(الصفحة 250)
ا لشرطيـة عدم التداخل ، وتأثير كلّ سبب في مسبّب واحد من غير التفات إلى إطلاق متعلّق الجزاء ، ولزوم تقييده .
ولعلّ كون المتفاهم بنظر العرف كذلك ممّا لا مجال لإنكاره إلاّ أنّ الكلام في منشأ استفادتهم ، فيمكن أن يكون الوجـه فيـه قياس العلل التشريعيّـة با لعلل التكوينيّـة التي يوجب كلّ علّـة معلولاً مستقلاّ أو استفادة الارتباط بين الشرط ومتعلّق الجزاء بمعنى اقتضاء البول مثلاً للوضوء واستحقاقـه لـه ، فعند الاجتماع يقتضي كلّ واحد من الشرطين وضوءاً مستقلاّ ، أو غير ذلك ممّا لم نعرفـه ، فإنّ العمدة هي ثبوت أصل الظهور بنظر العرف ، وقد عرفت أ نّـه لا إشكال فيـه ، كما أشار إليـه المحقّق الخراساني في حاشيـة الكفايـة في هذا المقام(1) .
وأمّا المقدّمـة الثانيـة:
فيمكن منعها بتقريب أنّ الشرط إنّما يكون سبباً لوجوب الوضوء لا لوجوده ، كما هو ظاهر القضيّـة الشرطيـة .
مضافاً إلى أ نّـه لو كان علّةً لـه لا للوجوب ، يلزم عدم الانفكاك بينهما ، مع أنّ من المعلوم خلافـه ، فتعدّد الشرط يوجب تعدّد الوجوب ، وهو لايستلزم وجوب إيجاد الفعل متعدّداً ; لإمكان أن يكون الوجوب الثاني تأكيداً للوجوب الأوّل ; إذ البعث التأكيدي ليس مغايراً للبعث التأسيسي ، والفارق مجرّد تعدّد الإرادة ووحدتها ، ومع إمكان ذلك لابدّ من إثبات كون البعث للتأسيس .
وبا لجملـة ، يقع التعارض بين إطلاق متعلّق الجزاء وإطلاق الشرط في السببيّـة المستقلّـة لو كان الوجوبان تأسيسيّين ، وأمّا لو كان أحدهما تأكيداً للآخر ، فلا تعارض أصلاً ، ولا ترجيح لرفع اليد عن إطلاق متعلّق الجزاء وإبقاء الوجوب على ظاهره لو لم نقل بترجيح العكس ; نظراً إلى أنّ ظهوره في التأسيسيـة لايكون
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 242، الهامش 3.
(الصفحة 251)
با لغاً إلى حدّ يعارض الإطلاق ، وعلى فرض التعارض فلابدّ على المستدلّ من إثبات العكس ، ورفع احتمال الحمل على التأكيد .
وأجاب عنـه في التقريرات بما حاصلـه:
أ نّا نسلّم كون الأسباب الشرعيـة أسباباً لنفس الأحكام لا لمتعلّقاتها ، ومع ذلك يجب تعدّد إيجاد الفعل في الخارج ، فإنّ المسبّب هو اشتغال الذمّـة بإيجاد الفعل ، ولاشكّ أنّ السبب الأوّل يقتضي ذلك ، فإذا فرضنا وجود مثلـه فيوجب اشتغالاً آخر ; إذ لو لم يقتضي ذلك فإمّا أن يكون بواسطـة نقص في السبب أو في المسبّب ، وليس شيء منهما .
أمّا الأوّل : فلما هو المفروض .
وأمّا الثاني : فلأنّ تعدّد الاشتغال ووحدتـه يتبع قبول الفعل المتعلّق لـه وعدمـه ، والمفروض في المقام القبول .
نعم ما ذكره يتمّ في الأوامر الابتدائيـة مع قبول المحلّ أيضاً ; لأنّ مجرّد القابليـة غير قاضيـة با لتعدّد ، والاشتغال الحاصل بالأمر الثاني لا نسلّم مغايرتـه للأمر الأوّل .
