(الصفحة 345)
أو بعدمـه .
فالأوّل:
هي الماهيّـة البشرط شيء ، ومثا لـه : ماهيّـة الجسم با لنسبـة إلى التحيّز ، فإنّها تكون دائماً مشروطـة بـه ، ويستحيل تحقّق الانفكاك بينهما ولولم تلاحظ كذلك .
والثاني:
هي الماهيّـة البشرط لا ، ومثا لـه : ماهيّـة الجسم با لنسبـة إلى التجرّد مثلاً ، فإنّها تكون دائماً متفرّقـة عنـه ، ولايعقل اجتماعهما .
والثالث:
هي الماهيّـة اللاّبشرط ، ومثا لـه : ماهيّـة الإنسان با لنسبـة إلى الكتابـة ، فإنّها لا تكون مشروطةً بوجودها دائماً بحيث كان الانفكاك مستحيلاً ، ولابعدمها بحيث كان ا لاجتماع محالاً ، بل ربّما توجد معها وربّما توجد منفكّة عنها .
وممّا ذكرنا يظهر:
أنّ الماهيّـة با لنسبـة إلى كلّ قيد لوحظ معها لها أحد الأقسام الثلاثـة على سبيل المنفصلـة الحقيقيـة ، ولايعقل اجتماعها با لنسبـة إلى قيد واحد ، كما لايخفى ، كما أ نّـه ظهر ثبوت المغايرة بين المقسم والقسم ، فإنّ المقسم هي نفس الماهيّـة المحفوظـة في جميع الأقسام الثلاثـة ، وبإضافـة شيء من الخصوصيّات المأخوذة في الأقسام يتحقّق قسم منها ، كما لايخفى .
ثمّ إنّـه أفاد المحقّق النائيني ـ على ما في التقريرات ـ هنا كلاماً في معنى الأقسام وبيان الفرق بين اللاّبشرط القسمي والمقسمي(1) .
وفيـه ـ مضافاً إلى المناقضـة بين الصدر والذيل ـ وجوه من الخلل ، كما يظهر لمن راجعـه وتأمّل .
وا لإنصاف أنّ ما ذكرنا هو التقسيم المعقول الذي يمكن أن يكون مقصوداً لأساطين الحكمـة ، كما عرفت .
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 569.
(الصفحة 346)منها: علم الجنس
وهي كاسامـة ، والمشهور بين أهل العربيـة أ نّـه موضوع للطبيعـة بما هي متعيّنـة ، ولذا يعامل معـه معاملـة المعرفـة .
ولكن ذهب في الكفايـة إلى أ نّـه موضوع لصرف المعنى ونفس الطبيعـة ، كاسم الجنس ، والتعريف لفظي ، كما في التأنيث اللفظي ; نظراً إلى أ نّـه لو لم يكن كذلك لما صحّ حملـه على الأفراد بلا تصرّف وتأويل ; لأنّـه على المشهور أمر ذهني ، وهو لايصدق على الخارج إلاّ مع التجريد ، مع صحّـة حملـه عليها بدونـه .
مضافاً إلى أنّ وضعـه لما يحتاج إلى التجريد في مقام الاستعمال لايصدر عن الواضع الحكيم(1) .
ولكنّـه تنظّر فيـه في كتاب الدّرر حيث قال:
وفيما أفاده نظر ; لإمكان دخل الوجود الذهني على نحو المرآتيّـة في نظر اللاّحظ ، كما أ نّـه ينتزع الكلّيـة عن المفاهيم الموجودة في الذهن لكن لا على نحو يكون الوجود الذهني ملحوظاً للمتصوّر با لمعنى الاسمي ; إذ هي بهذه الملاحظـة مباينـة مع الخارج ، ولا تنطبق على شيء ، ولا معنى لكلّيـة شيء لاينطبق على الخارج أصلاً .
إذا عرفت هذا ، فنقول : إنّ لفظ «اسامـة» موضوع للأسد بشرط تعيّنـه في الذهن على نحو الحكايـة عن الخارج ، ويكون استعمال ذلك اللّفظ في معناه بملاحظـة القيد المذكور ، كاستعمال الألفاظ الدالّـة على المعاني الحرفيّـة ، فافهم وتدبّر(2) . انتهى .
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 283.
- 2 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 232.
(الصفحة 347)
أقول:
أخذ اللحاظ ولو كان با لمعنى الحرفي في المعنى الموضوع لـه معناه كونـه متقوّماً بـه ، وإلاّ فيصير الموضوع لـه مجرّد المعنى من دون مدخليـة شيء ، ولم يبق فرق بين علم الجنس واسمـه ، ومع تقوّم معنى الأوّل بـه يرد عليـه ما أفاده في الكفايـة(1) ، كما لايخفى .
