(الصفحة 274)
كان المخصّص متّصلاً ، وأمّا في المخصّص المنفصل فنقول : ما الذي اُريد با لعا لم قبل ورود التخصيص عليـه ؟ فإن اُريد الجميع من غير اختصاص با لعادل ـ كما هو ظاهر اللّفظ ـ فهو ينافي إخراج الفسّاق بعده ، وإن اُريد خصوص العادل ، فإن استعمل لفظ العا لم في خصوص العادل منـه ، فهو لو لم نقل بكونـه غلطاً فلا محا لـة يكون مجازاً ، وإن لم يستعمل فيـه فهو هازل ، كما صرّح بـه في الإشكال .
فالإنصاف أ نّـه لا مفرّ من الإرادة الاستعما ليـة با لمعنى الذي ذكرنا ، وعدم لزوم المجاز ; لما عرفت من عدم ارتباط المقام بباب المجازات أصلاً .
ثمّ إنّ ما ذكره بعض المحقّقين:
ـ من محشّي الكفايـة ـ من أنّ الإنشاء الواحد لو كان بعثاً حقيقيّاً بالإضافـة إلى البعض دون البعض الآخر مع كونـه متعلّقاً بـه في مرحلـة الإنشاء يلزم صدور الواحد عن داعيين بلا جهـة جامعـة تكون هو الداعي(1) ، ففيـه : أنّ الداعي في أمثال المقام ليس راجعاً إلى ما يصدر منـه الفعل حتّى يقال بأنّ الواحد لايصدر إلاّ من واحد ، والدليل على ذلك مانراه با لوجدان من اجتماع الدواعي المختلفـة على بعض الأفعال الصادرة منّا ، ولا استحا لـة فيـه أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
والمحكي عن المقالات:
أ نّـه ذكر في وجـه حجّيـة العامّ في الباقي أنّ الكثرة والشمول الذي هو معنى العامّ يسري إلى لفظـه ، فكأ نّـه أيضاً كثير ، فسقوط بعض الألفاظ عن الحجّيـة لايستلزم سقوط الباقي(2) .
ويقرب هذا ممّا ذكره الشيخ في التقريرات في وجـه الحجّيـة بعد تسليم
- 1 ـ نهايـة الدرايـة 2: 450.
- 2 ـ مقالات الاُصول 1: 437 ـ 438.
(الصفحة 275)
ا لمجازيـة(1) .
ولايخفى أنّ هذا الكلام ـ الذي با لشعر أشبـه ـ مردود : بأنّ سرايـة الكثرة إلى اللّفظ ممّا لا معنى لها أصلاً ، نظير القول بسرايـة الحسن والقبح إلى الألفاظ ، فإنّ من الواضح أنّ اللّفظ من حيث هو لايكون حسناً ولا قبيحاً ، ولذا لو اُلقي على الجاهل بمعناه لم يتوجّـه إلى شيء منهما ، كما لايخفى .
- 1 ـ مطارح الأنظار: 192 / السطر 17.
(الصفحة 276)الفصل الثاني
في تخصيص العامّ بالمجمل
نبحث في هذا المقام في جهتين :
الجهـة الاُولى: المخصّص اللفظي المجمل مفهوماً
إذا كان الخاصّ مجملاً بحسب المفهوم ، فتارة يكون مُردّداً بين الأقلّ والأكثر ، واُخرى بين المتبائنين ، وعلى التقديرين إمّا أن يكون متّصلاً با لعامّ ، وإمّا أن يكون منفصلاً عنـه ، فا لصور أربع :
منها:
ما إذا كان الخاصّ مردّداً بين الأقلّ والأكثر وكان متّصلاً با لعامّ ، كقولـه : أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم ، أو أكرم العلماء العدول ، وتردّد الفاسق بين الاختصاص بمرتكب الكبيرة أو الشمول لمرتكب الصغيرة أيضاً .
ولاشبهـة في هذه الصورة في عدم جواز الرجوع إلى العامّ با لنسبـة إلى المورد المشكوك ، وهو خصوص مرتكب الصغيرة فقط ، وذلك لأنّ الخاصّ المتّصل با لكلام يصير مانعاً من انعقاد ظهور للعامّ في العموم حتّى يقال بأنّ القدر المتيقّن من الدليل المجمل المزاحم الأقوى هو خصوص مرتكب الكبيرة ،
(الصفحة 277)
فأصا لـة العموم با لنسبـة إلى غيره محكّمـة ، بل الكلام ما دام لم يتمّ لايتّبع ظهوره أصلاً ، بل الظهور الذي يجب اتّباعـه عند العقلاء هو الظهور الحاصل للكلام بملاحظـة جميع قيوده وخصوصياتـه ، فإذا فرض أنّ موضوع الحكم المجعول هو العا لم غير الفاسق فلابدّ من إحراز هذا العنوان الذي هو بمنزلـة الصغرى في تطبيق الكبرى عليـه ، وهذا واضح .
