(الصفحة 347)
أقول:
أخذ اللحاظ ولو كان با لمعنى الحرفي في المعنى الموضوع لـه معناه كونـه متقوّماً بـه ، وإلاّ فيصير الموضوع لـه مجرّد المعنى من دون مدخليـة شيء ، ولم يبق فرق بين علم الجنس واسمـه ، ومع تقوّم معنى الأوّل بـه يرد عليـه ما أفاده في الكفايـة(1) ، كما لايخفى .
والتحقيق أن يقال:
إنّ الفرق بين المعرفـة والنكرة واتّصاف شيء بالأوّل وشيء آخر با لثاني أمر واقعي ، فإنّ المعرفـة هو ما كان في الواقع متعيّناً غير قابل للتردّد والإبهام ، مثل الأعلام الشخصيـة ، فإنّ لفظ «زيد» موضوعـة لشخص متعيّن في الواقع ، بخلاف النكرة ، فإنّ معنى الرجل المنكّر هو الفرد المردّد من طبيعـة الرجل والمبهم في نفس الأمر ، فالامتياز والتفاوت إنّما هو بحسب الواقع ، وحينئذ فنقول : الموضوع لـه في باب اسم الجنس هي نفس الطبيعـة بما هي هي ، والطبيعـة في هذه المرتبـة التي هي مرتبـة ذات الطبيعـة لا تكون معرفـة ولا نكرة ، ولذا يكون عروض التعريف والتنكير بسبب أمر آخر ، مثل الألف واللاّم المفيدة لتعريف الجنس ، وتنوين التنكير المفيدة لنكارتـه ، فلو كان معنى «رجل» الذي هو اسم الجنس معرّفاً ، لم يحتج في تعريفـه إلى إلحاق الألف واللاّم بـه ويستحيل تنكيره من غير تجريد كما لايخفى ، كما أ نّـه لو كان منكّراً ، لم يحتج إلى التنوين ، ولم يصحّ تعريفـه من غير تجريد ، وليس ذلك إلاّ لكون نفس الطبيعـة الموضوع لها اسم الجنس لايكون معرفـة ولا نكرة ، ولذا لايستعمل كذلك .
وأمّا علم الجنس فهو موضوع لنفس الطبيعـة الممتازة عن سائر الطبائع ، فإنّ كلّ طبيعـة إذا لوحظت بالإضافـة إلى سائر الطبائع تكون ممتازة عنها ومتعيّنـة بذاتها في عا لم الواقع ونفس الأمر ، وليس ذلك التعيّن دائراً مدار الاعتبار ، بل هو
(الصفحة 348)
أمر واقعي ، كا لتعريف في غيره من الموارد ، وحينئذ فا للّحاظ ليس مأخوذاً في المعنى حتّى يستحيل انطباقـه على الخارج ، بل المعنى هي الطبيعـة الممتازة بذاتها واقعاً ، وهو قابل للاتّحاد مع الخارج .
وبا لجملـة ، فمفاد علم الجنس والمعرّف بلام الجنس واحد غايـة الأمر تعدّد الدالّ في الثاني دون الأوّل ، كما لايخفى .
منها: المفرد المعرّف باللام
وممّا ذكرنا ظهر الحال في المفرد المعرّف با للاّم ، فإنّ المعرّف بلام الجنس معناه ما عرفت .
وأمّا المعرّف بلام الاستغراق أو العهد بأقسامـه فإنّـه أيضاً موضوع للمعنى المتعيّن ، وهو جميع الأفراد في الأوّل ، والمعنى المعهود في الثاني .
منها: النكرة
مثل «رجل» في جاء رجل ، أو جئني برجل .
وذكر في الكفايـة أنّ مدلولها في مثل الأوّل هو الفرد المعيّن المجهول عند المخاطب ، وفي الثاني هي الطبيعـة المأخوذة مع قيد الوحدة التي يدلّ عليها تنوين التنكير ، فيكون مدلولها في الأوّل جزئيّاً ، كما هو واضح ، وفي الثاني كلّياً(1) ، وهي حصّـة من الرجل ولايخفى أنّ الجزئيـة في الأوّل إنّما يستفاد من دالّ آخر ، وهو نسبـة المجيء إليـه ، وإلاّ فمن الواضح عدم تعدّد الوضع في باب النكرة ، فا لتحقيق أنّ مدلولها هو المعنى الكلّي في الموضعين .