هذا إن اُريد من التأكيد تأكيد مرتبـة الطلب والوجوب وإن كان حصولـه بواسطـة لحوق جهـة مغايرة للجهـة الاُولى ، كما في مثل تحريم الإفطار با لمحرّم في شهر رمضان ، وإن اُريد التأكيد نحو الحاصل في الأوامر الابتدائيـة ، ففساده أظهر من أن يخفى ; فإنّ الأمر الثاني مرتّب على الأوّل ووارد في مورده ، بخلاف المقام ، ضرورة حصول الاشتغال والوجوب على وجـه التعدّد قبل وجود السبب بنفس الكلام الدالّ على السببيّـة ، فتكون تلك الوجوبات كلّ واحد منها في عرض الآخر ، فهناك إيجابات متعدّدة ، ويتفرّع عليها وجوبات متعدّدة على وجـه التعليق ، وبعد حصول المعلّق عليـه يتحقّق الاشتغال بأفراد متعدّدة .
ويمكن أن يجاب با لتزام أ نّها أسباب لنفس الأفعال لا لأحكامها ، ولكنّـه
(الصفحة 252)
سبب جعلي لا عقلي ولا عادي ، ومعنى السبب الجعلي هو أنّ لها نحو اقتضاء في نظر الجاعل بحيث لو انقدح في نفوسنا لكنّا جازمين با لسببيّـة ، إلاّ أنّ الإنصاف أ نّـه لايسمن ; فإنّ معنى جعل السببيّـة ليس إلاّ مطلوبيـة المسبّب عند وجود السبب ، فا لتعويل على الوجـه الأوّل(1) . انتهى ملخّصاً .
أقول:
المراد بتعدّد الاشتغال الحاصل من كلّ سبب لابدّ وأن يكون هو الوجوب الجائي عقيبـه ، وقد عرفت أنّ تعدّد الوجوب لايستلزم تعدّد الواجب ; لاحتمال أن يكون الوجوب الثاني تأكيداً للأوّل ، فتعدّد الاشتغال بهذا المعنى لايوجب تعدّد المشتغل بـه .
ثمّ إنّ قولـه:
هذا إن اُريد من التأكيد إلى آخره ، يرد عليـه : أنّ هذا الفرض خارج عن باب التأكيد ; لما قد حقّق سابقاً في مبحث اجتماع الأمر والنهي من أنّ متعلّق الأحكام هي الطبائع لا الوجودات ، فا لطبيعـة المتعلّقـة لأحد التحريمين في المثال تغاير الطبيعـة المتعلّقـة للآخر ; ضرورة أنّ أحدهما يتعلّق بالإفطار ، والآخر بشرب الخمر مثلاً ، فأين التأكيد ؟
ثمّ إنّ اعتبار الترتّب في تحقّق معنى التأكيد ـ كما عرفت في كلامـه ـ مندفع بأنّ الوجوب التأكيدي ليس بمعنى استعمال الهيئـة ـ مثلاً ـ في التأكيد حتّى يستلزم وجود وجوب قبلـه بل المستعملـة فيـه هو نفس الوجوب والتأكيد ينتزع من تعلّق أزيد من واحد بشيء واحد .
ألا ترى أ نّـه يتحقّق التأكيد بقول : اضرب ، والإشارة با ليد إليـه في آن واحد من دون تقدّم وتأخّر .
ثمّ إنّ الجواب الأخير ـ الذي ذكر أنّ الإنصاف أ نّـه لايسمن ـ قد جعلـه
- 1 ـ مطارح الأنظار: 180 / السطر 1 ـ 16.
(الصفحة 253)
ا لمحقّق العراقي جواباً مستقلاّ عن الإشكال ، واعتمد عليـه ، وقد عرفت منّا سابقاً استظهاره ، ولكنّـه لايندفع بـه الإشكال ; لأنّ الشرطين إنّما يقتضيان نفس طبيعـة متعلّق الجزاء ، وبعد حصولها مرّة بعدهما قد عمل بمقتضاهما معاً ، كما لايخفى .
هذا كلّـه في الأنواع المتعدّدة ، وأمّا التداخل وعدمـه با لنسبـة إلى فردين من نوع واحد ، فقد يقال بابتناء ذلك على أنّ الشرط هل هو الطبيعـة أو الأفراد .
فعلى الأوّل فلابدّ من القول با لتداخل ; لأنّ الفردين أو الأفراد من طبيعـة واحدة لايعدّ بنظر العرف إلاّ فردان أو أفراد منها ، فزيد وعمرو بنظر العرف فردان من الإنسان ، لا إنسانان ، كما هو كذلك بنظر العقل .
