّقناه سابقاً بما لا مزيد عليـه .
وقد عرفت أيضاً أ نّـه لابأس بأن يكون شيء واحد مقرّباً من جهـة ومُبعّداً من جهـة اُخرى ، فلا مانع من أن تكون القراءة مقرّبـة والإجهار بها مبعّداً .
مضافاً إلى أنّ المقرّب إنّما هي الصلاة ، لا خصوص أجزائها ، كما لايخفى .
(الصفحة 230)
وتعلّق النهي بالإجهار في القراءة تغاير تعلّقـه با لقراءة التي يجهر بها ، والثاني خارج عن مورد النزاع ; لأنّـه في تعلّق النهي با لوصف لابا لموصوف .
وممّا ذكرنا يظهر الكلام في النهي عن الوصف المفارق .
وأمّا الشرط:
فإن كان أمراً عبادياً ، فا لنهي عنـه يوجب فساده ، وإن كان أمراً غير عباديّ ، فليس الإتيان بـه إلاّ ارتكاب المحرّم ، وعلى التقديرين لايضرّ بصحّـة العمل أصلاً ; لأنّ المفروض أنّ متعلّق النهي هو القسم الخاصّ من الشرط ، كا لنهي عن التستّر با لحرير مثلاً بناء على أن يكون النهي للتحريم ، فإنّ التستّر بـه وإن كان يوجب مخا لفـة النهي إلاّ أنّ شرط الصلاة ـ وهو الستر ـ متحقّق ، وعدم اختلافهما في الخارج لايضرّ أصلاً ; لأنّ متعلّق الأحكام هي الطبائع ، والشيء الواحد يمكن أن يكون مقرّباً ومبعّداً من جهتين ، كما عرفت .
نعم ، لو كان الشرط من الاُمور العباديـة واقتصر عليـه المكلّف في مقام الامتثال ، تكون العبادة فاسدةً من جهـة بطلان الشرط ، وهذا غير سرايـة الفساد إليـه ، كما هو واضح .
فتحصّل أنّ النهي عن الجزء أو الشرط أو الوصف اللازم أو المفارق لايوجب فساد العبادة من حيث هو ، كما عرفت .
هذا تمام الكلام في مبحث النواهي .
(الصفحة 231)
المقصد الثالث
في المفاهيم