(الصفحة 300)
منجّس ، فأصا لـة العموم يقتضي منجّسيّـة جميع النجاسات ممّا لايكون بمنجّس لايكون نجساً على ما هو مقتضى عكس نقيضـه .
هذا ، وحكي عن المقالات أنّ أصا لـة العموم وإن كانت جاريةً إلاّ أنّ عكس نقيض القضيـة الذي هو لازم لها لايثبت بها ; لأنّ الدليل عليها هو بناء العقلاء ، ولم يثبت بناؤهم على ترتيب اللّوازم عليها ، وللمقام نظائر كثيرة من حيث التفكيك بين اللازم والملزوم في عدم إثبات الثاني بالأوّل ، وكذا العكس(1) .
والتحقيق أن يقال:
بأنّ جريان أصا لـة العموم في أمثال المقام مورد تأمّل وإشكال ; لأنّ مدركها هو بناء العقلاء ، فيحتاج في جريانها فيـه إلى إحراز بنائهم ، مع أنّ المتيقّن ما إذا كان المراد غير معلوم ، مثل : ما إذا شكّ في وجوب إكرام زيد العا لم بعد قولـه : أكرم العلماء ، وأمّا إذا علم مراده وشكّ في علمـه لأن يترتّب عليـه الأحكام الاُخر ، فلم يعلم استقرار بنائهم على التمسّك بـه ، نظير أصا لـة الحقيقـة التي ينحصر مورد جريانها بما إذا شكّ في كون المراد هل هو المعنى الحقيقي أو المجازي ، وأمّا إذا علم با لمراد ولكن لم يعلم أ نّـه معنى حقيقي للّفظ ومجازي لـه ، فلا تجري أصا لـة الحقيقـة لإثبات أنّ المعنى المراد معنى حقيقي لـه ، فالإنصاف أ نّـه لايجري الأصل في المقام حتّى يتكلّم في إثبات اللوازم بـه أوّلاً .
وممّا ذكرنا يظهر:
أ نّـه لا مانع من التمسّك بأصا لـة العموم فيما لو علم بحرمـة إكرام زيد ولكن شكّ في أنّ المراد بـه هو زيد العا لم ، فيكون مخصّصاً ، أو زيد الجاهل ، فيكون تخصّصاً .
- 1 ـ مقالات الاُصول 1: 450.
(الصفحة 301)
وجـه الجريان : أنّ المراد با لنسبـة إلى زيد العا لم مشكوك ، لأنّـه لايعلم أ نّـه هل يجب إكرامـه أم لا ، فلابأس با لتمسّك بأصا لـة العموم لإثبات وجوب إكرامـه ، فيترتّب عليـه حرمـة زيد الجاهل ، ويصير مدلول قولـه : لا تكرم زيداً ، مبيّناً حينئذ ; لخروجـه عن الإجمال بسبب وجوب إكرام زيد العا لم الثابت بأصا لـة العموم ، فتأمّل في الفرق بين المسأ لتين حتّى لايختلط عليك الأمر .
(الصفحة 302)الفصل الثالث
في وجوب الفحص عن المخصّص
هل يجوز التمسّك با لعامّ قبل الفحص عن المخصّص أم لا ؟ فيـه خلاف .
تقرير محطّ البحث ومحلّ النزاع
وليكن محلّ البحث ممحّضاً في أنّ أصا لـة العموم هل يكون متّبعةً مطلقاً ، أو بعد الفحص واليأس ؟ بعد الفراغ عن حجّيتها من باب الظنّ النوعي وعدم اختصاص حجّيتها با لمشافهين ، ولم يكن العامّ معلوم التخصيص تفصيلاً أو إجمالاً ، كما أنّ الظاهر اختصاصـه با لمخصّص المنفصل ، وأمّا المتّصل فلايكون احتما لـه مانعاً من التمسّك بها مطلقاً ; لأنّـه نظير قرينـة المجاز ، وقد قام الإجماع على عدم الاعتناء باحتما لها .