وعلى الثاني فلابدّ من القول بعدم التداخل ; لظهور الشرطيـة في كون كلّ فرد سبباً مستقلاّ للجزاء .
هذا ، ولكن لايخفى أنّ مورد النزاع هو ما إذا كان كلّ واحد من الأفراد سبباً مستقلاّ ، وإلاّ فلايشملـه النزاع في المقام ، فدخولـه فيـه يبتنى على كون الشرط هي الأفراد ، لا أنّ القول بعدم التداخل مبنيّ عليـه ، كما هو صريح ذلك القول المحكي ، وحينئذ فيجري فيـه جميع ما تقدّم في النوعين والأنواع المختلفـة ، والظاهر أنّ المتفاهم منها بنظر العرف أيضاً عدم التداخل با لنسبـة إلى الأفراد من جنس واحد ، فتأمّل .
وأمّا المقدّمـة الثالثـة
الراجعـة إلى أنّ تعدّد الأثر يوجب تعدّد الفعل التي يعبّر عنها بعدم تداخل المسبّبات : فقد ذكر الشيخ في التقريرات : أن لا مجال لإنكارها بعد تسليم المقدّمتين السابقتين ; لأنّا قد قرّرنا في المقدّمـة الثانيـة أنّ متعلّق التكا ليف حينئذ هو الفرد المغاير للفرد الواجب با لسبب الأوّل ، ولايعقل تداخل فردين من ماهيّـة واحدة ، بل ولايعقل ورود دليل على التداخل أيضاً على ذلك التقدير ، إلاّ أن يكون ناسخاً لحكم السببيّـة ، وأمّا تداخل الأغسال فبواسطـة
(الصفحة 254)
تداخل ماهيّاتها ، كما كشف عنـه روايـة الحقوق ، مثل تداخل الإكرام والضيافـة فيما إذا قيل : إذا جاء زيد فأكرم عا لماً ، وإن سلّم عليك فأضف هاشميّاً ، فعند وجود السببين يمكن الاكتفاء بإكرام العا لم الهاشمي على وجـه الضيافـة ، وأين ذلك من تداخل الفردين(1) . انتهى ملخّصاً .
ولايخفى أنّ المراد بكون متعلّق التكا ليف هو الفرد المغاير للفرد الواجب با لسبب الأوّل إن كان هو الفرد الخارجي ، فعدم اجتماع الفردين مسلّم لاريب فيـه ، إلاّ أ نّـه لاينبغي الإشكال في بطلانـه ; لأنّ الموجود الخارجي يستحيل أن يتعلّق التكليف بـه بعثاً كان أو زجراً ، كما قد حقّقناه سابقاً في مبحث اجتماع الأمر والنهي بما لا مزيد عليـه ، وإن كان المراد هو العنوان الذي يوجب تقييد الطبيعـة ، فنقول : إنّ القيود المقسّمـة للطبيعـة على نوعين : نوع تكون النسبـة بين القيود التخا لف بحيث لا مانع من اجتماعها على شيء واحد ، كتقييد الإنسان مثلاً بالأبيض والرومي ، ونوع تكون النسبـة بينها التباين ، كتقييده بالأبيض والأسود ، ومرجع القول بعدم التداخل إلى استحا لـة تعلّق تكليفين بطبيعـة واحدة ، ولزوم تقييدها في كلّ تكليف بقيد يغاير القيد الآخر ، وأمّا لزوم كون التغاير على نحو التباين ، فممنوع جدّاً ، بل يستفاد من ورود الدليل على التداخل كون التغاير بنحو التخا لف الغير المانع من الاجتماع ، فلايلزم أن يكون ناسخاً لحكم السببيّـة ، كما أفاده في كلامـه .
نعم مع عدم ورود الدليل عليـه لا مجال للاعتناء باحتمال كون التغاير بنحو التخا لف في مقام ا لامتثال ; لأنّ التكليف اليقيني يقتضي ا لبراءة اليقينيّـة ، ومع ا لإتيان بوجود واحد لايحصل اليقين با لبراءة عن التكليفين المعلومين ، كما هو واضح .
- 1 ـ مطارح الأنظار: 180 ـ 181.