(الصفحة 405)
ا لقلبي ; ولذا لو أظهر المتكلّم ماهو المقطوع بـه بصورة الترديد لا تصير القضيّـة ممّا يصحّ السكوت عليها . وبا لجملـة : فلاريب في عدم كون الموافقـة الالتزاميـة ونظائرها من الاُمور القلبيـة تابعاً في تحقّقـه للإرادة والاختيار أصلاً .
ثمّ إنّـه بناءً على ما ذكرنا من كون الموافقـة الالتزاميـة ليست من الاُمور الاختياريـة ، بل إنّما تتحقّق قهراً عند حصول مبادئها تكون الموافقـة الالتزاميـة على طبق العلم بالأحكام ، فإن كان العلم متعلّقاً بحكم تفصيلاً يكون الالتزام بـه أيضاً كذلك ، وإن كان العلم إجما لياً يكون الالتزام أيضاً كذلك ، كما أنّ الالتزام قد يكون با لحكم الظاهري ، إذا كان العلم أيضاً متعلّقاً بـه ، وقد يكون با لحكم الواقعي ، إذا كان متعلّقاً للعلم . وكما أنّ جعل الحكم الواقعي والظاهري في مورد واحد ، وتعلّق العلم بهما ممّا لا مانع منـه ، كذلك الالتزام بهما في ذلك المورد ممّا لا مانع منـه أصلاً .
ومن هنا يظهر:
أنّـه لا مانع من قبل لزوم الالتزام في جريان الاُصول في أطراف العلم الإجما لي ، كما أنّ جريانها لايدفع الالتزام با لحكم الواقعي ; لأنّـه تابع للعلم بـه ، وجريانها لاينافيـه أصلاً . وبا لجملـة : فمسألـة جريان الاُصول في أطراف الشبهـة المحصورة لا ارتباط لها بمسألـة الموافقـة الالتزاميـة ، كما لايخفى .
(الصفحة 406)الأمر السادس
أحكام العلم الإجمالي
قد عرفت : أنّ العلم التفصيلي يكون علّـة تامّـة لتنجّز التكليف ، فهل القطع الإجما لي أيضاً كذلك ، أم لا ؟ ولايخفى أنّ الكلام فيما يتعلّق با لعلم الإجما لي يقع في مقامين : أحدهما فيما يرجع إلى ثبوت التكليف بـه ، وثانيهما فيما يتعلّق بمرحلـة سقوط التكليف بـه .
المقام الأوّل: في تنجّز التكليف بالعلم الإجمالي
فقد يقال بأنّ العلم الإجما لي لايؤثّر في تنجّز التكليف أصلاً ، ويكون حا لـه حال الشبهـة البدويـة ; لأنّ موضوع حكم العقل في باب المعصيـة هو ما إذا علم المكلّف حين إتيانـه أنّـه معصيـة فارتكبـه ، ومن المعلوم أنّ المرتكب لأطراف العلم الإجما لي لايكون كذلك ; لأنّـه لايعلم با لمعصيـة إلاّ بعد إتيان جميع الأطراف في الشبهـة المحصورة التحريميـة(1) .
- 1 ـ اُنظر فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 75.
(الصفحة 407)
هذا ، ولكن يردّ هذا الكلام العقل السليم ، فإنّـه لا فرق في نظره بين قتل ابن المولى مثلاً مع كونـه معلوماً تفصيلاً ، وبين قتلـه في ضمن عدّة في قبحـه عند العقل . وبا لجملـة : لا إشكال في حرمـة المخا لفـة القطعيـة وقبحها عند العقل مطلقاً ، ومن المعلوم أنّ ارتكاب جميع الأطراف مخا لفـة قطعيـة لتكليف المولى .
هذا، وذكر في «الكفايـة» ما حاصلـه:
أنّ التكليف ; حيث لم ينكشف بـه تمام الانكشاف ، وكانت مرتبـة الحكم الظاهري محفوظـة معـه فجاز الإذن من الشارع بمخا لفتـه احتمالاً ، بل قطعاً . ومحذور المناقضـة بينـه وبين المقطوع إجمالاً إنّما هو محذور مناقضـة الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي في الشبهـة الغير المحصورة ، بل الشبهـة البدويـة ; ضرورة عدم تفاوت بينهما أصلاً . فما بـه التفصّي عن المحذور فيهما كان بـه التفصّي عنـه في المقام ، نعم ، العلم الإجما لي كا لتفصيلي في مجرّد الاقتضاء ، لا في العلّيـة التامّـة ، فيوجب تنجّز التكليف ما لم يمنع عنـه مانع عقلاً أو شرعاً(1) ، انتهى ملخّصاً .
وأنت خبير بأنّ مورد البحث في المقام إنّما هو فيما إذا كان المعلوم الإجما لي تكليفاً فعلياً ; ضرورة أنّ التكليف الإنشائي لايصير متنجّزاً ، ولو تعلّق بـه العلم التفصيلي ، فضلاً عن العلم الإجما لي . فا لكلام إنّما هو في التكليف الذي لو كان متعلّقاً للعلم التفصيلي لما كان إشكال في تنجّزه ، ووجوب موافقتـه ، وحرمـة مخا لفتـه . غايـة الأمر : أنّـه صار معلوماً بالإجمال .