إذا ظهر لك ذلك ، فاعلم أنّ التحقيق يقتضي التفصيل في الموارد ، كما في الكفايـة(1) والقول بلزوم الفحص فيما إذا كان العامّ في معرض التخصيص ، نظير
(الصفحة 303)
ا لعمومات الواقعـة في القوانين التي يجعلها العقلاء لنظام اُمورهم على ما هو المتداول بينهم ، فإنّ جعل القانون يقتضي أن يجعل في الأوّل أمراً كليّاً ثمّ بيان المخصّصات والمستثنيات في الفصول المتأخّرة والقوانين الموضوعـة في الشريعـة إنّما هي على هذا المنوال ، ولم تكن مجعولةً على غير النهج المتعارف بين العقلاء المقنّنين للقوانين الدنيويـة التي يكون المقصود بها انتظام اُمورهم ، وهذا بخلاف العمومات الواقعـة في ألسنـة أهل المحاورات التي لو كان المقصود بها غير ما هو ظاهرها لاتّصل بـه ما يدلّ على ذلك نوعاً ، ولم يكن دأبهم بيان العموم ثمّ ذكر المخصّص لو كان مخصّصاً في البين ، فأصا لـة العموم في هذا النحو من العمومات متّبعـة مطلقاً ، بخلاف ما كان من قبيل الأوّل ، فإنّ جريانها فيـه مشروط با لفحص واليأس عن الظفر با لخاصّ .
ومن هنا يظهر:
أنّ الفحص هنا أيضاً يكون عمّا لا حجّيـة للعامّ بدون الفحص عنـه نظيره في الاُصول العمليـة التي لم تكن حجّةً قبل الفحص أصلاً ; لما عرفت من أنّ جريانها مشروط با لفحص فقبلـه لايكون هنا حجّـة أصلاً ; لتوقّف الحجيّـة على إحراز كون مدلول الكلام مراداً جدّياً للمولى ، وهذا المعنى إنّما يثبت بعد جريان أصا لـة العموم التي تكون مشروطةً با لفحص ، فعدم جريانها قبلـه يوجب عدم حجّيـة العامّ .
فظهر أنّ العامّ قبل الفحص عن المخصّص لايكون حجّةً أصلاً ، كما أنّ الاُصول العمليـة أيضاً كذلك .
فانقدح بذلك:
فساد ما في الكفايـة(1) من الفرق بين الفحص في المقامين بأنّ الفحص هنا عمّا يزاحم الحجّيـة ، بخلافـه هناك ; فإنّـه بدونـه لا حجّـة .
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 265 ـ 266.
(الصفحة 304)
وجه الفساد ما عرفت من أنّ العامّ قبل الفحص أيضاً لايكون حجّةً ; لما مرّ .
ثمّ لايخفى أ نّـه وإن لم يكن حجّـة قبلـه إلاّ أنّ ظهوره في العموم قد انعقد واستقرّ ولو بعد التخصيص ، سواء كانت العمومات من قبيل الأوّل أو الثاني ; إذ مجرّد جري العادة على ذكر المخصّصات منفصلاً لايوجب إلاّ عدم حجّيـة العامّ قبل الفحص عنها ، لا عدم انعقاد ظهور لـه في العموم ، وعليـه فلو كان الخاصّ دائراً بين الأقلّ والأكثر ، لايسري إجما لـه إلى العامّ أصلاً بل يرفع اليد عن ذلك الظهور با لمقدار الذي يكون الخاصّ فيـه حجّةً ، ويحكم في الباقي بتطابق الإرادة الجدّية مع الاستعما ليـة .
فما في الدّرر ـ من أنّ حال المخصّص المنفصل في كلام المتكلّم الذي جرت عادتـه على بيان الخاصّ منفصلاً حال المخصّص المتّصل في كلام غيره ، فيسري إجما لـه في الفرض المذكور إلى العامّ(1)ـ محلّ نظر بل منع ، فتدبّر .
الاستدلال على لزوم الفحص بالعلم الإجمالي
ثمّ إنّك عرفت أنّ محلّ النزاع في هذا المقام هو ما إذا لم يكن العامّ من أطراف ما عُلم إجمالاً بتخصيصـه ، ولكن بعضهم عمّموا النزاع ، واستدلّوا على لزوم الفحص با لعلم الإجما لي بورود المخصّصات على العمومات .
وتقريبـه:
أ نّا نعلم إجمالاً بوجود مقيّدات ومخصّصات للعمومات والإطلاقات فيما بأيدينا من الكتب بل مطلق الجوامع ولو ما لم يصل منها إلينا ، كما هو معلوم لكلّ مَنْ راجعها ، ومن المعلوم عدم جريان الاُصول في أطراف العلم الإجما لي كما قد قرّر في محلّـه .
- 1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 223.