(الصفحة 349)
ثمّ إنّك عرفت أنّ معنى المطلق هو خلوّ المعنى عن القيد ، سواء كان كليّاً أو جزئياً ، وحينئذ فتخصيص المطلق باسم الجنس والنكرة با لمعنى الثاني ـ كما أفاده في الكفايـة ـ في غير محلّـه ; لأنّ النكرة با لمعنى الأوّل ـ الذي هو أمر جزئي ـ مطلقـة ، كما في سائر الجزئيات ، فإنّ قولـه : أكرم زيداً ، مطلق من حيث عدم تقييد زيد با لجائي أو بغيره من القيود ، كما أ نّك عرفت أنّ لفظ المطلق لايحكي إلاّ عن نفس الطبيعـة ، وهي لايعقل أن تكون مرآةً للأفراد والخصوصيّات ، ومعنى إطلاقها من حيث تعلّق الحكم بها هو كون تمام المتعلّق للحكم المجعول هي نفسها من غير مدخليـة شيء آخر فيها ، وهذا المعنى يستفاد من فعل المتكلّم حيث إنّـه إذا كان بصدد بيان متعلّق حكمـه وكان مختاراً في التكلّم فهذا دليل بنظر العقل على أنّ المذكور تمام المتعلّق ، وليس ذلك من قبيل الدلالات اللفظيـة ، بل هو من الدلالات العقليّـة ، كدلالـة التكلّم على كون مدلول الكلام مقصوداً للمتكلّم ، وحينئذ فيظهر لك أنّ إثبات الإطلاق بضميمـة مقدّمات الحكمـة أو بغيرها ليس يرجع إلى إثبات الشياع والسريان ، كما ذكره في الكفايـة حيث قال : إنّ الشياع والسريان ـ كسائر طوارئ الطبيعـة ـ يكون خارجاً عمّا وضع لـه لفظ المطلق ، فلابدّ في الدلالـة عليـه من قرينـة حال أو مقال أو حكمـة(1) ، فإنّ ظاهره أنّ جريان مقدّمات الحكمـة يفيد الشياع والسريان ، مع أنّ مفادها ليس إلاّ كون المذكور تمام الموضوع ، ولا مدخليّـة لشيء آخر فيـه .
(الصفحة 350)الفصل الثالث
في مقدّمات الحكمـة
وكيف كان فقد ذكر في الكفايـة أنّ مقدّمات الحكمـة ثلاثـة :
إحداها:
كون المتكلّم في مقام بيان تمام المراد لا الإهمال أو الإجمال .
ثانيتها:
انتفاء ما يوجب التعيين .
ثالثتها:
انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب(1) .
أقول:
الظاهر أنّ قرينـة الحكمـة لا تتوقّف إلاّ على مقدّمـة واحدة ، وهي المقدّمـة الاُولى ، فهنا دعويان : الاُولى توقّفها على المقدّمـة الاُولى ، ثانيتهما عدم توقّفها على سائر المقدّمات .
أمّا الدعوى الاُولى:
فواضحـة ; لأنّـه إذا لم يكن المتكلّم في مقام بيان تمام المراد ، بل كان في مقام بيان حكم آخر أو في مقام بيان أصل التشريع ، لايمكن أن يحتجّ بكلامـه عليـه عند العقلاء ; لصحّـة اعتذاره بأ نّـه كان بصدد بيان جهـة اُخرى أو بيان الحكم بنحو الإجمال مثلاً .
(الصفحة 351)
وذهب في الدّرر إلى عدم الاحتياج إلى هذه المقدّمـة ، وقال في بيانـه ما ملخّصـه : أنّ المهملـة مردّدة بين المطلق والمقيّد ولا ثا لث ، ولا إشكال في أ نّـه لو كان المراد هو المقيّد تكون الإرادة متعلّقةً بـه بالأصا لة ، وإنّما ينسب إلى الطبيعة با لتبع لمكان الاتّحاد وحينئذ فنقول ظاهر الكلام هو تعلّق الإرادة أوّلاً وبا لذات بنفس الطبيعـة لا أنّ المراد هو المقيّد ، ثمّ اُضيفت الإرادة إلى الطبيعـة لمكان الاتّحاد ، وبعد ثبوت هذا الظهور تسري الإرادة إلى تمام الأفراد ، وهو معنى الإطلاق(1) . انتهى .
أقول:
ظهور الكلام في تعلّق الإرادة أوّلاً وبا لذات بنفس الطبيعـة إنّما هو فيما إذا اُحرز كون المتكلّم في مقام البيان ، وإلاّ فلو كان بصدد بيان حكم آخر فيمنع هذا الظهور بحيث يمكن الأخذ بـه والاحتجاج بـه عليـه ; لأنّـه ليس من الظهورات اللفظيّـة ، بل إنّما هو من الدلالات العقليّـة ، فتسليم الظهور مبني على ثبوت هذه المقدّمـة ، كما لايخفى .
وأمّا الدعوى الثانيـة:
فعدم الاحتياج إلى المقدّمـة الثانيـة واضح ، ضرورة أنّ مفروض الكلام إنّما هو فيما إذا دار الأمر بين كون المراد هو المطلق أو المقيّد ، وأمّا مع ثبوت القيد في الكلام فهو خارج عن مفروض المقام ; لعدم كون المراد مردّداً حينئذ ، كما هو واضح .
وأمّا المقدّمـة الثا لثـة فهي أيضاً غير محتاج إليها ; لعدم كون ثبوت القدر المتيقّن في مقام التخاطب مضرّاً بالإطلاق أصلاً .
وتوضيحـه:
أ نّك عرفت أنّ معنى الإطلاق ليس كون الطبيعـة المأخوذة متعلّقاً للحكم ساريـة في جميع الأفراد وشائعـة بين جميع الوجودات حتّى يكون
- 1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 234.