وحينئذ فمن الواضح:
أنّـه لايعقل مع ثبوت التكليف الفعلي الإذن في ارتكاب بعض الأطراف ، فضلاً عن جميعها ، بل لايعقل ذلك مع احتما لـه ; لاستحا لـة اجتماع القطع بالإذن في الارتكاب ، واحتمال التحريم الفعلي ; لأنّ
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 313 ـ 314.
(الصفحة 408)
مرجعـه إلى إمكان احتمال الجمع بين المتناقضين .
وتوهّم
: أنّـه لا مانع من اجتماع التكليف الفعلي مع الإذن في الارتكاب ـ بعد كون متعلّقهما مختلفين ـ لأنّ متعلّق التحريم الفعلي المعلوم إنّما هو الخمر الواقعي ، ومتعلّق الإذن هو الخمر المشكوك ; أي مشكوك الخمريـة ، ومن المعلوم أنّ بين العنوانين عموماً من وجـه . وقد حقّق في مبحث اجتماع الأمر والنهي القول با لجواز في تلك الصورة .
مدفوع
: بأنّ محلّ النزاع في تلك المسألـة هو ما إذا كان تكليف متوجّهاً إلى طبيعـة ، وتكليف آخر متوجّهاً إلى طبيعـة اُخرى بينهما إمكان التصادق في الخارج ، من دون أن يكون في أحدهما نظر إلى ثبوت الآخر ، وهذا بخلاف المقام ، فإنّ الترخيص في ارتكاب مشكوك الخمريـة إنّما هو بملاحظـة ثبوت الحرمـة للخمر الواقعي ; ضرورة أنّـه لو لم يكن الخمر الواقعي متعلّقاً للتحريم لما كان وجه في ترخيص مشكوك الخمريـة ، وقد عرفت أنّ مع ثبوت فعليـة الحرمـة لايبقى مجال للترخيص أصلاً ، ولايجدي في ذلك اختلاف العنوانين على هذا النحو .
المقام الثاني: في سقوط التكليف بالامتثال الإجمالي
ولايخفى أنّ محلّ الكلام في هذا المقام إنّما هو في أنّ مجرّد الترديد في ناحيـة الامتثال ، وعدم العلم تفصيلاً بكون المأمور بـه الواقعي هل هي صلاة الظهر أو الجمعـة ـ مثلا ـ هل يوجب تحقّق الامتثال عند العقل أم لا ، وأمّا لو فرض أنّ الامتثال الإجما لي يستلزم عدم تحقّق المأمور بـه بجميع أجزائـه وشرائطـه ; لكونـه مقيّداً بما لاينطبق إلاّ مع الامتثال التفصيلي فهو خارج عن مفروض البحث ; لأنّ مورده ـ كما عرفت ـ هو صورة تحقّق المأمور بـه تامّاً ; من حيث القيود ، غايـة الأمر أنّـه لايعلم بـه تفصيلاً .
(الصفحة 409)
ومن هنا يظهر:
أنّ الإشكال في الاكتفاء بـه من جهـة الإخلال با لوجـه أو با لتمييز ممّا لايرتبط با لمقام ; لأنّ مرجعـه إلى الامتثال الإجما لي يستلزم عدم تحقّق المأمور بـه بتمام قيوده ; لإخلالـه با لوجـه أو التمييز المعتبر فيـه ، فيتوقّف تحقّقـه بأجمعـه على الامتثال التفصيلي ، وقد عرفت أنّ ذلك خارج عن موضوع البحث .
نعم ، في الاكتفاء بـه في مقام الامتثال إشكالان واردان على مورد البحث :
أحدهما:
كون الامتثال الإجما لي لعباً وعبثاً بأمر المولى(1) . ولكنّـه مردود ، مضافاً إلى أنّـه ربّما يكون ذلك لداع عقلائي ، كما إذا كان تحصيل العلم التفصيلي أشقّ عليـه من الاحتياط . إنّما يضرّ ذلك إذا كان لعباً بأمر المولى ، لا في كيفيـة إطاعتـه ، بعد حصول الداعي إليها ; ضرورة أنّ خصوصيات الإطاعـة وكيفياتها إنّما هي بيد المكلّف ، ولايعتبر فيها الداعي الإلهي ، كما هو واضح .
ثانيهما:
أنّ رتبـة الامتثال العلمي الإجما لي متأخّرة عن رتبـة الامتثال العلمي التفصيلي ; لأنّ حقيقـة الإطاعـة عند العقل هو الانبعاث عن بعث المولى ; بحيث يكون الداعي والمحرّك لـه نحو العمل هو تعلّق الأمر بـه ، وانطباق المأمور بـه عليـه ، وهذا المعنى غير متحقّق في الامتثال الإجما لي ; لأنّ الداعي لـه نحو العمل بكلّ واحد من فردي الترديد ليس إلاّ احتمال تعلّق الأمر بـه . نعم ، الانبعاث عن احتمال البعث وإن كان أيضاً نحواً من الطاعـة عند العقل إلاّ أنّ رتبتـه متأخّرة عن الامتثال التفصيلي . هذا ملخّص ما أفاده بعض الأعاظم على ما في تقريرات بحثـه(2) .
- 1 ـ فرائد الاُصول 2: 508.
- 2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 72 ـ 73.