(الصفحة 285)
اندراجـه تحت العموم ، ولكن المتكلّم لم يبيّنـه لمصلحـة هناك اقتضت ذلك ، فلايجوز لنا لعنـه ; لعلمنا بعدم ثبوت الملاك فيـه ، وأمّا إذا شككنا في إيمان أحد منهم ، فا للاّزم الأخذ با لعموم وجواز لعنـه ; لأنّـه من نفس العموم يستكشف أ نّـه ليس بمؤمن ، وأنّ المتكلّم أحرز ذلك حيث إنّـه من وظيفتـه ، فلو لم يحرز أنّ المشكوك غير مؤمن ، لما ألقى العموم كذلك ، فأصا لـة العموم حينئذ جاريـة ، ويكون المعلوم الخروج من التخصيص الأفرادي حيث إنّـه لم يؤخذ عنوان قيداً للموضوع(1) . انتهى .
وأنت خبير بأنّ محلّ النزاع في هذا المقام:
هو ما إذا كان الخاصّ عنواناً كلّياً ذا مصاديق وأفراد ، غايـة الأمر كون بعض المصاديق مردّداً ، وأمّا إذا كان التخصيص أفرادياً ، فلا إشكال في جواز التمسّك با لعامّ ; لأنّ مرجع الشكّ إلى الشكّ في التخصيص الزائد ، وحينئذ نقول : إن كان الخارج عن عموم قولـه :
«اللّهمّ العن بني أُميـة قاطبـة» هو عنوان المؤمن ، فمن الواضح عدم الفرق بينـه وبين سائر الموارد ، كما هو واضح ، وإن كان التخصيص أفرادياً ، فا لقول با لجواز فيـه ليس تفصيلاً في محلّ النزاع ، كما عرفت .
ثمّ إنّـه قد استدلّ أيضاً على الجواز في مورد النزاع:
بأنّ قول القائل : أكرم العلماء ، يدلّ بعمومـه الأفرادي على وجوب إكرام كلّ واحد من العلماء ، وبإطلاقـه على سرايـة الحكم إلى كلّ حا لـة من الحالات التي تفرض للموضوع ، ومن جملـة حالاتـه كونـه مشكوك الفسق والعدا لـة ، كما أنّ من جملـة حالاتـه كونـه معلوم العدا لـة أو معلوم الفسق ، وخرج بقولـه : لا تكرم الفسّاق من العلماء ، معلوم الفسق منهم ، لا لمدخليـة العلم في الموضوع ، بل لأنّ المعلوم خروج معلوم
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 536 ـ 539.
(الصفحة 286)
ا لفسق ، ولايعلم خروج الباقي ، فمقتضى أصا لـة العموم والإطلاق بقاء المشكوك تحت الحكم هذا .
وهذا الدليل أوضح فساداً من الدليل المتقدّم ، وذلك لأنّ موضوع حرمـة الإكرام إنّما هو الفاسق الواقعي ، لا الفاسق المعلوم ، وحينئذ فلو قيل بشمول حكم العامّ لـ «زيد» الذي هو مشكوك الفسق ، يلزم اجتماع حكمين واقعيّين ـ : أحدهما إيجابي ، والآخر تحريمي مثلاً ـ على إكرامـه لو كان في الواقع فاسقاً ، فهو من حيث إنّـه مشكوك الفسق يكون إكرامـه واجباً بمقتضى العامّ ، ومن جهـة أ نّـه فاسق واقعاً يكون إكرامـه محرّماً بمقتضى دليل الخاصّ هذا ، ولو صحّ ما ذكره يلزم تعلّق حكمين بإكرامـه من جهـة واحدة ، وذلك لأنّ الإطلاق الاحوا لي كما يجري في دليل العامّ يجري في الخاصّ أيضاً ; لأنّ موضوعـه هو الفاسق الواقعي ، سواء كان معلوم الفسق أومشكوكـه ، فزيد من حيث إنّـه مشكوك الفسق كمايجب إكرامـه بمقتضى إطلاق العامّ كذلك يكون مقتضى دليل ا لخاصّ حرمـة إكرامـه ، ومن ا لواضح استحا لـة اجتماع ا لحكمين .
