(الصفحة 36)
لايفيد بعدما عرفت منّا في الجواب عن المحقّق العراقي(قدس سره) من أنّ الإضافـة من الاُمور الإضافيـة التي من شأنها تحقّق أطرافها با لفعل ، ومع انتفاء بعضها لايعقل تحقّقها ، كما هو واضح لايخفى .
وأمّا ما ذكره ثالثاً:
من أنّ النزاع ليس في الاُمور الاعتباريـة الانتزاعيـة .
ففيـه:
أ نّـه لم يقل أحد بأنّ النزاع في هذه الاُمور ، وإنّما ذكرها بعض في مقام التخلّص عن الإشكال(1) . وقد عرفت سابقاً أ نّـه لايمكن الجواب بـه ; لأنّ صدق هذه العناوين متوقّف على تحقّق الأطراف ، وقد ذكرنا ذلك بما لا مزيد عليـه ، فلا نطيل بالإعادة .
وأمّا ما ذكره من الفرق بين القضايا الحقيقيـة والخارجيـة:
من أنّ العلم لادخل لـه في الاُولى دون الثانيـة .
فيرد عليـه:
المنع من مدخليـة العلم في جميع القضايا الخارجيـة ، ألا ترى أ نّـه لو أنفذ المولى عقداً فضوليّاً خاصّاً ، فهل يرضى أحد بكون المؤثّر هو علم المولى بتحقّق الإجازة فيما بعد دون نفس الإجازة من الما لك ؟ وهل هو إلاّ القول بعدم مدخليـة رضى الما لك في انتقال ملكـه إلى شخص آخر ؟ والضرورة قاضيـة بخلافـه ، كما أنّ ما ذكره من أ نّـه لو كانت القضيـة بنحو القضايا الحقيقيـة كما هو كذلك في المجعولات الشرعيـة يكون الامتناع ضرورياً غير محتاج إلى إقامـة برهان ، لايتمّ بناءً على ما ذكرنا في مقام الجواب من أنّ الموضوع في تلك القضايا التي توهّم انخرام القاعدة العقليـة بها هو ذات الموضوع المتقدّم بحسب الحقيقـة لا مع اتّصافـه بعنوان التقدّم المستلزم لاتّصاف الآخر بعنوان التأخّر المستلزم لوجوده في الخارج للقاعدة الفرعيـة ، كما هو واضح .
- 1 ـ الفصول الغرويّـة: 80 / السطر 32.
(الصفحة 37)
الأمر الرابع
في الواجب المطلق والمشروط
ينقسم الواجب ببعض الاعتبارات إلى واجب مطلق ومشروط ، ولايخفى أنّ الإطلاق والاشتراط وصفان إضافيّان لا حقيقيّان ، فا لواجب با لنسبـة إلى كلّ قيد إمّا مشروط أو لا ، فا لثاني غير مشروط با لنسبـة إلى ذلك القيد ولو فرض كونـه مشروطاً بالإضافـة إلى غيره .
ثمّ إنّـه ربّما ينسب إلى الشيخ ـ كما في التقريرات المنسوبـة إليـه ـ نفي الواجب المشروط ، وأنّ الشرائط والقيود كلّها راجعـة إلى المادّة لا الهيئـة ; لامتناع تقييد الهيئـة(1) ، كما سيجيء وجهـه .
ولابدّ من التكلّم في مقامين :
الأوّل:
في أنّ القيود هل هي راجعـة في الواقع إلى الهيئـة أو إلى المادّة ؟ أو تكون على قسمين بعضها إلى الاُولى وبعضها إلى الثانيـة .
الثاني:
في أنّ القيود بحسب اللّفظ هل يرجع إلى المادّة أو الهيئـة ؟
في مقام الثبوت وتصوير الواجب المشروط
أمّا المقام الأوّل ، فنقول : إنّـه قد يتعلّق إرادة الإنسان بشيء من دون التقييد بشيء آخر لتماميّتـه في حصول الغرض الباعث على تعلّق الإرادة بها ، مثل العطشان المريد لرفع عطشـه ، فإنّـه لايريد إلاّ مجرّد ذلك من غير نظر إلى أن
- 1 ـ مطارح الأنظار: 46 / السطر 2.
