(الصفحة 328)
عن محلّ البحث ; فإنّ مورده هو ما إذا كان المفهوم معارضاً للعامّ با لعموم والخصوص .
مثا لـه : ما إذا قال : أكرم العلماء ، ثمّ قال : إذا جاءك زيد العا لم فأكرمـه ، فإنّ مفهومـه أ نّـه إذا لم يجئك فلايجب إكرامـه ، وهو يخا لف العموم .
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أ نّـه إذا ورد العامّ وما لـه المفهوم في كلام واحد ودار الأمر بين تخصيص العموم أو إلغاء المفهوم ، فإن كان كلّ واحد منهما مستفاداً من الإطلاق بقرينـة مقدّمات الحكمـة ، أو كان كلٌّ منهما با لوضع ، فا لظاهر إجمال الدليل ، ووجوب الرجوع إلى الاُصول العمليّـة ، وإلاّ فلو كان واحد منهما مستفاداً من الإطلاق ، والآخر با لوضع ، فلاشبهـة في كون الترجيح مع الظهور الوضعي ; لعدم تماميـة مقدّمات الحكمـة معـه .
وأمّا لو كانا في كلامين لايصلح أن يكون واحد منهما قرينةً متّصلة للآخر ، فإن كان أحدهما مستفاداً من الإطلاق والآخر مدلولاً عليـه با لوضع ، فلاشبهـة في تقديمـه على الأوّل لو كان عدم البيان المأخوذ في مقدّمات الحكمـة أعمّ من البيان المتّصل ، وعلى تقدير الاختصاص بـه يتمّ الإطلاق ، ويعارض الآخر ، مثل ما إذا كان كلّ واحد منهما مستفاداً من الإطلاق أو مدلولاً عليـه با لوضع ، والترجيح فيـه يدور مدار الأظهريـة ، كما لايخفى .
(الصفحة 329)الفصل السابع
تخصيص الكتاب بالخبر الواحد
لاشبهـة في جواز تخصيص الكتاب با لخبر الواحد المعتبر با لخصوص ، كما يجوز با لكتاب وبا لخبر المتواتر أو الواحد المحفوف با لقرينـة القطعيـة اتّفاقاً ; لوضوح استقرار سيرة الأصحاب على العمل با لخبر الواحد في قبال عمومات الكتاب .
وعمدة ما يتوهّم سنداً للمنع هي الأخبار الدالّـة على وجوب طرح الأخبار المخا لفـة للقرآن(1) ، وضربها على الجدار(2) ، وأ نّها زخرف(3) ، وأ نّها ممّا لم يقل بـه الإمام(عليه السلام)(4) على اختلاف ألسنتها .
- 1 ـ وسائل الشيعـة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 10 و19 و 29 و 35.
- 2 ـ الكافي 1: 69 / 3.
- 3 ـ وسائل الشيعـة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث12 و14.
- 4 ـ نفس المصدر، الحديث 15.
(الصفحة 330)
ولايخفى عدم دلالتها على المنع في المقام ; لوضوح أنّ المخا لفـة با لعموم لا تعدّ بنظر العرف مخا لفـة ، ضرورة ثبوت هذا النحو من المخا لفـة في نفس الكتاب العزيز ، مع أنّ قولـه تعا لى :
(وَلَو كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللّـهِ لَوَجَدُوا فِيـهِ اختِلافاً كَثيراً)(1) ينادي بعدم الاختلاف فيـه .
مضافاً إلى أنّ صدور الأخبار المخا لفـة للكتاب بهذا المعنى من الأئمّـة (عليهم السلام) كثيرة جدّاً .
وا لسرّ فيـه ما عرفت من عدم كون هذه المخا لفـة مخا لفةً بنظر العرف والعقلاء ، وثبوت المناقضـة ، والتنافي بين الموجبـة الكلّيـة والسا لبـة الجزئيّـة ، وكذا بين السا لبـة الكلّيـة والموجبـة الجزئيّـة وإن كان أمراً بديهيّاً إلاّ أنّ ذلك في غير محيط جعل القوانين وتقنينها ، كما لايخفى .