منها:
هذه الصورة مع كون الخاصّ منفصلاً عن العامّ ، ربّما يقال ـ كما في أكثر الكتب الاُصوليـة ـ بجواز الرجوع إلى العامّ في هذه الصورة با لنسبـة إلى المورد المشكوك دخولـه في الخاصّ ; لإجما لـه مفهوماً ; نظراً إلى أنّ العامّ قبل ورود التخصيص عليـه انعقد لـه ظهور في العموم ، ومن الواضح أ نّـه لايرفع اليد عن هذا الظهور إلاّ بسبب حجّـة أقوى منـه ، وحجّيـة الخاصّ إنّما هي با لنسبـة إلى ما يعلم شمولـه لـه يقيناً ; لما عرفت من أنّ إحراز الصغرى شرط في تطبيق الكبرى عليـه ، فقولـه : لا تكرم الفسّاق من العلماء ، لايكون حجّةً إلاّ با لنسبة إلى خصوص مرتكب الكبيرة ، فبا لنسبـة إلى المورد المشكوك لم يقم حجّـة أقوى على خلاف العامّ الذي انعقد لـه ظهور في العموم ، فا لواجب الرجوع إليـه ، كما لايخفى .
وفي الدّرر تنظّر في ذلك وقال بإمكان أن يقال : إنّـه بعدما صارت عادة المتكلّم جاريةً على ذكر التخصيص منفصلاً عن كلامـه ، فحال المنفصل في كلامـه حال المتّصل في كلام غيره ، فكما أ نّـه يحتاج في التمسّك بعموم كلام سائر المتكلّمين إلى إحراز عدم المخصّص المتّصل إمّا با لقطع أو بالأصل ، كذلك يحتاج في التمسّك بعموم كلام المتكلّم المفروض إلى إحراز عدم المخصّص المنفصل أيضاً كذلك ، فإذا احتاج العمل با لعامّ إلى إحراز عدم التخصيص با لمنفصل ، فا للازم الإجمال فيما نحن فيـه ; لعدم إحراز عدمـه لابا لقطع ولابالأصل ، أمّا
(الصفحة 278)
ا لأوّل : فواضح ، وأمّا الثاني : فلما مضى من أنّ جريانـه مخصوص بمورد لم يوجد ما يصلح لأن يكون مخصّصاً ، والمسأ لـة محتاجـة إلى التأمّل(1) . انتهى .
هذا ، ولايخفى أنّ جريان العادة على ذكر التخصيص منفصلاً إنّما يجدي با لنسبـة إلى عدم جواز التمسّك با لعامّ بمجرّد صدوره من المتكلّم ، بل لابدّ من الفحص والبحث عن المخصّص ، وأمّا با لنسبـة إلى عدم جواز الرجوع إليـه بعد العلم با لتخصيص في المورد المشكوك انطباق المخصّص عليـه فلابعد انعقاد ظهور لـه في العموم وعدم المزاحمـة با لحجّـة الأقوى في المورد المشكوك كما بيّنّا .
نعم ، قد يشكل التمسّك بـه في بعض المخصّصات الواردة بلسان التفسير والشرح بحيث يكون ظاهراً في عدم جعل الحكم بنحو العموم الشامل لمورد التخصيص من الأوّل ، مثل : قولـه بعد الأمر بإكرام العلماء : ما أردت إكرام فسّاقهم ، ونحو ذلك من التخصيصات التي تكون بلسان الحكومـة والتفسير العامّ الواقع قبلها .
منها:
ما إذا كان الخاصّ مردّداً بين المتبائنين وكان منفصلاً ، والظاهر أ نّـه لايجوز الرجوع إلى العامّ في شيء من المحتملات ; لأنّ العلم الإجما لي بخروج واحد منها مانع من جريان أصا لـة العموم ; لأنّ جريانها با لنسبـة إلى جميع الأطراف مخا لف للعلم الإجما لي وفي بعضها دون بعض ترجيح من غير مرجّح ، وحينئذ فلو كان مفاد الخاصّ حكماً تحريميّاً والعامّ حكماً وجوبياً ، يدور الأمر بين المحذورين ، وإن كان مفاده الجواز ونفي الوجوب ، فا للاّزم إكرام الجميع ; لتوقّف الامتثال اليقيني عليـه .
- 1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 215.