(الصفحة 38)
يكون الماء واقعاً في ظرف كذا أو مع خصوصيـة كذا ، ولا إشكال في كون الإرادة المتعلّقـة بمراده إرادةً مطلقـة ، فلو أمر غلامـه بسقيـه ، يكون السقي واجباً مطلقاً من حيث خصوصيّات الماء أو الظرف الواقع فيـه ونظائرهما .
وقد يتعلّق إرادة الإنسان بشيء مقيّد بأمر كذا بحيث لايحصل غرضـه إلاّ بحصول الشيء مقيّداً ، كما إذا أراد السقي با لماء الخاصّ لترتّب الأثر المقصود عليـه مع الخصوصيـة ، فيأمر با لسقي بذلك الماء ، ولا إشكال أيضاً في كون الإرادة المتعلّقـة بما يحصل بـه غرضـه إرادةً مطلقـة غير مقيّدة بشيء ; إذ الإرادة لا تتعلّق إلاّ بما يؤثّر في حصول غرضـه ، كيف ومن مقدّماتـه التصديق بفائدة الشيء المراد ، والمفروض أنّ الفائدة مترتّبـة على الشيء المقيّد بوصف كذا .
وقد يتعلّق إرادة الإنسان بشيء من دون التقييد بوصف ولكن لايتمكّن من الأمر بـه مطلقاً ; لمانع فيـه أو في المأمور ، كما إذا أشرف ولده على الغرق والهلاك ، فالإرادة المتعلّقـة بنجاة ولده إرادة مطلقـة غير مقيّدة بشيء ولكن لايمكن لـه الأمر بذلك مطلقاً ; لأنّـه ربّما يكون العبد عاجزاً عن الإتيان با لمأمور بـه ، وربّما يكون المانع من قِبَل نفسـه .
وقد يتعلّق إرادة الإنسان بشيء على فرض حصول شيء آخر ; لأنّ الغرض يترتّب عليـه على ذلك التقدير ، كما إذا أراد ضيافـة صديقـه على فرض مجيئـه إلى منزلـه ، فالإرادة المتعلّقـة با لضيافـة ليست إرادةً مطلقـة ، بل مقيّدة بحصول ذلك الشيء .
ومن جميع ما ذكرنا ظهر:
أنّ القيود بحسب الواقع واللبّ مع قطع النظر عن ظاهر الدليل على قسمين : قسم يتعلّق با لمادّة ، وهو الذي لـه دخل في حصول الغرض المطلوب ، كا لقسم الثاني من الأقسام المتقدّمـة ، وقسم يتعلّق با لهيئـة التي مفادها البعث والتحريك ، كا لقسمين الأخيرين .
(الصفحة 39)في مقام الإثبات وإمكان رجوع القيد إلى الهيئـة
وأمّا المقام الثاني فقد يقال : ـ كما قيل ـ بامتناع رجوع القيود إلى الهيئـة وإن كان بحسب ظاهر اللّفظ راجعاً إليها .
إمّا لأنّ الهيئـة من المعاني الحرفيـة ، وهي غير قابلـة للتقييد .
وإمّا لأنّ الوضع فيها على نحو الوضع العامّ والموضوع لـه الخاصّ ، ومن المعلوم امتناع تقييد الجزئيّات .
وإمّا للزوم التناقض بعد كون المنشأ أوّلاً هو الوجوب مطلقاً ، فتقييده بثبوتـه على تقدير وعدم ثبوتـه على تقدير اُخرى مناقض للمنشأ أوّلاً .
هذا ، ولايخفى ما في هذه الوجوه من النظر بل المنع .