وتوهّم:
اندفاع الإشكال الأوّل بأنّ اجتماعهما في المقام نظير اجتماع الحكم الواقعي مع الظاهري ، وذلك ; لأنّ حكم الخاصّ غير مقيّد بخلاف العامّ ، فإنّ شمولـه لـه إنّما هو من حيث كونـه مشكوك الفسق ، فموضوعـه مقيّد با لشكّ دون حكم الخاصّ .
مندفع:
بأنّ الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري من جهـة أنّ الشكّ في الأوّل مأخوذ في موضوع الثاني ، وهنا ليس كذلك ; لأنّ شمول العامّ لـه ليس لكونـه مشكوك الحكم ، بل لكونـه مشكوك الفسق ، فلاربط لهذا المقام بذلك الباب .
وا لذي يسهّل الخطب أنّ معنى الإطلاق ليس كما توهّمـه المستدل ، بل هو
(الصفحة 287)
ـ كما ذكرناه مراراً ـ عبارة عن أنّ تمام الموضوع للحكم المجعول هو المذكور بلا مدخليـة شيء آخر ، لا أ نّـه قد لاحظ السريان والشمول ، فإنّـه حينئذ لايبقى فرق بينـه وبين العموم أصلاً ، وهذا المورد أيضاً من الموارد التي وقع الخلط فيها بينهما ، فتأمّل ; لكي لا تخلط بينهما .
وينبغي التنبيـه على اُمور :
الأمر الأوّل: التمسّك بالعامّ مع كون الخاص معلّلاً
إذا خصّص العامّ ببعض أفراده على نحو التخصيص الأفرادي معلّلاً إخراج الفرد المخرج بعلّـة عامّـة لـه ولغيره ، مثل : ما إذا خصّص قولـه : أكرم كلّ رجل عا لم ، بقولـه : لا تكرم زيداً ، معلّلاً بأ نّـه فاسق ، فهل يوجب ذلك أن يكون المخصّص في الحقيقـة هو عنوان الفاسق ، فيجري فيـه ما تقدّم فيما تردّد أمر بعض أفراد العامّ بين انطباق عنوان الخاصّ عليـه وعدمـه من عدم جواز التمسّك با لعامّ با لنسبـة إليـه ، أو أنّ التخصيص هنا أفرادي ولايكون المخرج عنواناً كليّاً ، فيجوز التمسّك بـه ; لأنّ مرجعـه إلى الشكّ في التخصيص الزائد ، وهو منفيّ بأصا لـة العموم ؟ وجهان ، والظاهر : الأوّل ; لمساعدة العرف وشهادتـه بكون المخرج هو عنوان الفاسق في المثال ، كما لايخفى .
الأمر الثاني: العامّين من وجـه المتنافيي الحكم
إذا كان هناك عامّان من وجـه ، مثل : قولـه : أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق ، فبناء على كونـه من صغريات مسأ لـة اجتماع الأمر والنهي يكون غير مرتبط با لمقام ، وأمّا بناء على ثبوت التعارض بينهما وتقديم أحد الدليلين با لنسبـة إلى مورد الاجتماع ، فلا إشكال في عدم جواز التمسّك با لعامّ في الفرد المشكوك
(الصفحة 288)
انطباق عنوان الخاصّ عليـه ; لعدم الفرق بينـه وبين سائر الموارد ، كما هو واضح ولو فرض كونهما من قبيل الدليلين المتزاحمين بمعنى ثبوت المقتضيين في مورد الاجتماع ، غايـة الأمر ترجيح أحدهما ; لأقوائيـة ملاكـه من ملاك الآخر ، ففي جواز التمسّك في الفرد المشكوك انطباق عنوان المزاحم الأقوى عليـه با لدليل الآخر الذي ينطبق عنوان عليـه قطعاً وعدمـه وجهان مبنيّان على أنّ الحكم في المتزاحمين با لنسبـة إلى ما هو ملاكـه أضعف هل هو حكم إنشائي أو أ نّـه باق على فعليّتـه ؟ غايـة الأمر أنّ المكلّف معذور في مخا لفتـه لصرف قدرتـه في المزاحم الأقوى .