والتحقيق أن يقال:
إنّ الفرق بين المعرفـة والنكرة واتّصاف شيء بالأوّل وشيء آخر با لثاني أمر واقعي ، فإنّ المعرفـة هو ما كان في الواقع متعيّناً غير قابل للتردّد والإبهام ، مثل الأعلام الشخصيـة ، فإنّ لفظ «زيد» موضوعـة لشخص متعيّن في الواقع ، بخلاف النكرة ، فإنّ معنى الرجل المنكّر هو الفرد المردّد من طبيعـة الرجل والمبهم في نفس الأمر ، فالامتياز والتفاوت إنّما هو بحسب الواقع ، وحينئذ فنقول : الموضوع لـه في باب اسم الجنس هي نفس الطبيعـة بما هي هي ، والطبيعـة في هذه المرتبـة التي هي مرتبـة ذات الطبيعـة لا تكون معرفـة ولا نكرة ، ولذا يكون عروض التعريف والتنكير بسبب أمر آخر ، مثل الألف واللاّم المفيدة لتعريف الجنس ، وتنوين التنكير المفيدة لنكارتـه ، فلو كان معنى «رجل» الذي هو اسم الجنس معرّفاً ، لم يحتج في تعريفـه إلى إلحاق الألف واللاّم بـه ويستحيل تنكيره من غير تجريد كما لايخفى ، كما أ نّـه لو كان منكّراً ، لم يحتج إلى التنوين ، ولم يصحّ تعريفـه من غير تجريد ، وليس ذلك إلاّ لكون نفس الطبيعـة الموضوع لها اسم الجنس لايكون معرفـة ولا نكرة ، ولذا لايستعمل كذلك .
وأمّا علم الجنس فهو موضوع لنفس الطبيعـة الممتازة عن سائر الطبائع ، فإنّ كلّ طبيعـة إذا لوحظت بالإضافـة إلى سائر الطبائع تكون ممتازة عنها ومتعيّنـة بذاتها في عا لم الواقع ونفس الأمر ، وليس ذلك التعيّن دائراً مدار الاعتبار ، بل هو
(الصفحة 348)
أمر واقعي ، كا لتعريف في غيره من الموارد ، وحينئذ فا للّحاظ ليس مأخوذاً في المعنى حتّى يستحيل انطباقـه على الخارج ، بل المعنى هي الطبيعـة الممتازة بذاتها واقعاً ، وهو قابل للاتّحاد مع الخارج .
وبا لجملـة ، فمفاد علم الجنس والمعرّف بلام الجنس واحد غايـة الأمر تعدّد الدالّ في الثاني دون الأوّل ، كما لايخفى .
منها: المفرد المعرّف باللام
وممّا ذكرنا ظهر الحال في المفرد المعرّف با للاّم ، فإنّ المعرّف بلام الجنس معناه ما عرفت .
وأمّا المعرّف بلام الاستغراق أو العهد بأقسامـه فإنّـه أيضاً موضوع للمعنى المتعيّن ، وهو جميع الأفراد في الأوّل ، والمعنى المعهود في الثاني .
منها: النكرة
مثل «رجل» في جاء رجل ، أو جئني برجل .
وذكر في الكفايـة أنّ مدلولها في مثل الأوّل هو الفرد المعيّن المجهول عند المخاطب ، وفي الثاني هي الطبيعـة المأخوذة مع قيد الوحدة التي يدلّ عليها تنوين التنكير ، فيكون مدلولها في الأوّل جزئيّاً ، كما هو واضح ، وفي الثاني كلّياً(1) ، وهي حصّـة من الرجل ولايخفى أنّ الجزئيـة في الأوّل إنّما يستفاد من دالّ آخر ، وهو نسبـة المجيء إليـه ، وإلاّ فمن الواضح عدم تعدّد الوضع في باب النكرة ، فا لتحقيق أنّ مدلولها هو المعنى الكلّي في الموضعين .
(الصفحة 349)
ثمّ إنّك عرفت أنّ معنى المطلق هو خلوّ المعنى عن القيد ، سواء كان كليّاً أو جزئياً ، وحينئذ فتخصيص المطلق باسم الجنس والنكرة با لمعنى الثاني ـ كما أفاده في الكفايـة ـ في غير محلّـه ; لأنّ النكرة با لمعنى الأوّل ـ الذي هو أمر جزئي ـ مطلقـة ، كما في سائر الجزئيات ، فإنّ قولـه : أكرم زيداً ، مطلق من حيث عدم تقييد زيد با لجائي أو بغيره من القيود ، كما أ نّك عرفت أنّ لفظ المطلق لايحكي إلاّ عن نفس الطبيعـة ، وهي لايعقل أن تكون مرآةً للأفراد والخصوصيّات ، ومعنى إطلاقها من حيث تعلّق الحكم بها هو كون تمام المتعلّق للحكم المجعول هي نفسها من غير مدخليـة شيء آخر فيها ، وهذا المعنى يستفاد من فعل المتكلّم حيث إنّـه إذا كان بصدد بيان متعلّق حكمـه وكان مختاراً في التكلّم فهذا دليل بنظر العقل على أنّ المذكور تمام المتعلّق ، وليس ذلك من قبيل الدلالات اللفظيـة ، بل هو من الدلالات العقليّـة ، كدلالـة التكلّم على كون مدلول الكلام مقصوداً للمتكلّم ، وحينئذ فيظهر لك أنّ إثبات الإطلاق بضميمـة مقدّمات الحكمـة أو بغيرها ليس يرجع إلى إثبات الشياع والسريان ، كما ذكره في الكفايـة حيث قال : إنّ الشياع والسريان ـ كسائر طوارئ الطبيعـة ـ يكون خارجاً عمّا وضع لـه لفظ المطلق ، فلابدّ في الدلالـة عليـه من قرينـة حال أو مقال أو حكمـة(1) ، فإنّ ظاهره أنّ جريان مقدّمات الحكمـة يفيد الشياع والسريان ، مع أنّ مفادها ليس إلاّ كون المذكور تمام الموضوع ، ولا مدخليّـة لشيء آخر فيـه .