أمّا الوجـه الأوّل:
فيرد عليـه أنّ التقييد أمر واقعي ، غايـة الأمر أنّ المتكلّم لابدّ لـه أن يأتي بالألفاظ طبقاً لـه ; لوضوح أن كلّ لفظ لايحكي إلاّ عن معناه الموضوع لـه ، وقد عرفت في وضع الحروف أنّ القضايا الخبريـة أكثرها يرجع إلى الإخبار عن المعاني الحرفيـة ، فإنّ المعنّى بقول : «زيد قائم» ليس إلاّ الإخبار عن انتساب القيام إليـه ، واتّحاد القائم معـه ، وهذا المعنى لا إشكال في كونـه معنىً حرفيّاً ، كما أنّ القيود الواقعـة في الكلام راجعـة إلى ذلك المعنى الحرفي ، فقولـه : ضربت زيداً يوم الجمعـة ، مثلاً يكون الظرف راجعاً إلى تحقّق الضرب عليـه الذي يكون من المعاني الحرفيـة .
وبا لجملـة فالإخبارات والتقييدات أكثرها مرتبطـة با لمعاني الحرفيـة وراجعـة إليـه ، وقد عرفت أنّ التقييد أمر واقعي لا ارتباط لـه با للّفظ حتّى يحتاج تقييد المعاني الحرفيـة إلى لحاظها ثانياً بالاستقلال ، فيلزم في الجملـة المشتملـة على تقييدات عديدة لحاظ تلك المعاني بقدر القيود ، بل يكون في المثال تحقّق
(الصفحة 40)
ا لضرب في يوم الجمعـة واقعاً ، والمتكلّم لابدّ أن يأتي بالألفاظ على طبق المعاني الواقعيـة ، لا أن يكون لفظ الضرب المأتي بـه أوّلاً مطلقاً ، فيلاحظ تقييده ثانياً ، كما لايخفى .
وأمّا الوجـه الثاني:
فلأنّ التحقيق في وضع الحروف وإن كان ما ذكر إلاّ أ نّـه لا امتناع في تقييد الجزئي أصلاً باعتبار الحالات والعوارض الطارئـة لـه أليس التقييد في قولـه : «أكرم زيداً إن جاءك» راجعاً إلى زيد الذي هو فرد جزئي بناء على ما ذكره من رجوع القيد إلى المادّة دون الهيئـة .
وأمّا الوجـه الثالث:
فبطلانـه أظهر من أن يخفى .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أوّلاً أنّ القيود بحسب الواقع على قسمين ، وثانياً إمكان رجوعها إلى الهيئـة ، فلا وجـه لرفع اليد عمّا هو ظاهر القضيّـة الشرطيـة من توقّف التا لي على المقدّم ، كما لايخفى .
نقل وتحصيل: في ضابط قيود الهيئـة والمادة
ثمّ إنّـه ذكر بعض الأعاظم(قدس سره) في مقام بيان الفرق بين شروط الأمر والوجوب وبين شروط المأمور بـه والواجب أنّ القيود على نحوين :
أحدهما:
ما يتوقّف اتّصاف الفعل بكونـه ذا مصلحـة على حصولـه في الخارج ، كا لزوال والاستطاعـة با لنسبـة إلى الصلاة والحجّ ، فإنّ الصلاة لاتكون ذات مصلحـة إلاّ بعد تحقّق الزوال ، وكذلك الحج بالإضافـة إلى الاستطاعـة ، وأمّا قبل تحقّق هذين القيدين فلايرى المولى مصلحـة في الصلاة والحجّ ، ولهذا يأمر بهما معلّقاً أمره على تحقّق هذين القيدين في الخارج .
ثانيهما:
القيود التي تتوقّف فعليـة المصلحـة وحصولها في الخارج على تحقّقها ، فلا تكاد تحصل تلك المصلحـة في الخارج إلاّ إذا اقترن الفعل بتلك القيود