فعلى الأوّل لايجوز التمسّك با لدليل الآخر أيضاً ; لأنّ الإرادة الجدّيـة فيـه مقصورة بما عدا مورد المزاحم ، ولايعلم تعلّقها با لفرد المشكوك ، كما أ نّـه لايعلم شمول الدليل الآخر لـه أيضاً .
وعلى الثاني يجوز التمسّك بـه ، بل لا مجال لمخا لفتـه بعد كونـه حكماً فعليّاً ، وإحراز كونـه معذوراً متوقّف على شمول الدليل الآخر لـه ، وهو مشكوك ، ومن المعلوم أنّ الشكّ في العذر لايبيح مخا لفـة التكليف الفعلي المتوجّـه إليـه ، كما إذا شكّ في كونـه قادراً على امتثال سائر التكا ليف الفعليـة المتوجّهـة إليـه ، فإنّ العقل لايحكم بكونـه معذوراً في مخا لفتها أصلاً ، كما لايخفى .
هذا وقد عرفت في مبحث الترتّب أنّ الأقوى كون الحكمين المتزاحمين فعليّين ، غايـة الأمر كونـه معذوراً في مخا لفـة أحدهما لو صرف قدرتـه في امتثال الآخر ، وأمّا مع مخا لفـة كليهما فيستحقّ العقوبتين ، وحينئذ فا للاّزم في المقام بناء عليـه جواز التمسّك با لدليل الذي ملاكـه أضعف في المورد المشكوك ، كما عرفت .
(الصفحة 289)
الأمر الثالث: إحراز المصداق بالأصل في الشبهـة المصداقيـة
هل يجوز إحراز كون الفرد المشكوك انطباق عنوان الخاصّ عليـه من أفراد العامّ بما هو حجّـة بالأصل الموضوعي مطلقاً ، أو لايجوز كذلك ، أو يفصّل بين الاُصول العدميـة الأزليـة وغيرها ؟ وجوه بل أقوال :
صريح محكي المقالات هو الوجـه الثاني .
قال في محكيّ كلامـه ما ملخّصـه:
إنّ التخصيص لايوجب تضييقاً في العامّ حتّى با لنسبـة إلى الإرادة الجدّيـة ; لأنّـه بمنزلـة موت بعض الأفراد ، فكما أنّ موت بعض أفراده لايوجب تغييراً في العامّ بل هو باق على عمومـه كذلك التخصيص ; لأنّ موضوع الحكم بعده أيضاً هو كلّ عا لم مثلاً ، وحينئذ فهو لايوجب أن يكون العامّ معنوناً بعنوان غير الخاصّ حتّى يثبت ذلك العنوان بالاُصول العدميـة ، فاستصحاب عدم فسق زيد ـ سواء كان من الاُصول الأزليـة أو كان استصحاباً لحا لتـه السابقـة التي علم فيها بعدا لتـه وعدم كونـه فاسقاً ـ إنّما يجري عليـه نفي الحكم المترتّب على الفسّاق ، ولايثبت بـه حكم العامّ ; لكونـه لازماً عقليّاً ، كما هو واضح .
وقد عرفت:
أنّ العامّ لايكون معنوناً بغير عنوان الخاصّ حتّى يثبت بالاستصحاب ذلك العنوان ، فيترتّب عليـه حكم العامّ .
نعم لو كان رفع الشكّ في المورد المشكوك بيد الشارع ، كما في الصلح والشرط المشكوك كونهما مخا لفين للكتاب والسنّـة فيبطلان أو موافقين لهما فيصحّان ، لابأس با لرجوع إلى عمومات أدلّـة الصلح والشرط(1) . انتهى .
- 1 ـ مقالات الاُصول 1: 444 ـ 445.