(الصفحة 331)الفصل الثامن
في استثناء المتعقّب لجمل متعدّدة
هل الاستثناء المتعقّب للجُمل المتعدّدة ظاهر في رجوعـه إلى الكلّ أو خصوص الأخيرة ، أو لا ظهور لـه في واحد منهما ؟ وجوه وأقوال .
ولابد من البحث هنا في مقامين :
المقام الأوّل: إمكان الرجوع إلى الجميع
وليعلم أنّ ذلك إنّما هو بعد الفراغ عن إمكان رجوعـه إلى الكلّ مع أ نّـه قد يقال باستحا لتـه ; نظراً إلى أنّ آلـة الاستثناء قد تكون حرفاً ، وقد تكون اسماً ، وعلى التقديرين تارةً يكون المستثنى عنواناً كلّياً منطبقاً على كثيرين ، واُخرى يكون فرداً واحداً متصادقاً عليـه جميع العناوين المستثنى منها ، وثا لثـة يكون أفراداً متعدّدة كلّ واحد منهما فرد لعنوان من تلك العناوين ، مثل ما إذا قال : أكرم العلماء وأهن الفسّاق وأضف الهاشمي إلاّ زيداً ، وكان زيد المستثنى مردّداً بين زيد العا لم وزيد الفاسق وزيد الهاشمي وبين خصوص الأخير .
أمّا إذا كانت أداة الاستثناء اسماً وكان المستثنى عامّاً ، فالإخراج من الجميع
(الصفحة 332)
من دون ملاحظـة الوحدة بينهما يستلزم استعمال اللّفظ في أكثر من معنى واحد ، وهو مستحيل ، وكذا فيما لو كان المستثنى فرداً واحداً .
وأمّا لو كان المستثنى أفراداً متعدّدة ، فمضافاً إلى ذلك يلزم استعمال المستثنى أيضاً في أكثر من معنى واحد .
وأمّا لو كانت أداة الاستثناء حرفاً ، فبناءً على كونـه موضوعاً للجزئيّات ، فاستعما لها في أكثر من فرد واحد مستلزم لذلك المحذور الذي جريانـه في الحروف أوضح ; لأنّ اندكاكها في متعلّقاتها أشدّ من فناء الألفاظ في معانيها الاسميـة(1) .
أقول:
قد عرفت أنّ استعمال اللّفظ في الأكثر من معنى واحد بمكان من الإمكان ، وأنّ الوجوه التي استندوا إليها لإثبات الاستحا لـة لم تكن ناهضةً لإثباتها ، والموضوع لـه في الحروف وإن لم يكن عامّاً إلاّ أ نّـه لا إشكال في استعما لها في أكثر من واحد ، والجامع بين معانيها وإن كان منتفياً ، ضرورة عدم وجود الجامع الحقيقي بين الابتداءات الخارجيّـة مثلاً ، ومفهوم الابتداء الذي هو معنى اسمي لم يكن ابتداء حقيقةً إلاّ أ نّـه مع ذلك يمكن استعما لها في أكثر من واحد تبعاً للأسماء ومتعلّقاتها ; نظير قولـه : سر من كل نقطـة من البصرة فإنّ الكثرة ـ التي هي مفاد الكلّ ـ تسري إلى «من» أيضاً فيفيد وجوب السير مبتدئاً من كلّ نقطـة .
ومنـه يظهر أنّ جواز استعمال الحرف في أكثر من واحد أوضح من جواز استعمال الاسم كذلك ; لما عرفت من تبعيّـة المقتضيـة لسرايـة مدلولـه إليـه ، كما هو واضح .
- 1 ـ لاحظ معالم الدين: 125 ـ 130، مقالات الاُصول 1: 475.